نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلتها في اسطنبول بيثان ماكرنان، عن الإنجازات التي حققتها حكومة الوفاق الوطني الليبية في طرابلس، ضد المقاتلين التابعين لخليفة حفتر، الجنرال المتمرد في شرق ليبيا والذي يحاصر العاصمة منذ العام الماضي.
وجاء في التقرير المعنون “من إدلب إلى طرابلس: تركيا تنتزع السيطرة في ليبيا” أن رحلة وائل عمرو الأولى على طائرة لم تكن مثلما شاهدها في الأفلام، جميلة ومريحة تغادر مدينته إدلب.
وبدلا من ذلك سافر الشاب البالغ من العمر 22 عاما عبر الحدود إلى تركيا وركب طائرة في رحلة إلى ليبيا لا للزيارة، بل للمشاركة في جبهة قتالية خطيرة.
وتنقل الكاتبة عن عمرو قوله: “أخبروني أنني سأدعم الوحدات الطبية وسأحصل على أموال جيدة، ولكن القتال هنا أسوأ مما جربته في سوريا، وهو قتال شوارع”.
وأضاف: “بعض السوريين جاءوا إلى هنا من أجل المال، وهناك البعض يقول إنهم يدعمون الليبيين ضد الطغيان. ولا أعرف لماذا طلبت تركيا من السوريين القتال في ليبيا. ولا أعرف أي شيء عن هذا البلد.. فقط الثورة ضد القذافي”.
وتعلق الصحيفة أن وائل هو واحد من بين 8.000- 10.000 سوري يقاتلون في ليبيا؛ لأن تركيا “مافي وطن” ( الوطن الأزرق)، تطمح لتحقيق التفوق في منطقة شرق المتوسط.
وتعلق ماكرنان أن المشروع الذي مضى عليه 14 عاما، يشتمل على نزاع طويل مع اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل ولبنان حول حقوق التنقيب عن النفط والغاز.
ووصل النزاع ذروته في الحرب الليبية التي جلبت إليها قوى خارجية حتى قبل بدايتها عام 2014. ولا تزال حرب الوكالة في سوريا واليمن مستمرة، ولكن في عالم تخفت فيه القوة الأمريكية، برزت ليبيا الملعب الواعد للقوى الإقليمية التي تحاول الحصول على حصة من دمار الربيع العربي.
فأنصار الإسلام السياسي والعثمانيون الجدد يقفون كما تقول الكاتبة أمام القوميين العرب والدول الملكية وغيرهم، في مزيج ملتهب من النفط والمرتزقة والأيديولوجية والطموحات الجيوسياسية الواضحة. وكما يعرف الشعب الليبي الذي يعاني منذ فترة أن حظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة لم يعد قائما، فقد انتشرت الجماعات المسلحة ذات الولاءات المتقلبة، وتميل نحو الاختطاف للحصول على الفدية خلال السنوات التسع الماضية.
ففي الغرب الليبي هناك حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة وسلطتها على الأرض ضعيفة وتحظى بدعم من تركيا وقطر وإلى حد ما إيطاليا. وتخوض الحكومة حربا ضد الجنرال حفتر الذي عيّنه برلمان شرق ليبيا.
ويعتقد أنصار حفتر أنه حاجز ضد التطرف، مع أن نقاده وأعداءه يرون فيه نسخة أخرى من الديكتاتور القذافي. وتدعمه الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية والأردن وفرنسا وروسيا ومجموعات من المرتزقة السودانيين والسوريين ومرتزقة شركة فاغنر الروسية.
وأعلن حفتر في نيسان/ أبريل 2019 عبر ما يعرف بالجيش الوطني الليبي، الهجوم على طرابلس، مما أدى إلى معركة أسوأ من الحملة التي شنها الناتو للإطاحة بالقذافي عام 2011.
وفي نهاية عام 2019، اتخذ الرئيس رجب طيب أردوغان، قرارا جريئا بدعم حكومة الوفاق بعدما شعر أن قوات حفتر ستدخل طرابلس، ووقّع مع الوفاق معاهدات جديدة حول الحدود البحرية والدعم العسكري والتي رفضها أعداء تركيا في البحر المتوسط.
ويقول أنس الغماطي، مدير معهد الصادق في طرابلس: “كانت حكومة الوفاق تفتقد الدعم العسكري والدبلوماسي ولكن ليس أموال النفط بعد”. و”كان تحركا ذكيا من جانب أنقرة، فمن خلال دعم طرابلس تتطلع تركيا للحصول على مليارات الدولارات في مشاريع إنشاءات لم تكتمل وتم توقيعها في عهد القذافي وستكون الأولى عندما تبدأ عملية إعادة الإعمار”.
ورغم عزلة تركيا على المسرح الدولي، وعدم دعم الرأي العام التركي للعملية الحالية، إلا أن أردوغان يحصد ثمار المغامرة الأخيرة، فطائرات استطلاع متقدمة وطائرات مسيرة مع قوات من المقاتلين السوريين حققوا لأنقرة نتائج باهرة من خلال حرف ميزان المعركة لصالح حكومة الوفاق الوطني، ووصلت ذروتها بالسيطرة على قاعدة الوطية الجوية وبلدة الأصابعة. وأعلن حفتر انسحابا جزئيا من منطقة طرابلس.
أما الجانب البحري من المعاهدة فقد أغضب اليونان؛ لأنه يقطع المياه البحرية لها. وهدد الاتحاد الاوروبي بعقوبات جديدة بسبب العمليات التركية قرب الشواطئ القبرصية.
وحتى لو رفضت المحاكم الدولية الاتفاق التركي- الليبي، إلا أن المعركة القانونية أخّرت مشاريع التنقيب المشتركة التي أعلنت عنها الدول المنافسة وهي اليونان وإسرائيل وقبرص والهادفة لبناء خط خاص يتجاوز تركيا.
وهناك شائعات في الدوائر الدبلوماسية أن تركيا وإسرائيل ستعيدان العلاقات الدبلوماسية الكاملة. وقال مصطفى كارهان، مدير شركة استشارات الطاقة “دراغون كونسالتنسي”: “الحصول على الغاز من البحر المتوسط ليس مشروعا اقتصاديا، فإمدادات الغاز ليست حاجة مالية ملحّة لتركيا بعد. وكل هذا هو استعراض القوة السياسية”.
وأضاف: “الإنفاق على مشاريع الطاقة في البحر المتوسط مثل ميزانيات الدفاع، وهو مثل سباق التسلح وعليك أن تتحرك قبل منافسك”. وقد تجد تركيا مشروع “الوطن الأزرق” في أزمة خاصة إن تورطت في ليبيا وهي تخوض حربا مع الأكراد في شمال- شرق سوريا وتواجه الإمارات في الصومال.
وفي الوقت الذي لم ترض فيه روسيا والإمارات عن أداء حفتر، إلا أن الرهانات عالية ولا يمكن التخلي عنه.
وتبادلت تركيا وحفتر التهديدات، فيما قالت أخبار إن مقاتلات روسية وصلت من سوريا إلى شرق ليبيا تستطيع تدمير الدفاعات التركية. وبالنسبة لأنقرة وموسكو، فذكريات المواجهة المباشرة في سوريا بداية هذا العام لا تزال طرية، وتقول إن الحرب التي تخوضها تركيا في ليبيا تعتبر مقامرة كبرى لأنقرة، ولكن أردوغان الذي يحكم تركيا منذ 17 عاما لم يعد يخشى المغامرة، ومياه البحر المتوسط بدأت تسخن.
القدس العربي