ألقى كورونا بتداعياته الإنسانية والصحية والاقتصادية والسياسية بظلاله على الأجندة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبدل التركيز على الإنجاز الاقتصادي المحقق خلال الولاية الأولى والذي أخذ يتبدد تحت وقع الجائحة، أخذ سيد البيت الأبيض الحالي يركز على الصين ومسؤوليتها لما في ذلك من ربط بين البعدين الداخلي والخارجي في معركته الحاسمة ضد السيناتور جو بايدن. لكن ذلك لا يعني عدم وجود الشرق الأوسط وصراعاته في حسابات ترامب الانتخابية، وذلك نظرا للانعكاسات المباشرة على ضمان تصويت جزء من القاعدة الانتخابية المتأرجحة، وكذلك على صورة الرئيس وحصاده الإجمالي في السياسة الخارجية.
تتعدد الملفات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبعضها يتصل بصراعات بلورة ميزان القوى الدولي الجديد سواء بين واشنطن وبكين، أو بين واشنطن وموسكو وأطراف أوروبية وإقليمية أخرى. لكن ملفات النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني والملف الإيراني وحرب أسعار وحصص النفط تلقي بظلالها على جدول أعمال الرئيس – المرشح، لأنها يمكن أن تؤثر نسبيا على حظوظه في نوفمبر القادم خاصة أن المؤشرات المتوفرة تفيدنا بأن التنافس سيكون حادا وبأن الفوز سيكون بفارق ضئيل من الأصوات.
بعد مخاض عسير وثلاثة انتخابات عامة، تمكن بنيامين نتنياهو من البقاء رئيسا للوزراء في إسرائيل حتى نوفمبر 2021 عبر تقاسم رئاسة حكومة الوحدة الوطنية مع رئيس حزب “أزرق أبيض” وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي بيني غانتس. وفي سياق سيطرة اليمين المتشدد واليمين الديني على المشهد السياسي (بالرغم من تصنيف حزب غانتس بالمعتدل) يشمل برنامج التحالف الوطني للحكومة التي سهلتها “حالة الطوارئ الوطنية” المواكبة لجائحة كوفيد – 19، إقرار ضم جزء من الضفة الغربية والأغوار (ثلث مساحة الضفة المحتلة منذ 1967) وهذه الخطوة التي يروج لها نتنياهو منذ زمن، تناقض بالطبع ما تبقى من اتفاقيات أوسلو المؤقتة مع السلطة الفلسطينية، وتناقض القانون الدولي ولكنها تحظى بدعم إدارة ترامب.
وبالرغم من تسريب طلب مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل بتأجيل الإعلان عن الضم مراعاة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ولأخذ الوقت المطلوب لتمرير ذلك عربيا ودوليا، والقبول الإسرائيلي للوهلة الأولى بهذا التأجيل، لكن نتنياهو الذي يستلهم أفكار زئيف جابوتينسكي الصهيونية المتشددة، ويحلو له أن يلقب بـ”ملك إسرائيل”، يدغدغه حلم إسرائيل التوراتية ويود عمليا محو إمكانية إقامة دولة فلسطينية أو كيان فلسطيني إلى جانب دولة إسرائيل. ولذا يخشى “بيبي” من سقوط رهانه في حال عدم إعادة انتخاب صديقه ترامب الذي كان الرئيس الأميركي الأكثر التصاقا بإسرائيل خاصة مع قراراته حول القدس والاستيطان والجولان. ومن هنا يرجح أن تقدم حكومة الوحدة الوطنية على خيار الضم مستفيدة بشكل ملموس من حاجة ترامب لكتلة الإنجيليين الأصوليين ولوبي “ايباك” المسكونين بدوافعهما الدينية وتهويد الضفة الغربية.
بيد أن ملف العلاقة الأميركية – الإسرائيلية، وانعكاسه على الداخل الأميركي، لا يمكن فصله عن ملف شائك آخر على الجبهة الإيرانية حيث سيفرض ذلك ترتيبا آخر للأولويات لدى صاحب القرار في واشنطن. إن التناغم الأميركي – الإسرائيلي الكبير إزاء الملف الإيراني يؤكد التشابك بين ملفات تترابط مع بعضها، وتحد من هامش مناورة واشنطن خلال الأشهر الخمسة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيما سيفتش نتنياهو عن استغلال باقي فترة ترامب ليتمم عمليات القضم والاستيطان، ويحدث سبقا إقليميا يحد من النفوذ الإيراني خاصة في الجوار القريب (سوريا ولبنان) كما يتصور.
واللافت أن خطط دونالد ترامب حيال إيران منذ الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي في مايو 2018، لم تكلل بنتائج حاسمة إذ أن ممارسة “الضغط الأقصى” عبر تشديد العقوبات وعملية اغتيال قاسم سليماني والمتاعب الاقتصادية لإيران، لم تنجح في لي ذراع الحكم الإيراني حيث يسيطر الجناح الأكثر تشددا حول المرشد علي خامنئي إذ بالإضافة للانسحاب من غالبية القيود المفروضة في اتفاق فيينا حول البرنامج النووي، وإقامة تجربة على قمر صناعي عسكري لتطوير القدرات الباليستية، واستمرار سياسة التوسع الإقليمي وصولا إلى التحدي بإرسال ناقلات البنزين لفنزويلا، تشاكس طهران واشنطن وتعمل على إحراج ترامب والوقوف إلى جانب الصين في اختبار القوة معه.
وتدلنا هذه التطورات على حساسية الوضع في المرحلة القريبة القادمة وإمكانية حصول تصعيد على أحد مسارح التوتر، خاصة وأن الجانب الإيراني يصر على مكاسبه الإقليمية وعدم تقديم أي تنازل، ولأن الرئيس ترامب يبدو بحاجة ملموسة لتحقيق إنجاز يتفاخر به في سباقه الانتخابي. وستكون مسألة تمديد حظر الأمم المتحدة على إيران في أكتوبر القادم، مليئة بالمخاطر وربما حبلى بمفاجآت من هذا الجانب أو ذاك.
وفي المقام الثالث من اهتمامات ترامب الشرق أوسطية، تحل “حرب أسعار النفط وإنتاجه” ولوحظ أن إدارة ترامب القلقة من انهيار سوق النفط في الشهرين الأخيرين نجحت بعد سلسلة ضغوط خاصة على المملكة العربية السعودية من تعويم، ولو محدود، يمكن أن يسهم في منع تفكيك صناعة النفط والغاز الحجري في ولايات أميركية حساسة انتخابيا بالنسبة لترامب. لكن أساليب الرئيس الأميركي في التعامل مع المنافسين والحلفاء تزيد من عناصر الاحتدام في المشهد الدولي ولا تسهم حتما في تعزيز مصداقية واشنطن وسياستها الخارجية. ويزيد ذلك الخشية من أن الشرق الأوسط الذي تفادى زخم كارثة كورونا حتى الآن، يمكن أن يدفع ثمن الحسابات الانتخابية لدونالد ترامب ودبلوماسيته المتأرجحة، وسيسهل ذلك بالطبع حسابات نتنياهو ورهانات لاعبين إقليميين على عودة “عصر الأمبراطوريات” من طهران وأنقرة.
العرب صحيفة