الحوثيون يحاربون أخبار انتشار كورونا بدلا من محاربة الوباء

الحوثيون يحاربون أخبار انتشار كورونا بدلا من محاربة الوباء

تنتهج الميليشيات الحوثية في اليمن سياسة التضليل والمغالطة في ما يخص أخبار انتشار وباء كورونا خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وبدل محاربة الوباء مع تفاقم الأوضاع الصحية يتستر الحوثيون على العدد الحقيقي للإصابات والوفيات، فيما يلتزم السكان الصمت خشية من رد انتقامي من الميليشيات التي تتوعد كل من يعمل على تقديم معلومات بخصوص حقيقة الوضع الوبائي في البلد.

صنعاء – بدل محاربة وباء كورونا المستجد، تتكتم جماعة الحوثيين في اليمن على أخبار الإصابات مصرة على تضليل الرأي العام على الصعيد الصحي كما هو الحال على الصعيد السياسي والميداني.

ففي الظلام، يتم نقل جثث الضحايا المشتبه في إصابتهم بفايروس كورونا في صمت، واحدة تلو الأخرى، لدفنها في عدة مقابر في شمال اليمن. يتم غسل الجثث بمطهرات، ويتم تغليفها بطبقات من الأغطية البلاستيكية والكتان الأبيض قبل وضعها في حفر بعمق مترين. لا يوجد أحد في الجوار باستثناء حفنة من الأقارب يرتدون الأقنعة والقفازات والأثواب البيضاء. التجمعات الكبيرة غير مسموح بها والهواتف أيضا غير مسموح بها.

وحسب ما ذهبت إليه ماغي ميخائيل في تقريرها على وكالة اسوشيتد برس، يتعمد الحوثيون التضليل والتكتم على أخبار كورونا خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، مستخدمين أسلوبهم في التخويف وترويع المواطن المنهك جراء الحرب.

ولا يتم إخبار العائلات حقا ما إذا كان أقاربها ماتوا بسبب فايروس كورونا، الذي يعتقد أنه السبب الرئيسي. ولا يتم نشر نتائج الاختبار أبدا. وتأتي طقوس الجنازة اليومية في الوقت الذي تغمر فيه وسائل التواصل الاجتماعي التعازي وصور الموتى. وعند سؤالهم يضطر عدد من السكان وحفار القبور إلى المغالطة تحت تهديد الحوثيين بالادعاء أن “القتلى هم جثث مجهولة الهوية من الحرب”.

وينتشر فايروس كورونا في جميع أنحاء اليمن، وهي دولة دمرتها الحرب على مدار خمس سنوات بعد انقلاب الجماعة الحوثية على الحكومة الشرعية امتثالا لأجندة إيران التي تواليها. وتعد الجماعة الحوثية إحدى أبرز أذرع إيران في المنطقة.

وكانت للنزاع تداعيات وخيمة على قطاع الصحة، حيث دمرت سنوات من القصف الجوي والقتال البري المكثف الآلاف من المباني، تاركة نصف المرافق الصحية في اليمن معطلة. إضافة إلى ذلك، فإن حوالي 18 في المئة من أصل 333 منطقة في البلاد لا يوجد بها أطباء، كما انهارت أنظمة المياه والصرف الصحي. وبالكاد تستطيع العديد من العائلات، وخاصة بين الملايين من النازحين بسبب القتال، تحمل شراء وجبة واحدة في اليوم.

زادت جائحة كورونا من خسائر الأرواح في اليمن، مما أدى إلى شل النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من عدم القدرة على إجراء الاختبارات لمن يُشتبه في إصابتهم بالفايروس. ولا يوجد في الدولة أكثر من 500 جهاز تهوية و700 سرير في وحدات العناية المركزة. كما أن هناك أسطوانة أكسجين واحدة في الشهر لكل 2.5 مليون شخص.

وتفاقم الوضع الصحي بشكل مخيف في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، حيث قام المتمردون بمنع انتشار المعلومات حول الفايروس، ومعاقبة من يتحدثون بشأنه، وعززوا مؤامرات وادعاءات وزير الصحة الحوثي بأن علماءهم يعملون على تطوير علاج لفايروس كورونا لتقديمه للعالم.

ولم يكشف الحوثيون بشكل رسمي سوى عن إصابة أربع حالات بفايروس كورونا، بينها حالة وفاة واحدة، وحالتا تعاف، بينما تؤكد منظمات محلية انتشار الفايروس في مناطق الحوثيين بشكل كبير وسط “تكتم الحوثيين على الأرقام الحقيقية”.

وصرح ريتشارد برينان، مدير الطوارئ الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، أنه يعتقد أن وفيات كورونا هي بالمئات وأن الحالات المصابة بالآلاف، بناء على ما سمعه من العديد من مقدمي الخدمات الصحية في اليمن.

ويحذر مسؤولو الصحة المحليون وعمال الإغاثة والسكان ونشطاء المجتمع من أن الوضع في اليمن يزداد سوءا بوتيرة متسارعة.

وتفيد النقابات المحلية، التي احتفظت بأرقام وفيات فايروس كورونا الخاصة بها، أن 46 من العاملين في المجال الطبي و28 قاضيا و13 محاميا لقوا حتفهم في فترة ثلاثة أسابيع بين منتصف مايو وأوائل يونيو، وهو رقم أعلى بكثير من العدد الرسمي الذي ينشره الحوثيون.

رجال الميليشيات الذين يعملون كأفراد أمن في المستشفيات يفتشون الزائرين ويبحثون عن الهواتف ويمنعونهم من حمل الأجهزة داخل عنابر الحجر الصحي

وأدى نقص المعلومات حول العدد الحقيقي للأشخاص المصابين بفايروس كورونا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى إطلاق تكهنات حول طبيعة المرض، كما زادت استجابة المتمردين للتعامل مع الحالات المصابة والوفيات من الارتباك والتشويش.

وأشارت إحدى الإشاعات المنتشرة إلى أن المتمردين الحوثيين أمروا الأطباء بقتل مرضى كورونا المشتبه فيهم باستخدام “حقن الرحمة”.

واكتسبت الشائعات، التي مُنحت مصداقية بسبب وثيقة سرية يفترض أنها وقعت من قبل وزير الصحة، الكثير من الزخم لدرجة أن قادة الحوثيين اتخذوا خطوة غير مسبوقة في إصدار إنكار رسمي، واصفين الشائعات بأنها “أكاذيب تهدف إلى بث الخوف”. كما نشر الحوثيون أنفسهم شائعات بأن الفايروس انتشر عن طريق الغرباء.

وأوضح سكان ونشطاء محليون أن بعض المستشفيات، مثل مستشفى القبلة في محافظة إب الشمالية، وهي واحدة من أكثر المناطق تضررا، تسمى “مستشفى الحقن” بسبب أعداد الوفيات الكبيرة هناك.

وتسببت هذه الشائعات في إطلاق حالة من الذعر، ويقول السكان إنهم من غير المحتمل أن يبلغوا المسؤولين الصحيين عن الحالات المشتبه بإصابتها بفايروس كورونا.

وقال ناشط محلي، مشيرا إلى مستشفى القبلة، “لا يذهب الناس إلى المستشفيات خوفا من حقن الرحمة. لا يمكننا إثبات الحقائق من المغالطات، لكني أعرف الكثير من الناس الذين ماتوا بطرق غامضة داخل هذا المستشفى”.

وحسب ناشط في صنعاء، فإن الناس يخشون الإبلاغ عن حالات الإصابة بفايروس كورونا خوفا من أن ينتقم مسؤولو الحوثيين منهم. وبيّن “إن الحالات المشتبه بها تعامل معاملة مجرمي الحرب”. وأكد أن الحوثيين بذلوا جهودا كبيرة لاحتواء انتشار معلومات حول فايروس كورونا في المنطقة الخاضعة لسيطرتهم.

ففي مستشفى القبلة، الذي تم تحويلها إلى منشأة عزل لعلاج مصابي فايروس كورونا، عيّن المتمردون مشرفا أمنيا للتحكم في تدفق المعلومات من وإلى المستشفى.

ويقول الناشط والناشط المحلي من محافظة إب “إنه المسؤول، مما يعني أن رئيس المستشفى نفسه عاجز أمام هذا المسؤول. حيث جميع العاملين في المستشفى يخشونه”.

وحسب السكان، فإن رجال الميليشيات الذين يعملون كأفراد أمن في المستشفى يفتشون أيضا الزائرين ويبحثون عن الهواتف ويمنعونهم من حمل الأجهزة داخل عنابر الحجر الصحي.

ويمتد تعتيم الحوثيين للمعلومات إلى ما وراء المستشفيات. فعندما نشر ناشط محلي صورة لسيارة إسعاف على وسائل التواصل الاجتماعي لاثنين من العاملين الطبيين يرتديان ملابس واقية ويغسلان السيارة، قال حينها أحد الرجال إنهم كانوا ينقلون للتو ثماني جثث إلى المقبرة المسماة جراف. ومع انتشار الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تم استجواب الرجل الذي تحدث وتم تعليقه عن العمل.

وفقا للسكان المحليين والأطباء، فإن في العديد من المقابر في صنعاء عاصمة اليمن، يتم دفن العديد من الجثث يوميا.

وارتفعت حالات وفيات كورونا إلى درجة أنه في نهاية مايو قامت وزارة الأوقاف الدينية الحوثية، المسؤولة عن المقابر، بتعليق لافتة على واحدة من أكبر المقابر في صنعاء نصها “مقبرة ممتلئة”.

ويوضح السكان المحليون أنه من الصعب الآن العثور على مقبرة للدفن بأقل من ربع مليون ريال، أو 500 دولار، وهو ما يعادل خمسة أضعاف راتب موظف حكومي. وأشاروا كذلك إلى أن الجثث التي يتم دفنها منتشرة في جميع أنحاء مقابر صنعاء حتى لا تجذب الانتباه إلى الأعداد.

وحسب تعبير أحد السكان المحليين، يعد تصوير المدافن سرّا على الهواتف الذكية في تحد لأوامر الحوثيين عملا بطوليا، مضيفا أن مقاطع الفيديو التي يصورها الهواة تعطي اليمنيين لمحة حقيقية فقط عن التأثير الحقيقي لفايروس كورونا في بلدهم.

ويتفشى المرض في المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون وسط توترات كبيرة بين المتمردين ووكالات الأمم المتحدة التي تفتقر إلى التمويل لبرامج المساعدة والدعم.

وكشفت الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي أن تمويلها كان أقل بنحو مليار دولار مما تتطلبه وكالات الإغاثة لتلبية احتياجات اليمن الإنسانية وتدهور نظام الرعاية الصحية الذي تفاقم بسبب فايروس كورونا. ووصف أحد عمال الإغاثة بوكالة دولية الوضع في اليمن بـ”الكارثي”، خاصة مع تفشي الوباء وتعليق التمويل الأممي.

العرب