توغل تركي وقصف إيراني في كردستان: قنديل الهدف التالي؟

توغل تركي وقصف إيراني في كردستان: قنديل الهدف التالي؟

لا تختلف العملية العسكرية الجديدة للجيش التركي داخل الأراضي العراقية ضمن إقليم كردستان، شمالي البلاد، تحت اسم “مخلب النمر”، في أهدافها أو المناطق الجغرافية المستهدفة، عن ثلاث نسخ مشابهة لها جرت في العام الماضي، في 28 مايو/ أيار باسم “المخلب 1″، وفي 13 يوليو/ تموز باسم “المخلب 2″، وفي 23 أغسطس/ آب باسم “المخلب 3”. وهي عمليات أسفرت عن مقتل واعتقال قرابة 400 مسلح من عناصر حزب العمال الكردستاني، وتدمير كميات ضخمة من الترسانة العسكرية للحزب وإزاحة نفوذه عن عدة قرى حدودية عراقية. إلا أن مراقبين ومسؤولين محليين في أربيل ودهوك وبغداد، يؤكدون أن العمليات العسكرية الحالية الجوية والبرية قد تمهّد لاجتياح بري تركي، يستهدف المعقل التقليدي الأهم لحزب العمال، وهو سلسلة جبال قنديل العراقية الواقعة ضمن المثلث العراقي التركي الإيراني، مستندين بذلك إلى عدة مؤشرات ميدانية على الأرض. وكان لافتاً بدء القوات الإيرانية هجوماً متزامناً على مناطق حدودية مع العراق، ضد “المعارضة الكردية” الإيرانية.
وقد بدأت العمليات البرية التركية مع إعلان وزارة الدفاع التركية بإشراف وزير الدفاع خلوصي أكار، فجر أمس الأربعاء، في بيان لها، عن توغل بري لقوات الكوماندوس التركية داخل إقليم كردستان العراق، في إطار عملية “مخلب النمر”، وذلك بعد يومين من عملية جوية واسعة تحت مسمى “مخلب النسر”، نفّذت خلالها مقاتلات تركية أكثر من 100 ضربة صاروخية في إقليم كردستان ونينوى، استهدفت معاقل الكردستاني. وأفاد بيان لوزارة الدفاع التركية بأنه في إطار العملية الجديدة، وصلت قوات الكوماندوس إلى حفتانين، التابعة لقضاء زاخو، شمال مركز مدينة دهوك، ثالثة كبرى مدن إقليم كردستان العراق.


الحرس الثوري الإيراني شنّ “هجوماً مدفعياً واسعاً” لليوم الثاني في إقليم كردستان


وكشفت مصادر طبية وإغاثية داخل إقليم كردستان لـ”العربي الجديد”، أن الهجمات الجوية التي نفّذها الأتراك داخل العراق، يومي الاثنين والثلاثاء، تسببت بمقتل عناصر بارزة بحزب العمال الكردستاني، فضلاً عن تدمير مخازن سلاح ومتفجرات ضخمة، كان الحزب قد استولى عليها من مخلفات الحرب على تنظيم “داعش” في الساحتين السورية والعراقية، وأخرى قام بشرائها من مليشيات من كلا الجانبين العراقي والسوري. ويسود الاعتقاد بأن هذا الملف تحديداً هو الذي يقلق الأتراك حالياً، لأن بعض تلك الأسلحة متطور ويضم مضادات دروع حرارية وصواريخ موجهة محمولة على الكتف.

وتأتي العملية البرية الجديدة بعد ساعات من استدعاء وزارة الخارجية العراقية السفير التركي في العراق فاتح يلدز، وتسليمه مُذكّرة احتجاج على خلفية القصف التركي على مناطق في إقليم كردستان، مطالبة بوقف الانتهاكات لسيادة الأراضي والأجواء العراقية.

وحول العملية الجديدة، يكشف مسؤول كردي رفيع في أربيل، لـ”العربي الجديد”، أن “العملية التركية لا يمكن اعتبارها توغلاً داخل الأراضي العراقية، كون الجيش التركي موجوداً فعلاً داخل الإقليم بعمق يصل إلى 40 كيلومتراً، ضمن مناطق سيدكان، وسوران، وأجزاء من برزان ونيروه ريكان، التابعة لقضاء العمادية، فضلاً عن منطقة بامرني التي تحوي مطاراً عسكرياً صغيراً، كان يستخدمه الجيش العراقي خلال المعارك مع الإيرانيين، وتمّ الاستيلاء عليه من قبل القوات التركية التي تقيم فيه. كما أقامت القوات التركية عشرات الثكنات والمواقع العسكرية الصغيرة داخل 30 قرية حدودية عراقية، وتتوغل من وقت لآخر داخل ناحية بروري باله، وشيلادزي، شرقي دهوك وشمالي أربيل”.

ويشير المسؤول نفسه إلى أن جملة من المؤشرات في عمليات وتحركات الجيش التركي الأخيرة تشير إلى احتمال تنفيذه هجوماً برياً واسعاً لاستهداف نواة حزب العمال الكردستاني الرئيسة، وهي سلسلة جبال قنديل، على امتداد يصل لأكثر من 70 كيلومتراً من المناطق الجبلية الوعرة. فبعدما نجح في السيطرة على القرى الحدودية العراقية وإبعاد تأثير مسلحي الحزب، يطوّق الجيش التركي من الجانبين الشرقي والشمالي مناطق قنديل، ضاغطاً باتجاه مواقع الحزب قرب العمادية والزاب وزاخو، وفي الوقت نفسه يقصف مخمور وسنجار ضمن محافظة نينوى. وهو ما يعني إنهاك الحزب لأقصى درجة ممكنة وتدمير بناه التحتية وتضييق مساحة وجوده أيضاً.


حكومة الإقليم لن تتدخل في أي مواجهة عسكرية سلباً أو إيجاباً


ويلفت إلى أن “حكومة الإقليم لن تتدخل في أي مواجهة عسكرية سلباً أو إيجاباً، فالملف بعهدة الحكومة الاتحادية ببغداد حصراً، وقوات البشمركة انسحبت من مناطق الاحتكاك مع مسلحي الكردستاني منذ أشهر. ولا تسيطر حكومة الإقليم على هذه المناطق، لكنها لن تسمح للكردستاني بالتمدد أكثر داخل الإقليم”. ويتهم المسؤول عناصر الكردستاني بأنهم “يسحبون الأتراك إلى مناطق سكنية، ويتسببون بمشاكل كبيرة للمواطنين، تحديداً سكان القرى والأرياف”.

بدورها، كشفت سلطات محلية ووسائل إعلام في إقليم كردستان، عن شنّ إيران هجمات على مناطق حدودية ضد “المعارضة الكردية” الإيرانية. وأكدت وكالة “نور نيوز” الإيرانية المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أمس الأربعاء، صحة هذه الهجمات، مشيرة إلى أن الحرس الثوري الإيراني شنّ “هجوماً مدفعياً واسعاً” لليوم الثاني. وذكرت الوكالة أن الهجمات استهدفت “العناصر المسلحة المعارضة للثورة” في وادي ألانا وجبال الحاج عمران على الحدود مع إقليم كردستان، مشيرة إلى حضور مجموعات من الحزبين الكرديين المعارضين، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب كوملة الكردستاني، في هذه المرتفعات.

ويطلق حزب العمال الكردستاني على المناطق التي يوجد فيها داخل العراق تسمية “ميديا”، وهي مختصر عبارة “مناطق الدفاع المشروع”، وفرض فيها إجراءات مشددة مع طرد العشرات من المشتبه بانتمائهم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، بسبب شكوك بكونهم عملاء أو متعاونين مع الأتراك، وذلك بعد سلسلة استهدافات مباشرة ودقيقة للمخابرات التركية استهدفت قيادات بارزة بحزب العمال، الذي اعتبر أن الأمر حصل بسبب جواسيس وعملاء للأتراك من داخل المناطق ذاتها.

وحول العملية العسكرية، يكشف الباحث بالشأن السياسي الكردي كفاح محمود، أن “هدف الأتراك المعلن هو العمل على اجتياح آخر منطقة توجد فيها قواعد لحزب العمال الكردستاني”، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “العملية الحالية، ومن خلال تتبع القصف والهجمات الجوية، تُظهر أن الأتراك يريدون تقليم الأذرع البعيدة لحزب العمال عن منطقة جبال قنديل، تمهيداً لاجتياح قنديل، لأن قيادات الحزب الرئيسية موجودة هناك”.

ويقول محمود إن أكثر من 280 قرية حدودية في إقليم كردستان هجرها سكانها بسبب الصراع بين الكردستاني والجيش التركي، من شمالي شرق زاخو مروراً بقنديل وحتى الحدود مع إيران، لأن الكردستاني يعطي المسوغ للقوات التركية لتنفيذ عمليات واسعة تهدد حياة المدنيين وممتلكاتهم. ويضيف أن “المدنيين الأكراد في الإقليم يدفعون فاتورة صراع تركيا مع معارضيها من حزب العمال الكردستاني، وهي فاتورة يدفعون مثلها نتيجة الصراع الإيراني مع القوى المعارضة لإيران”، في إشارة إلى القصف المدفعي الإيراني.


مسؤول كردي: العملية التركية لا يمكن اعتبارها توغلاً


ويشير إلى أن “الجانب التركي يعتمد في توغله داخل المناطق العراقية ضمن إقليم كردستان على اتفاقية وقعها مع نظام صدام حسين تسمح للقوات التركية بالتوغل في مساحة معينة لملاحقة مسلحي الحزب، ولا تزال تعتمد أنقرة على هذه الاتفاقية في عملياتها. ومع أن بغداد استدعت السفير التركي، إلا أنني لا أعتقد أن لهذا الاستدعاء أثراً عملياً على الأرض وهو من دون جدوى، بل هناك تناقض في بغداد بالمواقف حيال الأزمة بين تقارير تتحدث عن علم مسبق من بغداد بالعملية التركية، وأخرى تؤكد أن ما بين 1500 إلى 1800 عنصر مما يعرف بوحدات حماية سنجار التابعة لحزب العمال الكردستاني، يتلقون مرتبات شهرية من الحكومة بعد دمجهم في الحشد الشعبي”. ويلفت محمود إلى أن “الوضع الإنساني في تلك المناطق سيئ”. وحثّ المنظمات الأممية على مساعدة السكان بعدما تفاقمت أزماتهم المعيشية بسبب كورونا وحظر التجول وأخيراً العمليات العسكرية.

من جهته، يوضح بكر دوسكي، وهو ناشط سياسي في ناحية سوران، محسوب على الحزب الديمقراطي الكردستاني، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “العملية التركية على الأرض بطيئة للغاية، حسبما يرد من شهود عيان ومصادر من داخل منطقة حفتانين، التي تشمل أكثر من 10 قرى”، مضيفاً أن “مروحيات تركية تقوم بقصف المناطق المشتبه بوجود جيوب لحزب العمال فيها قبل أن تتقدم قوات خاصة تركية إليها لتفتيشها والسيطرة عليها، وهناك قصف مدفعي أيضاً ومنشورات ونداءات بمكبرات الصوت وجهها الجيش التركي للسكان المحليين بالابتعاد عن تجمعات وأنشطة الحزب”. ويشير إلى أن “التيار الكهربائي مقطوع وشبكة الاتصالات سيئة في تلك المناطق، لذا تبقى المعلومات شحيحة، لكن بشكل عام الأتراك يريدون تضييق مساحة نشاط حزب العمال الكردستاني”.