في مثل هذه الأيام من عام 2018، بدأت حوارات بين القوى الفائزة في الانتخابات التشريعية، التي جرت في الثاني عشر من مايو/أيار من العام ذاته، لتشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى التي من حقها ترشيح رئيس الوزراء، ونتج عن ذلك الإعلان عن تحالفين كبيرين، ادعى كل منهما أنه الكتلة الكبرى التي يتيح لها الدستور تشكيل الحكومة، قبل أن يتلاشى دورهما اليوم.
التحالف الأول سمي “الإصلاح”، وضم قوى رئيسية، مثل ائتلاف “النصر” برئاسة حيدر العبادي، وتحالف “سائرون” المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتيار “الحكمة” برئاسة عمار الحكيم، وتحالف “القرار” بزعامة أسامة النجيفي، وقوى أخرى.
أما التحالف الواسع الثاني، فقد أطلق عليه اسم “البناء”، وضم قوى سياسية مقربة من إيران، مثل تحالف “الفتح”، وهو الجناح السياسي لفصائل “الحشد الشعبي”، وائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، وكتلة “إرادة”، بالإضافة إلى نواب “حزب الحل”، من ضمنهم رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وتحالف “المحور”.
ولم يتمكن أي من تحالفي “الفتح” و”سائرون” من ترشيح شخصية لتولي رئاسة الحكومة بمعزل عن الآخر، ما دفعهما لخوض حوارات ثنائية نتج عنها تشكيل الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي قبل نهاية عام 2018، وهو ما تكرر عند تشكيل الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، التي نالت الثقة في السابع من الشهر الحالي.
عضو بالبرلمان كان أحد الداعمين لتشكيل تحالف “الإصلاح” قال، لـ”العربي الجديد”، إن قبول بعض الكتل السياسية بالانضواء ضمن التحالف “كان مبنيا على أساس وجود رغبة مشتركة لإحداث إصلاح حقيقي على مختلف المستويات”، مبينا أن “هذه الرغبة اصطدمت بوجود إصرار من قبل قيادات مؤثرة بتحالف الإصلاح عند تشكيله على إعادة طرح حيدر العبادي لتولي ولاية ثانية”.
وتابع المصدر ذاته: “كما أن تحالف سائرون لم يكن مقتنعا منذ البداية ببعض الشركاء في تحالف الإصلاح، وهو ما دفعه للحوار منفردا مع تحالف الفتح، الذي كان منضويا ضمن جبهة سياسية مناوئة”، مؤكدا أن “تحالف الإصلاح ولد ميتا، وكذلك تحالف البناء، بسبب قيام التحالفين بطرح القيادات التقليدية التي لم تنجح في إدارة الدولة العراقية في السابق كزعامات للإصلاح والبناء”.
وبين أن “التمرد على التحالفين بدا واضحا منذ البداية، إلا أنه ازداد بشكل كبير مع مرور الوقت حتى تلاشى دورهما في الوقت الحاضر، مقابل تنامي دور جيل من السياسيين الشباب.
وقال عضو البرلمان عن كتلة “النصر”، فيصل العيساوي، في وقت سابق، إن “تحالف الإصلاح انتهى وأصبح من الماضي”، مبينا أن التحالف المذكور “لم يعد له وجود”.
كما أن الحديث عن ضرورة بث روح الشباب والخروج من هيمنة الزعامات التقليدية التي شكلت التحالفين لم يقتصر على من كانوا أعضاء في تحالف “الإصلاح”.
وأكد عضو البرلمان عن تحالف “الفتح”، حسين عرب، أن “الحياة السياسية في البلاد بدأت تشهد تعزيز دور الشباب”، موضحا لـ”العربي الجديد” أن “القرارات المهمة لم تعد مقتصرة على رئيس الكتلة، بل أصبحت هناك مشاركة بين الجيلين الأول والثاني”.
وفي السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين علي البدري ما يجري “خروجا من عباءة التحالفات التي أريد تشكيلها بعد انتخابات 2018″، قائلا لـ”العربي الجديد”، إن “هذه التحالفات لم تصمد طويلا لأسباب عدة، أبرزها محاولة تكريس دور الزعامات التقليدية، وعدم وجود تفاهمات مسبقة بين مكوناتها، لأنها تشكلت على عجل للظفر بمنصب رئاسة الوزراء، فضلا عن تأثر بعض قوى تحالفي الإصلاح والبناء بالقرار الإقليمي والخارجي”.
واوضح البدري أن الدورة البرلمانية الحالية شهدت بروز نمط جديد من “التحالفات أو التفاهمات المؤقتة التي تظهر من أجل تحقيق مصالح آنية لتختفي بعد ذلك، كما حدث عند اتفاق الفتح وسائرون على دعم عبد المهدي، ثم الكاظمي، وكذلك اتفاق القوى الشيعية على إصدار قرار برلماني بإخراج القوات الأجنبية دون موافقة الكرد والسنة”، مؤكدا أن “ذلك يشير إلى وجود تخبط سياسي في تفكير القوى التي تحكم العراق، والذي نتجت عنه أزمات متلاحقة سياسية وأمنية واقتصادية”.
ودعا عضو البرلمان جاسم البخاتي القوى السياسية العراقية إلى “مغادرة المحاصصة التي كانت سببا في ما وصلت إليه البلاد من نقص في الخدمات وأزمات متلاحقة”، مشددا، في تصريح صحافي، على “ضرورة تغليب مصلحة العراق على المصالح الضيقة”.
براء الشمري
العربي الجديد