أكد مصدر تركي خاص لـ«القدس العربي» أن الخلاف بين أنقرة وموسكو حول ليبيا، والذي أدى إلى تأجيل زيارة وفد وزاري روسي إلى تركيا، الأحد، يتمحور حول مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية الاستراتيجية التي يعتقد أن روسيا تتخذ منها قاعدة عسكرية لها في ليبيا.
وأوضح المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«القدس العربي»، أن روسيا اشترطت وقف تقدم حكومة الوفاق نحو سرت والدخول فوراً في اتفاق لوقف إطلاق النار. في المقابل، أصرت تركيا على عدم الدخول في وقف لإطلاق النار إلا بعد سيطرة قوات حكومة الوفاق على مدينة سرت، وذلك لإتمام خطة تأمين العاصمة طرابلس ومحيطها، حيث تعتبر تركيا أنه من دون طرد ميليشيات حفتر من سرت فإن الخطر يبقى قائماً بتجدد هجومه على طرابلس.
أمر باعتقال 20 من حلفاء حفتر لارتكابهم جرائم في ترهونة
وأوضح المصدر أن روسيا تخشى أن تؤدي سيطرة الوفاق على سرت إلى سقوط قاعدة الجفرة التي تعتبر أكبر القواعد العسكرية في ليبيا، وتتمسك بها روسيا التي عززت وجودها العسكري بقوة في ليبيا رغم نفيها ذلك مرارا،ً إلا أن بيانات أمريكية وصوراً للأقمار الصناعية أكدت إرسال روسيا مئات المرتزقة وطائرات حربية متقدمة لليبيا.
وبينما تواصل حكومة الوفاق وبدعم تركي استعداداتها لمهاجمة سرت في محاولة للسيطرة عليها، عززت ميليشيات حفتر قواتها في المدينة بدعم روسي وسط أنباء عن قيام مرتزقة فاغنر بتلغيم حدود المدينة ومنازلها، فيما قالت مصادر ليبية إن طائرة نقل عسكرية روسية نقلت أسلحة، الأحد، إلى المدينة، وهو ما يظهر الأهمية الكبيرة التي توليها روسيا لهذه المدينة.
ويقول مسؤولون ليبيون وخبراء عسكريون إن السيطرة على سرت تفتح الباب أمام السيطرة على قاعدة الجفرة الجوية الاستراتيجية والتي يعتقد أن روسيا جلبت إليها طائراتها الحربية، كما أن سرت تفتح الباب أمام التقدم والسيطرة على مناطق هامة غنية بالنفط.
وقبل أيام، كان مصدر تركي آخر أكد في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي» أن الخطوة المقبلة لتركيا في ليبيا ستكون دعم قوات حكومة الوفاق لبسط سيطرتها على سرت لإتمام خطة تأمين العاصمة طرابلس والمنطقة الغربية بشكل كامل، على أن تدعم لاحقاً مباحثات حل سياسي مبني على قاعدة استبعاد حفتر من المشهد السياسي الليبي.
وأوضح المصدر أن التصور التركي ينص على استمرار الدعم العسكري بكافة أشكاله لحكومة الوفاق من أجل طرد ميليشيات حفتر وبسط السيطرة الكاملة على مدينة سرت، وذلك من أجل إتمام خطة تأمين العاصمة طرابلس ومحيطها والمنطقة الغربية بشكل كامل، ومنع أي سيناريو لإمكانية بقاء نقاط تمركز قريبة يمكن أن يستجمع فيها حفتر قواته ومحاولة الهجوم على العاصمة مجدداً، مستبعداً نجاح الاتصالات الدبلوماسية أو الضغوط في التوصل إلى وقف إطلاق نار قبيل تأمين المدينة.
هذا الأمر أكده وزير الخارجية التركي خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني في إسطنبول، الإثنين، موضحاً أن اللجان المختصة لم تنجح في التوصل إلى تفاهمات يمكن البناء عليها للتوصل إلى وقف إطلاق نار ثابت ومتين يمكن البناء عليه للحل السياسي النهائي، لكنه رفض وصف الأمر بـ«الأزمة»، معتبراً أن لا خلافات جوهرية بين تركيا وروسيا في ليبيا رغم وقوفهما مع طرفين متناقضين.
وفي حوار تلفزيوني، الإثنين، أكد الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، وجود مساع للسيطرة على مدينة سرت الليبية بالكامل، وقاعدة الجفرة (600 كيلو متر جنوب العاصمة طرابلس) والتقدم على الشريط الساحلي واستعادة السيطرة على حقول النفط في الجنوب وآبار الغاز على الشريط الساحلي، ولا سيما حول مدينة سرت، معتبراً أن هذه التطورات «تزعج روسيا التي يستمد الانقلابي حفتر كل قوته منها».
والجمعة، كشفت «القدس العربي» عن فحوى الاتصالات الهاتفية التي أجراها اردوغان مع ترامب وبوتين حول الملف الليبي، فبينما حث ترامب اردوغان على عدم التوسع شرقاً والتوجه نحو الحل السياسي، طلب اردوغان من بوتين تجنب الصدام مع قوات حكومة الوفاق التي تحاول استعادة سرت، وسحب أي قوات روسية – فاغنر- من سرت على غرار ما جرى من سحب للمرتزقة الروس من محيط طرابلس وترهونة، لكن المصدر لم يؤكد ما إن كان اردوغان قد قدم وعوداً بوقف عمليات الوفاق عند حدود سرت وعدم التوجه شرقاً نحو قاعدة الجفرة، وهي النقطة التي يبدو أنها فجرت الخلافات بين الجانبين في ظل إصرار روسيا على منع اقتراب الوفاق وتركيا من قاعدة الجفرة.
من جهة أخرى أصدرت السلطات الليبية، أمس الإثنين، أمرا بالقبض على 20 من حلفاء حفتر، بتهمة ارتكاب جرائم المقابر الجماعية في ترهونة جنوب شرق طرابلس.
جاء ذلك وفق بيان مقتضب، نشره حساب عملية «بركان الغضب» التابع للجيش الليبي، على موقع فيسبوك.
وأفاد البيان أن «النائب العام (الليبي) أصدر أمر قبض بحق 20 متهمًا بارتكاب جرائم المقابر الجماعية في ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)». وأردف «على رأسهم أبناء الكاني الذين قادوا عصابة إجرامية تحالفت مع ميليشيات حفتر الإرهابية والمرتزقة».
وأرفق البيان صور المتهمين الرئيسيين «محمد خليفة الكاني، وعبد الرحمن الكاني، وعمر الكاني، إضافة إلى أسماء 17 متهما آخرين».
والأحد، دعت الحكومة الليبية مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته كاملة وفق ميثاق الأمم المتحدة، وإحالة أمر المقابر الجماعية التي تم اكتشافها في مدينة ترهونة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقال وزير الخارجية الليبي، محمد سيالة، في رسالة إلى مجلس الأمن، إن عدد المقابر الجماعية في ترهونة وصل حتى الآن إلى 11 مقبرة، تم دفن بعض أصحابها أحياء، وبينهم أطفال ونساء، في مشهد مروع يندى له جبين الإنسانية.
إسماعيل جمال
القدس العربي