عاد قبر العلامة البغدادي ابن الجوزي الى صدارة الجدل مرة أخرى، بعد انتشار صور لقبره على شاطىء نهر دجلة في العاصمة بغداد، وهو في حالة سيئة ضمن مرآب سيارات في منطقة السنك.
في عام 2014، أزيل القبر الواقع قبالة نهر دجلة في منطقة السنك، بالقرب من معهد الدراسات الموسيقية السابق وسط العاصمة، على يد أحد الأشخاص الذين كانوا على صلة بإحدى المليشيات النافذة في بغداد. بعد ذلك استغلّت قطعة الأرض الجرداء كمرأب للسيارات، بدل ركن الواحدة منها هو ثلاثة آلاف دينار عراقي (نحو 2.5 دولار أميركي). وما أن انتشرت صور القبر وآثار الدمار حتى ارتفع صوت سكان بغداد الأصليين الذين يرتبطون بالمكان من خلال ذكريات جميلة وذات عمق تاريخي في الوقت نفسه. بالتالي، عمد المسؤول عن “الجريمة” إلى طمس آخر معالمه وهو طابوق قديم جداً كان يحدد القبر، إلا أنّ مسؤولين في مجلس العاصمة وديوان الوقف السنّي تحرّكوا بحماية قوى أمنية فأعيد ترسيم حدود القبر.
أمانة بغداد قالت في بيان مقتضب،يوم الخميس، ان “قبر الفقيه ابن الجوزي والأرض الخاصة به ليست من مسؤوليتنا”، وقد نشر آخرون صور جديدة للقبر فقد تم تسيجه ووضع قطعة من الرخام عليه، من قبل دائرة الوقف السني، لكن بعد الترميم لا زال القبر وسط الكراج ومن دون أي حماية.
في المقابل نفى الوقف السني، الخميس، هدم ضريح “ابن الجوزي” وسط العاصمة بغداد، بعد تناقل أنباء عن ذلك.
وذكر الوقف في بيان، تلقى “ناس”، نسخة منه، أنه “بعد ان تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي وموقع بغداد صور قديمة لضريح العلامة عبد الرحمن بن علي بن محمد الملقب (ابن الجوزي) وادعاءهم بإزالة الضريح وبناء عليه امر الدكتور سعد كمبش رئيس ديوان الوقف السني ليلة امس بزيارة الضريح، تم صباح هذا اليوم الموافق 28/5/2020 زيارة مكان الضريح الواقع في شارع الرشيد على ضفاف نهر دجلة وتم الاطلاع عليه وادناه نتائج الزيارة:
1- ان الضريح لازال قائما ولم يتم تهديمة ويقع داخل ساحة كبيرة تعود لهيئة الاستثمار في ديوان الوقف السني تم تاجيرها من قبل احد المواطنين وحسب القوانين المعمول بها وان الساحة مغلقة حاليا بحواجز كونكريتية منذ فترة طويلة.
2- ان شعبة الاعلام في دائرة الاضرحه قد قامت بتكذيب الخبر والادعاءات اعلاه على صفحات التواصل الاجتماعي منذ لحظه نشرها ولغاية الان.
3- سوف تقوم دائرة الاضرحة والمراقد والمقامات السنية العامة بأعمال صيانه وبناء الضريح ضمن خطتها لعام 2020 وحسب توجيهات معالي رئيس ديوان الوقف السني.
البيان والبيان ضد لا يعفي أمانة بغداد والوقف السني ووزارة الأوقاف من تحمل مسؤوليتها تجاه حماية ضريح عالم من علماء المسلمين. فلمن لا يعرف من هو ابن الجوزري؟ نقول بشكل مقتضب جدًا، ابن الجوزي هو العالم والفقيه والمحدث والمؤرخ أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري الذي ولد في بغداد في عام 1116 (510 هجري). تخطّت مؤلفاته 300 مؤلّف في التفسير والحديث والتاريخ واللغة العربية والطب والفقه، منها “تلبيس إبليس” و”نواسخ القرآن” و”صيد الخاطر” و”تاريخ بيت المقدس” و”المنتظم في تاريخ الملوك والأمم” و”أخبار الحمقى والمغفلين” و”بحر الدموع”. وهو كان خطيباً مفوهاً وأديباً ضجّت بغداد بخبر وفاته، فشيّعته قبل دفنه في قبره الحالي الذي تجدّد بناؤه مرّات عدّة في خلال القرون الماضية، لعلّ آخرها في عام 1646 على يد الوالي العثماني السلطان إبراهيم.
الحالة التي وصل إليها ضريح ابن الجوزي إهانة كبيرة كيف يحدث ذلك لابن الجوزي الذي سميّت مدارس تيمنًا به والذي يحترم العالم علومه، إنّ ثمّة شواهد وقبورًا عدّة في بغداد تؤرّخ لأعلام عاشوا في هذه البلاد وكانت لهم إنجازاتهم المعرفية والفكرية التي ساهمت في بناء حضارة العراق والعالم. وابن الجوزي واحد من أولئك الأفذاذ الذين كان عطاؤهم متميزًا على المستوى الفكري. ان منظر قبر ابن الجوزري بهذه الدرجة من الاهمال يفصح عن انهيار حضاري وغياب والوعي، ودليل على أمة لاتحترم تاريخها.
ما حدث لقبر ابن الجوزي تجعل حاجباك ينعقدان من الدهشة وهذه الدهشة تزيد لتصبح ألمًا عظيما، عندما تعلم أن في ايران بنى ضريحًا لأبو لؤلؤ المجوسي قاتل عمر بن الخطاب الخليفة الثاني للمسلمين؛ تخليدًا لذكراه وفعله!!، وهذا الضريح تحول مع الأيام إلى مزار !! أما في العراق فضريح ابن الجوزي يهان ويتحول إلى مرآب، لا لذنب اقترفه بل لأنه عالم من علماء العرب والمسلمين الجهابذة!! يا أمةً ضحكت من جهلها الأممُ.
وحدة الدراسات العراقية