اصطدام القرار الحكومي الكويتي بتقديم هبات سخية لجميع العاملين في الصفوف الأولى بمواجهة جائحة كورونا، بواقع الأزمة المالية، يكشف مجدّدا عدم واقعية التمادي في تنفيذ سياسة دولة الرعاية الشاملة التي تمّ وضعها في سنوات الوفرة المالية، وتحوّلت في الوقت الراهن إلى ترف لا تسمح الظروف بتحمّل أعبائه وتبعاته.
الكويت – توقّعت مصادر كويتية فشل تنفيذ خطة حكومية لتقديم المواد التموينية مجانا لجميع منتسبي وزارات الدفاع والداخلية والصحّة نظرا لدورهم المحوري في مواجهة جائحة كورونا، وذلك بفعل صعوبة توفير الغطاء المالي الضروري لتنفيذ هذا الالتزام على مدى ستّة أشهر كاملة.
ويعكس ذلك إقبال الكويت على أزمة مالية بفعل تراجع أسعار النفط المورد الرئيسي للميزانية الكويتية إضافة إلى حالة الإغلاق التي طبّقها البلد مثل أغلب بلدان العالم لمحاصرة انتشار فايروس كورونا والتي أثّرت على السير العادي لمعظم الأنشطة الاقتصادية.
ونقلت صحيفة الرأي المحلّية الكويتية، الأحد، عن مصادر وصفتها بالمطّلعة قولها إنّ وزارة التجارة والصناعة تستعدّ لمخاطبة مجلس الوزراء لإبلاغه بصعوبة تطبيق قرار صرف المواد التموينية مجانا لمدّة ستّة أشهر لكل العاملين في وزارات الصحة والداخلية والدفاع، ولكلّ العاملين في الصفوف الأمامية بمواجهة وباء كورونا، وذلك وفقاً للصيغة المقررة.
وعزت المصادر الأمر لصعوبة توفير الأموال اللاّزمة “والمبالغ المطلوب إنفاقها في هذا الخصوص بما يتناسب مع أعداد الشريحة التي يشملها القرار”.
القرار الحكومي بمنح تموين مجاني للآلاف من الأفراد يتطلّب تمويلات إضافية لا توجد مصادر واضحة لتوفيرها
ويبدو أنّ القرار الحكومي بتوفير التموين المجاني للآلاف من المنخرطين بشكل مباشر في مكافحة وباء كورونا، جاء دون مراعاة للظروف المالية الطارئة مع أزمتي كورونا وأسعار النفط، وتمّ اتّخاذه في ضوء التوجّه العام المتّبع من قبل الدولة الكويتية والقائم على سخاء الهبات والتقديمات الاجتماعية.
لكنّ هذا التوّجه الذي ترسّخ طيلة سنوات من الوفرة المالية لم يعد مناسبا للمرحلة الحالية التي تتطلّب إدخال إصلاحات اقتصادية عميقة على رأسها تقليص الإنفاق العام والحدّ من الارتهان لموارد النفط، وهو ما تعبّر عنه القيادة الكويتية بوضوح وبشكل متكرّر دون وجود تجاوب فعلي من قبل هياكل الدولة ومؤسّستيها التشريعية والتنفيذية.
وسبق لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أن وصف جائحة كورونا بأنّها امتحان يستوجب استخلاص العبر والعظات، داعيا إلى ترشيد الإنفاق الحكومي والعمل على تنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على عوائد النفط. وقال في كلمة أدلى بها الشهر الماضي “إنّ الجائحة هزّت أركان اقتصاد العالم ونحن جزء منه”، مشيرا إلى أنّ “كويت الغد تواجه تحديا كبيرا وغير مسبوق يتمثل في الحفاظ على سلامة ومتانة اقتصادنا الوطني من الهزات الخارجية الناجمة عن هذا الوباء لاسيما التراجع الحاد في أسعار النفط وانخفاض قيم الأصول والاستثمارات مما سيؤثر سلبا على الملاءة المالية للدولة”.
وتنتج الكويت يوميا قرابة 2.8 مليون برميل من البترول وتعتمد على هذه السلعة في توفير حوالي 90 في المئة من إيرادات ميزانيتها التي يتوقّع أن يتضاعف عجزها لهذا العام، خصوصا وأنّ البلد مجبر على الالتزام بخفض إنتاجه اليومي من النفط بنحو 640 ألف برميل يوميا تنفيذا لاتفاق مجموعة أوبك + الهادف إلى الحدّ من تراجع الأسعار.
خلصت وزارة التجارة الكويتية باعتبارها الجهة المسؤولة عن صرف الحصص التموينية، بحسب المصادر ذاتها إلى أنّ النجاح في تنفيذ خطة التموين المجاني يتطلّب “إدخال تعديلات جوهرية على القرار ليس أقلّها تحديد الجهة المعنية بتعزيز ميزانية التموين الإضافي والمبالغ المطلوب إنفاقها في هذا الخصوص بما يتناسب مع أعداد الشريحة التي يشملها القرار، مع تبيان أسماء المستفيدين.
وذكرت المصادر أن القرار جاء دون أن يحدد آلية التمويل التي تقابل التوسع المستهدف في صرف السلع التموينية، موضحة أن الميزانية المقررة للتموين سواء الغذائي أو الإنشائي مرتبطة بتقديرات محددة، وكميات معروفة سابقا، ومن ثم فإن أي استخدام مالي إضافي من هذه الميزانية، سينعكس عجزا على ميزانية الوزارة، وسيترتب عليه عجز مالي يحتاج إلى ميزانية إضافية.
وقالت إنّ وزارة التجارة شرعت بمجرد صدور القرار الحكومي في دراسة تطبيقه ووجدت أكثر من معوّق يدفع باستحالة التطبيق وفقا للصيغة المقترحة، فعلاوة على أنّ القرار لم يحدد ميزانية حكومية محددة للتمويل، لم يوضح بشكل صريح ما إذا كانت وزارة المالية ستوفّر ميزانية تعزيزية لتغطية الصرف التمويني الإضافي، كما لم يحدد قيمة إجمالية للدعم، موضّحة أنّ هناك معوّقا تمويليا إضافيا يتمثل في أن القرار وجّه بمنح تموين مجاني للمستفيدين وليس تقديم الدعم كما درج النظام التأميني، ما يرفع التكلفة بمعدلات عالية جدا.
ولفتت الوزارة إلى أن قرار منح التموين المجاني للعاملين في “الصفوف الأولى” بمواجهة كورونا يعني تحمل الدولة لقيمة الحصص التموينية الممنوحة للمستفيدين بالكامل الأمر الذي سيضاعف التكلفة، موضحة أن ما يزيد العبء المالي أكثر أن القرار يؤدي إلى توسعة قاعدة المستفيدين بأعداد مبهمة لكنها ستكون كبيرة جدا، خصوصا من المنتسبين لوزارة الصحة.
وأمام هذا التوسع الكبير في صرف الحصص التموينية، ترى الوزارة أنه يتعين أن يتضمن القرار محددات التمويل، والجهة المعنية بتغطية الإنفاق الإضافي، لاسيما أن ميزانية التجارة تواجه سنويا عجزا تقليديا وتحتاج إلى ميزانيات تعزيزية للاستمرار في صرف الحصص التموينية المسجلة لديها.
وبدأت السلطات الكويتية تستشعر وطأة الإجراءات الاستثنائية المتّخذة لمواجهة جائحة كورونا على اقتصاد البلاد، وبالتالي على الأوضاع الاجتماعية لسكّانها، واتّجهت لهذا السبب إلى انتهاج الأسلوب المتّبع في كثير من بلدان المنطقة والعالم والقائم على الخروج التدريجي والحذر من حالة الإغلاق وتخفيف القيود على حركة الأفراد وممارسة الأنشطة الاقتصادية، بالتوازي مع تطبيق الإجراءات الصحية الهادفة للحدّ من انتشار الوباء مثل لبس الكمامات في الأماكن العامّة والحفاظ على حدّ أدنى من التباعد الاجتماعي في العمل والتنقّل وغيرهما.
العرب