انعكس “قانون قيصر” الأميركي الذي دخل حيّز التنفيذ يوم الأربعاء سريعاً على الاقتصاد السوري. فقد واصل سعر صرف الليرة السورية التهاوي، بعد فرض الحزمة الأولى من القانون، على العديد من الكيانات والشخصيات، وفي مقدمتها رئيس النظام بشار الأسد، ليصل سعر الدولار، أمس الخميس، إلى نحو 3000 ليرة في العاصمة دمشق، ونحو 3100 ليرة شمال غرب إدلب، إحدى المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد.
وكشفت مصادر من داخل دمشق، عن أن المخاوف بدأت تلفّ الأسواق والمستثمرين، بعد أن طاولت العقوبات الأميركية أمس، الشركات المستثمرة في سورية وخارجها، متوقعة توقف العقود التي وقعها النظام مع الدول، وحتى الشركات، بما فيها الإماراتية التي أبرمت العديد من الاتفاقات خلال معرض دمشق الدولي العام الماضي.
وقالت مصادر، طلبت عدم ذكر اسمها، إن العديد من التجار عرضوا محالّهم التجارية للبيع في مناطق حيوية، مثل الحميدية وسوق مدحت باشا والشعلان وغيرها، ووصف عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، بأن هذا أمر غير معهود منذ فترة طويلة من الزمن.
وبالتوازي مع إصدار القضاء الفرنسي، أول من أمس، حكماً بمصادرة الأموال والسجن، على رفعت الأسد، عمّ رئيس النظام السوري، فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية على النظام ورموزه ورجال أعمال وشركات.
قائمة المعاقَبين
تضمنت الأسماء التي نشرتها وزارة الخزانة الأميركية، أول من أمس، كلاً من رئيس النظام بشار الأسد، وزوجته أسماء الأخرس، وأخيه ماهر الأسد، وزوجته منال جدعان، إضافة إلى رجال أعمال ومحافظ دمشق عادل العلبي.
وإلى جانب الشخصيات، شملت العقوبات شركات عديدة، ومشاريع استثمارية، وهي: “شركة العمار” لرجل الأعمال إيهاب مخلوف، وشركة “القمة للتطویر والمشاریع المحدودة المسؤولية” لرجلي الأعمال محمد أحمد ومحمد نذير جمال الدين، وشركة “كاستل هولدينغ” لنادر القلعي وعدد من المستثمرين، وشركة “آرت هاوس”، ومقرها النمسا، وشركة “كاسل إنفست هولدينغ ش.م.ل”، ومقرها بيروت.
ولم تستثنِ العقوبات الشركات داخل سورية، مثل “بنيان دمشق المساهمة المغفلة الخاصة”، و”دمشق الشام القابضة” التابعة لمحافظة دمشق، و”دمشق الشام للإدارة” التابعة لدمشق القابضة، إضافة إلى فندق “إيبلا” في دمشق، ومدينة “غراند تاون” السياحية على طريق المطار في العاصمة، وشركات “قلعي للصناعات” في الكسوة، و”ميرزا” لرجل الأعمال محمد أنس طلس، و”راماك للمشاريع التنموية والإنسانية” و”روافد دمشق” التابعتين لرامي مخلوف، و”تميز” ومقرها دمشق، وشركة “تيليفوكس كونسلتنتس” لنادر قلعي.
وطاولت العقوبات أيضاً شركة “التيميت للتجارة المحدودة المسؤولية” في ريف دمشق، وشركة “الأجنحة المساهمة المغفلة الخاصة” في دمشق، وشركة زبيدي وقلعي المحدودة المسؤولية على طريق مطار دمشق الدولي بالعاصمة السورية.
الليرة تتهاوى
انعكست هذه التطورات على العملة السورية التي واصلت التهاوي، الخميس، حيث فقدت نحو 300 ليرة مقابل الدولار الذي ارتفع إلى أكثر من 3000 ليرة.
وتوقع أستاذ الاقتصاد في جامعة مادرين التركية، مسلم طالاس، استمرار تهاوي سعر الليرة، مع تطبيق حزم أميركية مقبلة من العقوبات، ستشمل شركات وأشخاصاً من خارج سورية ومصارف ومؤسسات مالية، منها المصرف المركزي، في حال ثبوت تورطه في عمليات غسل الأموال.
ويقول طالاس لـ”العربي الجديد”: ستكون الآثار على الليرة وحتى المشاريع بالغة إذا طاولت العقوبات المصرف المركزي، لأنه عصب الاقتصاد، باعتباره مدير السياسة النقدية ومشرف النظام المصرفي ومدير نظام المدفوعات.
وبالنسبة إلى نظام المدفوعات، إن أي صفقة اقتصادية تجري بالليرة ستجري تسويتها في النهاية من طريق البنك المركزي السوري.
وحول أثر العقوبات على التحويلات، يجيب طالاس: “باعتقادي أن غالبية التحويلات إلى سورية التي تقدَّر سنوياً بأكثر من مليار دولار، تحولت الآن إلى القطاع غير الرسمي، وما يأتي من طريق القطاع الرسمي قد يتوقف تماماً الفترة المقبلة”.
ويرى مراقبون أن الصيغة الأساسية لـ”قانون قيصر” أقوى بكثير من الذي صدر خلال الحزمة الأولى، معتبرين أن الآثار لن تظهر على نظام الأسد، إلا إن طاولت العقوبات الداعمين الخارجيين للنظام بشكل موسّع.
وأمام تهاوي العملة السورية، رفع المصرف المركزي، أول من أمس، سعر شراء الدولار لتسليم الحوالات الشخصية الواردة إلى سورية بنسبة 78.5%، ليصبح 1.250 ليرة سورية بدلاً من 700 ليرة، وذلك في محاولة لجذب مزيد من الدولارات للقطاع المصرفي والرسمي.
وبرر المصرف المركزي تعديل السعر بهدف ردم الفجوة مع سعر السوق الموازية في الظروف الحالية، خاصة مع قانون قيصر، موضحاً خلال بيان، أن التعديل الذي رُفع بموجبه سعر الدولار من 700 إلى 1256 ليرة، جاء بعد دراسة المؤشرات الاقتصادية والمعطيات السائدة.
المحلل السوري، علي الشامي، وصف خطوة المركزي بـ”الناقصة والمتأخرة جداً”، إذ كان على السلطات النقدية توحيد سعر الحوالات مع السوق الموازية منذ زمن، كي يتجنب الخسائر، إذ فقدت ملايين الدولارات من تحويلات يومية كانت ستدخل السوق من المغتربين وذوي الأسر السورية من الخارج في حال ضبط الأسواق.
ويرى الشامي خلال اتصال مع “العربي الجديد” أن فارق السعر لم يزل “هائلاً”، فمن سيحوّل عبر القنوات الرسمية (مصارف وشركات تحويل) سيخسر نحو 2000 ليرة عن كل دولار، فالمركزي الذي يعتبر نفسه قدم إنجازاً، لم يسدّ الفجوة بين السعر الذي حدده وسعر السوق، ما يعني أن ثلثي الحوالات “ستسرقها الحكومة”.
وحول إمكانية التحويل من خارج الشركات والمصارف، يؤكد المحلل السوري، أن في ذلك مجازفة كبيرة، وقد امتنعت الشركات عن ذلك كما كان سابقاً، لأن عقوبة كل من يتعامل بغير الليرة، السجن لسبع سنوات وغرامة ثلاثة أضعاف المبلغ، وفق مرسوم الأسد، ما يعني خسائر العملة الصعبة وحرمان الأهالي تحويلات ذويهم.
مخاوف من تراجع أميركي
ويتخوف سوريون من إيقاف تنفيذ قانون قيصر أو التساهل بتنفيذه إن لم يستمر الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض لفترة ثانية، وهو ما يبدده الإعلامي والمحلل شعبان عبود بقوله لـ”العربي الجديد”: علينا في البداية أن نعي أن “قيصر” هو قانون أميركي، ذلك يعني أنه يجب أن يكون، كما القوانين الأخرى، متجاوزاً للصراعات السياسية الداخلية، وخاصة صراع الجمهوريين والديموقراطيين.
لكن رغم ذلك، هناك هواجس مشروعة لناحية الجدية في تطبيق القانون في حال وصول الديموقراطيين إلى البيت الأبيض فيما لو فاز المرشح الرئاسي الديمقراطي، جو بايدن، في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حسب مراقبين.
وعبّر الديمقراطيون عن انتقادات كثيرة لسياسة ترامب إزاء إيران وإلغائه الاتفاق النووي معها، وتعهدوا بأن يعاودوا المفاوضات مع طهران في حال وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وقبل ذلك هم تقدموا بمشروع قانون في الكونغرس يفرض على الرئيس الرجوع إلى الكونغرس إذا قرر شنّ عمل عسكري أو حرب على إيران، وذلك على خلفية العملية العسكرية الأميركية التي أدت إلى قتل قاسم سليماني.
وحول المزاج الأميركي الرسمي للجدية في تطبيق قانون قيصر، علماً أن ثمة عقوبات سابقة فرضت على الأسد ولم تلقَ متابعة وجدية، يتابع عبود: “المزاج الجمهوري الحالي إزاء قانون قيصر، متحمس لتطبيق القانون، ما دام ترامب في البيت الأبيض، وقد رأينا قبل أيام كيف دعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الجمهوري، جيمس ريش، ونائبه مايكل مكول، إدارة الرئيس إلى تطبيق “صارم” للعقوبات المفروضة على نظام الأسد بموجب “قيصر” عبر بيان ضمّ أيضاً توقيع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الديموقراطي، إليوت إنغل، المعروف بأنه “الأب الروحي” للقانون.
عدنان عبدالرزاق
العربي الجديد