تونس – يضع اندفاع تركيا سعيا للهيمنة على غرب ليبيا، مصالح إيطاليا على المحك، لذلك بدأ الإيطاليون بالعمل على استعادة السيطرة على “حكومة الوفاق” التي دخلت العاصمة طرابلس نهاية أبريل 2016 على متن فرقاطة إيطالية وحظيت بدعم إيطالي غير محدود قبل أن تعيد روما حساباتها خلال العامين الأخيرين على ضوء التطورات العسكرية.
وعكست المكالمة الهاتفية بين رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي ورئيس حكومة طرابلس فايز السراج قلقا إيطاليا من انفتاح شهية تركيا في ليبيا بما يتعدى حدود المهمة التي أوكلت إليها والمتمثلة في إحداث توازن عسكري يجبر الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر على العودة إلى المسار السياسي.
وعبر رئيس الحكومة الإيطالية عن قلق بلاده حيال استمرار جهات خارجية في إرسال أسلحة إلى ليبيا، معتبرا ذلك تصعيدا يساهم في تأجيج النزاع ويطيل معاناة الشعب الليبي، ويشكل خطرا على جيران ليبيا وعلى الأمن الأوروبي.
وأكد كونتي على ضرورة العودة إلى المسار السياسي وفقا لقرارات مجلس الأمن ومخرجات مؤتمر برلين، لافتا إلى أن تقرير مستقبل ليبيا يجب أن يكون بيد الليبيين وحدهم وليس بأياد خارجية، ومشيدا بما أبدته “حكومة الوفاق” من رغبة في إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية.
ودعا رئيس الوزراء الإيطالي إلى الإسراع في تعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة في ليبيا خلفا للأميركية ستيفاني وليامز، مشددا على ضرورة عودة إنتاج النفط الليبي الذي يمثل ثروة الليبيين جميعا ومصدر دخلهم الرئيسي.
وتقاسم روما بقية الدول الغربية المخاوف من “سورنة” النزاع في ليبيا بما يضع الملف الليبي في يد تركيا وروسيا التي تتهم من قبل الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري للجيش الليبي.
وفي خضم المنافسة الإيطالية الفرنسية على النفوذ والمصالح في ليبيا، تمكنت تركيا من التسلل وفرض السيطرة على منطقة حيوية تتجمع فيها مصالح الأمن الإستراتيجي لجنوب أوروبا وتأمين موارد الطاقة خصوصا تلك القادمة من خط “الدفق الأخضر” الذي ينقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عن طريق إيطاليا.
وتقف كل من إيطاليا وفرنسا في حيرة الآن أمام السيطرة التركية على الأرض في ليبيا، والمشاريع الروسية الطامحة إلى الاستئثار بالإمكانيات النفطية لشرق ليبيا أو تقاسمها بالاتفاق مع تركيا.
ويفسر الاندفاع التركي في ليبيا بحصول أنقرة على ضوء أخضر من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا بهدف إحداث توازن عسكري حيث خسر الجيش الليبي عددا من مواقعه المهمة غرب ليبيا كان آخرها قاعدة الوطية العسكرية، بسبب التدخل العسكري التركي المباشر.
وينبع تأييد إيطاليا الضمني للتدخل التركي أساسا من مخاوف سيطرة الجيش الليبي، حليف فرنسا منافستها القوية على ليبيا، وهو ما يشكل تهديدا لمصالحها خاصة بعدما اتهمها قائد الجيش المشير خليفة حفتر بالانحياز إلى الإسلاميين وإلى مدينة مصراتة.
وأرسلت إيطاليا في 2016 مستشفى عسكريا لمعالجة الجرحى المشاركين في عملية تحرير سرت من تنظيم داعش، تم تركيزه في قاعدة مصراتة العسكرية ما أثار الكثير من الشكوك بأن تكون البعثة الإيطالية بعثة عسكرية بحتة بغطاء إنساني. لكن عدم تحرك تلك البعثة لمساعدة الإسلاميين على صد هجوم الجيش على طرابلس، عكس حذرا إيطاليا من الانخراط في الصراع بشكل مباشر.
وتراجع الدور الإيطالي في طرابلس منذ إنهاء مهمة الإيطالي باولو سيرا كمستشار عسكري للبعثة الأممية في ليبيا، والذي يتهمه البعض بتأمين مصالح روما في اتفاق الصخيرات، في حين يربطه آخرون بالانتصارات العسكرية التي حققها الجيش الليبي خاصة بعد سيطرته على حقلي الشرارة والفيل النفطيين في الجنوب.
وتستثمر شركة “إيني” الإيطالية في حقل الفيل النفطي إضافة إلى حقل الوفاء الواقع جنوب غرب طرابلس الذي تصدر من خلاله الغاز الطبيعي عبر أنبوب بحري إلى إيطاليا وأوروبا. كما تستثمر الشركة نفسها في حقل البوري للغاز الذي يقع على بعد 120 كلم إلى الغرب من طرابلس على الساحل الليبي.
وينظر إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين حكومة طرابلس وأنقرة على أنها تهديد حقيقي لمصالح إيطاليا، لاسيما مع ما تبديه تركيا من استعجال للتنقيب عن الغاز والنفط شرق المتوسط. وكان وزير الطاقة التركي فاتح دونميز أكد الجمعة أن تركيا قد تشرع في التنقيب عن النفط في شرق البحر المتوسط في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر بموجب اتفاق وقّعته مع ليبيا.
ويبدو أن هذه التصريحات عمقت قلق روما من إمكانية تجاوز أنقرة للحدود التي رسمت لها في ليبيا، لذلك ستسعى إلى إعادة الدفء لعلاقتها بحكومة طرابلس عن طريق دعم الشق الذي يقوده فايز السراج. يذكر أن حكومة طرابلس منقسمة إلى تيارين، تيار يمثل تحالف الإسلاميين ومصراتة يقوده وزير الداخلية فتحي باشاغا ويعتبر حاليا التيار الأقوى، وتيار يمثل طرابلس يقوده فايز السراج.
وكان نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق (ممثل مصراتة في المجلس) قد وجه انتقادات للموقف الإيطالي من الهجوم الذي نفذه الجيش الليبي على طرابلس، واعتبرت تلك التصريحات بمثابة تهديد لإيطاليا. وقال معيتيق، بأن هناك الكثير من الحكومات والبلدان التي ساعدت طرابلس وتقرّبت منها عندما احتاجت الأخيرة إلى المساعدة.
وذكّر بهجوم نوفمبر عام 2019، من قبل قوات المشير حفتر، الذي أدى إلى انهيار طرابلس تقريبا، عندما فتح آنذاك القادة السياسيون الإيطاليون حوارا مع حفتر.
واستطرد “إلا أن إيطاليا ولافتقارها إلى المنطق والإستراتيجية السياسية، فقدت شريكاً لها في البحر المتوسط. وسيكون من الصعب تعويض هذه الخسارة في المستقبل”.
وعكست تصريحات معيتيق موقف تحالف مصراتة والإسلاميين من إيطاليا داخل حكومة طرابلس حيث دعا أيضا المفتي المعزول الصادق الغرياني إلى تسليم ثروات الليبيين إلى تركيا، عبر منح أنقرة الأسبقية في عمليات التنقيب عن النفط والغاز.
العرب