قبيل بدء الحوارات الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن تتزايد الأسئلة المتعلقة بطبيعة هذا الحوار والمواضيع التي سيجري التطرق إليها. وفي حين يؤكد العراق جاهزيته لخوض تلك الحوارات، يتزايد الجدل حول تشكيلة الوفد المفاوض وإمكاناته في إدارة حوار ناجع مع واشنطن.
ويبدو أن الفصائل المسلحة القريبة من إيران تنظر إلى الحوار بطريقة مغايرة، إذ وجهت شخصيات بارزة فيها اتهامات إلى الوفد العراقي بأنه متماهٍ مع المشروع الأميركي في البلاد، مطالبة بتمثيل “الحشد الشعبي” في تلك الحوارات.
فريق بمواصفات “مريبة”
من جهته، قال زعيم “كتائب سيد الشهداء” أبو آلاء الولائي، في تغريدة على “تويتر”، إن “المهمة الأساس للفريق المفاوض بشكله الحالي، والذي اختير من قبل الحكومة العراقية بمواصفات مريبة، هي تسويف انسحاب المحتل الأميركي إلى نهاية العام، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً”.
أما القيادي في “كتائب حزب الله” أبو علي العسكري فقال، “كنا نأمل من القوى السياسية بتشكيل فريق تفاوضي مع العدو الأميركي والذي يجب أن يحصر عمله بجدول زمني لخروج القوات الغازية فقط”.
وأضاف في تغريدة على “تويتر”، “فوجئنا بتعيين مجموعة يتماهى أغلب أعضائها مع المشروع الأميركي في البلاد”.
ودعا إلى “استبدال ثلاثة من الأسماء المقترحة في الفريق التفاوضي، بهدف ضمان نجاح الحوار”، مطالباً بـ”تضمين الفريق التفاوضي شخصية من الحشد الشعبي، وأخرى من العشائر، وثالثة من الإعلاميين”، موضحاً أن “كتائب حزب الله ستحدّد موقفها من الحوار، بعد أول لقاء رسمي بين الجانبين”.
ويرى مراقبون أن التيارات القريبة من طهران قد تتغاضى عن مسألة الوجود الأميركي مقابل تسويات سياسية تقلل من ضيق الخناق المفروض عليها من قبل واشنطن، فضلاً عن إمكانية استثمار طهران هذا الأمر للحصول على تسويات ذات طابع اقتصادي من الجانب الأميركي، مقابل عدم الضغط من خلال أذرعها بملف إخراج القوات الأميركية.
حوارات شاملة وإعادة رسم العلاقة بين بغداد وواشنطن
ويؤكد مقربون من الحكومة العراقية أن الحوارات التي ستبدأ في العاشر من يونيو (حزيران) الحالي، لن تركز فقط على الجانب العسكري والوجود الأميركي، وغايتها وضع إطار عام لسلسلة حوارات طويلة الأمد تعيد رسم العلاقة بين بغداد وواشنطن بمديات تشمل التعاون الاقتصادي والاستثماري والسياسي. وأشاروا إلى أن الحكومة العراقية تبحث عن تأطير التعاون وتطويره ليؤسس صداقة وثيقة طويلة الأمد، بدل أن يكون العراق مساحة نفوذ فقط.
إلا أن مراقبين يعتقدون أن الغاية من الحوار هي إيجاد صيغة قانونية لوجود القوات الأميركية في البلاد، الأمر الذي قد يغضب التيارات السياسية المقربة من إيران ويدفعها لمثل هكذا تصريحات.
وبينما تطالب القوى السياسية السنية والكردية، ببقاء القوات الأميركية في البلاد، فإن كتلاً سياسية شيعية وفصائل مسلحة ترى بضرورة أن يتضمن الحوار جدولة خروجها من البلاد بناءً على ما أقره مجلس النواب في الخامس من يناير (كانون الثاني) الماضي.
الفريق العراقي والأميركي
وتؤكد مصادر مقربة من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أن الفريق المفاوض سيكون دون درجة الوزير، ويتكون من 21 مفاوضاً في اختصاصات السياسة والعلاقات الدولية والعسكرية والمالية، وسيضم ممثلين عن وزارات مختلفة من بينها النفط والدفاع والداخلية والمالية والتعليم والصناعة والتجارة والثقافة وغيرها من الوزارات المعنية، فضلاً عن البنك المركزي وممثل عن القيادة العامة للقوات المسلحة.
وكشف الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، في تغريدة، أن “خمسة أسماء ضمن الوفد العراقي هي: عبد الكريم هاشم وحارث حسن ولقمان الفيلي وفريد ياسين وحامد خلف، وأن الحوار عبر دائرة متلفزة مغلقة”.
أما وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين فقد صرّح خلال لقائه مع السفير الأميركي لدى بغداد ماثيو تولر، أن “هذه الجولة من الحوار محطة مُهمّة من شأنها تأطير الأولويات لدى بغداد وواشنطن”، مُشدّداً على ضرورة الاستمرار بالتطوير الإيجابي لمختلف أوجه التعاون الثنائيّ المُتميّز”.
لكن وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري، فاعتبر أن “وفد التفاوض الأميركي أقوى وأكثر خبرة بكثير من نظيره العراقي”، وطالب بـ”معالجة هذا التفاوت من خلال فريق متكافئ يعيّن لهذه المفاوضات المهمة”.
انعاش اتفاقية الإطار الاستراتيجي
من جانبه، قال إحسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي، إن “تصريحات بعض قادة الفصائل المسلحة ليست جديدة، وهي جزء من الضغوط التي تمارسها في محاولة لإظهار القوة والقدرة على إرباك المشهد السياسي والأمني”.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “المادة 80 من الدستور العراقي لا تتيح لأي جهة مهما كانت سواء القضائية والتشريعية أو أية جهة سياسية، الإملاء على الحكومة في ما يتعلق بالحوار المرتقب”.
وأشار إلى أن “غاية الحوار انعاش اتفاقية الإطار الاستراتيجي، لكن واشنطن ستركز على الجانب الأمني، خصوصاً ما يرتبط بالوجود العسكري لقواتها”، مبيناً أن “هذا الأمر استفز الفصائل المسلحة”.
ولفت إلى أنه “في النصف الأول من عام 2018 كانت هناك رغبة أميركية بتفعيل الاتفاقية، لكن المعادلة تغيّرت في فترة عبد المهدي”.
وختم قائلاً إن “واشنطن تنظر إلى الحكومة الجديدة على أنها أقرب للقرار العراقي من الخضوع الخارجي، ما قد يحفز تفعيل الجوانب الاقتصادية وغيرها في الاتفاقية كجزء من عملية الدعم وتحييد إيران”.
تهديد غير مدعوم إيرانياً
وفي السياق، رأى الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي أن “تهديد قادة بعض الفصائل لا يرتكز على الدعم الإيراني، لأن طهران لا تدعم التصعيد في هذه المرحلة”، مبيناً أن “غاية تلك التهديدات هي الوصول إلى تمثيل داخل الوفد المفاوض لا أكثر”.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “تلك الجماعات اعتادت التصعيد للحصول على مكاسب، إلا أن استخدام القوة غير متاح بالنسبة لها الآن”.
وأشار إلى أن “واشنطن ذاهبة باتجاه أن يكون العراق حليفاً استراتيجياً ومجالاً حيوياً لها لا يقبل شريكاً معترضاً”.
أما الكاتب والإعلامي فلاح الذهبي فقال، إن “الفصائل الموالية لإيران باتت تشعر بعزلة بعد تخلي طهران عنها وعزم أميركا على إنهاء وجودها”، مبيناً أن “تلك القوى تحاول الحصول على تسويات من خلال هذا التصعيد في الخطاب”.
ورجح أن يوقع الكاظمي مع الأميركيين على التدريب والبقاء، وواشنطن لن تسمح بخروج قواتها.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “النقطة الأساسية للحوار ترتكز على بقاء القوات الأميركية في قواعدها وإشرافها على عمليات التدريب”، مردفاً “الحكومة العراقية بحاجة لهذا الغطاء لأن قواتها الأمنية تفتقر للغطاء الجوي والجانب الاستخباراتي، ووجود هذه القوات جزء من أمن البلاد”.
وأشار إلى أن “أميركا ستبني بقية مواقفها بما يتعلق بالدعم الاقتصادي والثقافي انطلاقاً من الاتفاق على بقاء قواتها في العراق”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي