ربما ستصبح جزيرة هونغ كونغ الغنية قطعة “الشطرنج الثمينة” في صراع الحرب الباردة الجارية بين بكين وواشنطن، وهو احتمال يهدد موقع الجزيرة كمركز مالي عالمي، كما يهدد بهجرة الأثرياء والخبرات التقنية والمالية من الجزيرة.
ومنذ إعلان الولايات المتحدة أنها ستلغي المعاملة التفضيلية التي تمنحها في الرسوم الجمركية لهونغ كونغ، ترتفع حمى شراء الدولارات الأميركية إلى أقصى درجاتها بالجزيرة. إذ تمتد صفوف طويلة أمام محال الصرافات لتحويل العملة المحلية أو “دولار هونغ كونغ” إلى دولارات أميركية، بينما لا تجد هذه المحال كميات كافية من العملة الأميركية لتلبية طلبات الزبائن، وذلك وفقاً لصحيفة ” سنغ تاو” المحلية في هونغ كونغ.
ويتخوف سكان هونغ كونغ، من أن يقود القانون الأمني الصيني الجديد إلى إحكام قبضة الحكومة الصينية على الجزيرة وربما إنهاء وضع الحكم الذاتي الذي تتميز به الجزيرة عن السلطات في البر الصيني. وهي مخاوف عبرت عنها العديد من الشركات الغربية التي توجد لها مقرات بهونغ كونغ.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اعتبر يوم الجمعة الماضي، أن هونغ كونغ “لم تعد تحظى بحكم ذاتي بشكل كاف لتبرير المعاملة الخاصة” التي تمنحها لها واشنطن، معلناً أنه أصدر توجيهات لإدارته ببدء إلغاء الإعفاءات التجارية الممنوحة لها.
وفي لندن دعا سبعة وزراء خارجية سابقين يوم الإثنين، رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، لتكوين تحالف دولي لمواجهة بكين بشأن تطورات هونغ كونغ.
من جانبه أبلغ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الكونغرس أن بكين جردت هونغ كونغ من حكمها الذاتي.
وحسب تقرير في صحيفة ” سنغ تاو” المحلية في هونغ كونغ، فإن العديد من محال الصرافة قالت خلال عطلة الأسبوع، إن الدولارات الأميركية التي لديها نفدت بسبب الارتفاع الكبير في الطلب على الورقة الخضراء، كما لا توجد ماكينات صرف كافية بالجزيرة تمنح زبائنها حق سحب الدولار الأميركي.
ولدى مصرف “أتش أس بي سي” HSBC البريطاني، أكبر المصارف بالجزيرة 33 ماكينة سحب فقط تمنح حق السحب بالدولار.
ولم تعلن السلطات النقدية في هونغ كونغ، حتى الآن معلومات بشأن حجم الأموال التي هربت من الجزيرة منذ بدء الاضطرابات في الصيف الماضي، ولكن تقارير غربية تشير إلى أن العديد من الأثرياء حولوا جزءاً من أموالهم إلى مصارف في سنغافورة ومراكز غربية في لندن وزيورخ، وربما تكون هذه المبالغ قد بلغت عشرات المليارات منذ يونيو/ حزيران الماضي.
ويتخوف أثرياء الجزيرة والعديد من السكان من احتمال فك الارتباط بين دولار هونغ كونغ والدولار الأميركي، ويقود ذلك بالتالي إلى خسارة جزء من ثروتهم بسبب ما سيحدث من تراجع في قيمة صرف العملة المحلية أو” دولار هونغ كونغ”.
ويرتبط دولار هونغ كونغ منذ العام 1983 بالدولار الأميركي، ضمن هامش ذبذبة محسوب يراوح بين 7.75 و7.85 مقابل الدولار الأميركي.
ويرى محللون أن نهاية المعاملة التجارية التفضيلية لصادرات هونغ كونغ للولايات المتحدة هي بداية لهروب الشركات الغربية من المركز التجاري في الجزيرة. وهذا ما سيعني تلقائياً فقدان الوظائف والقدرة الشرائية بالجزيرة وكساد أعمال المطاعم والمقاهي والملاهي الليلية التي تعاني منذ شهور من جائحة كورونا.
وتسعى السلطات النقدية بالجزيرة إلى تطمين المواطنين بشأن ربط سعر الصرف بين العملة المحلية والدولار الأميركي، إذ قالت في نهاية الأسبوع، إن “ربط العملة المحلية بالدولار يعد أحد أعمدة السياسة النقدية ولن تتخلى عنه هونغ كونغ”.
بينما قالت سلطات النقد في رسالة أخرى موجهة للصفوف الطويلة المتراصة أمام محال وشركات الصرافة، إن البنك المركزي بالجزيرة لديه أرصدة دولارية كافية وإن رصيده بالعملات الأجنبية يبلغ 440 مليار دولار.
من جانبها تعمل الحكومة الصينية على تهديد المصارف والأعمال والتجارية التي لا تدعم الإجراءات الأمنية الصينية الجديدة في الجزيرة.
في هذا الشأن كتب المسؤول الصيني السابق بهونغ كونغ، ليونغ تشينغ ينغ، في صفحته على فيسبوك، يطالب بمعاقبة مصرف HSBC البريطاني، لأنه لم يدعم الإجراءات الصينية الجديدة. وقال ينغ يوم الجمعة، ” أتش أس بي سي لم يدعم الإجراءات الصينية… ويمكن إحلاله بالبر الصيني في ليلة واحدة بمصارف بديلة من الصين ودول أجنبية”.
العربي الجديد