تواترت في الأيام الأخيرة أنباء عن إغلاق فصائل مسلّحة مدعومة من إيران جميع مقرّاتها في جنوب العراق ووسطه. ومع أن مليشيا “عصائب أهل الحق” هي الوحيدة التي أعلنت ذلك، يوم الثلاثاء الماضي، بحسب بيان صدر عن زعيمها، قيس الخزعلي، إلا أن مسؤولين محليين في مدن ومحافظات عدة جنوبي العراق، أبرزها النجف وكربلاء والناصرية والديوانية، أكدوا أن عدداً آخر من الفصائل المسلحة المعروفة أو المصنفة محلياً بـ”المليشيات الولائية”، في إشارة إلى ارتباطها بإيران، علّقت الكثير من أنشطتها في مدن الجنوب والوسط، وأغلقت مكاتب لها، بسبب الاحتقان الشعبي في الشارع ضدها، خصوصاً بعد تورطها بقمع التظاهرات.
ومنذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع تفجّر موجة الاحتجاجات الشعبية في العراق، تعرّض 73 مقراً ومكتباً لمليشيات وفصائل مسلحة مختلفة مدعومة من إيران لهجمات من قبل المتظاهرين، تمّ إحراق قسم منها وتحطيم قسم آخر. تركزت أغلبها في ذي قار والبصرة وواسط والمثنى وكربلاء والنجف وبابل والقادسية، وطاولت مقرات “بدر” و”العصائب” و”حزب الله العراقي” و”النجباء” و”عاشوراء” و”الخراساني” و”الإمام علي” و”سيد الشهداء”، عدا عن مكاتب أحزاب وحركات سياسية مثل حزب “الدعوة” و”المجلس الأعلى” و”الفضيلة” و”الحكمة” و”النصر”. وبلغ مجموع المقرّات المحترقة وفقاً لمسؤول في وزارة الداخلية، أكثر من 168 مقراً، مؤكداً لـ”العربي الجديد”، أن بعضهم تقدم بشكوى للحكومة يطالب بتعويضات عن ما لحق بممتلكاتهم من دمار على يد المتظاهرين.
”
أُحرق نحو 168 مقراً للفصائل الموالية لإيران في الاحتجاجات
”
وعادت مدن وسط وجنوب العراق إلى واجهة المشهد مع خروج مئات الشبان الغاضبين في النجف والديوانية والناصرية والسماوة والحلة ومدن أخرى، للمطالبة بإقالة المحافظين وتغيير مدراء الدوائر الحكومية، بالإضافة إلى تقديم المتورطين بقتل المتظاهرين للقضاء والدعوة “لاتخاذ خطوات تشير إلى نوايا إصلاح حقيقية”.
ووفقاً لعضو بارز في تحالف “الفتح” في البرلمان، المعروف بأنه الواجهة السياسية لفصائل “الحشد الشعبي”، فإن عدداً من المليشيات المدعومة إيرانياً أغلقت مقرّاتها في وسط وجنوب العراق من دون إعلان رسمي، وعلّقت أيضاً الكثير من أنشطتها لتجنب الاصطدام بالمتظاهرين. واتهم العضو من وصفهم بـ”جهات مسلحة تتمنى أن يكرر المتظاهرون الغاضبون مهاجمة مقرات فصائل المقاومة، لتقوم بفتح النار وتحدث أزمة، كما حصل في الأشهر الثلاثة الأولى من التظاهرات. لهذا شُنّت خطوة استباقية تجنّباً لأي سيناريو أو مكيدة تصب في هذا الإطار”. وأضاف أن بعض تلك الفصائل غيّرت مقرّاتها، فيما هَجَرَت أخرى المقرات المدمّرة من دون ترميمها ولا إعادة تأهيلها، بينما رفعت مليشيات عدة اللافتات التي كانت تشير إلى اسم الفصيل الموجود في مبنى ما، مستدركاً بالقول إن أغلب مقرّات الفصائل عبارة عن منازل ومبانٍ مستأجرة.
واعتبر عضو تحالف “الفتح” أن فصائل ولائية تخطط للدخول في الانتخابات المقبلة (المقررة في عام 2022) وتحاول استرضاء الجنوب العراقي والوسط وتجنب إثارته أو خلق مشاكل معه، وهناك بوادر لبعض الفصائل تلك بتشكيل أجنحة سياسية واستقطاب شخصيات محلية في الجنوب والوسط وحتى بغداد. وأكد مسؤولان في الديوانية والناصرية إغلاق الفصائل مقرّات لها، مضيفين أنها علّلت ذلك بتلقّيها تعليمات لتجنّب أي مواجهة مع المتظاهرين في الفترة المقبلة.
وشرحت “العصائب” سبب إغلاق مقرّاتها على لسان القيادي سعد السعدي، الذي اتهم في حديث لـ”العربي الجديد”، الأميركيين بمحاولة خلق أزمة أو مشكلة بين فصائل المقاومة والعراقيين، وإحداث اقتتال داخلي من خلال عملاء لهم داخل العراق. وأشار إلى أنه “من أجل قطع الطريق على هذا المشروع الأميركي، قررنا إغلاق مقراتنا للحفاظ على السلم الأهلي”. وتابع: “العملاء الأميركيون في بعض محافظات وسط وجنوب العراق، عادوا لاستهداف القوات الأمنية والمؤسسات الحكومية وحتى الأهلية. وهذه العناصر استهدفت سابقاً مقرّات للحشد الشعبي وعدد من الفصائل، ومنها حركة عصائب أهل الحق. بالتالي، فمن أجل قطع الطريق على هؤلاء المخربين، أغلقنا المقرّات”.
”
الشارع ناقم جداً على كل الفصائل المسلحة، وحتى الجهات السياسية الموالية لإيران
”
في المقابل، رأى المحلل محمد التميمي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الشارع ناقم جداً على كل الفصائل المسلحة، وحتى الجهات السياسية الموالية لإيران، فهو يعتبر تلك الجهات سبباً رئيسياً لما وصل إليه العراق من كل النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية، وحتى الاجتماعية”. واعتبر أن “إغلاق المقرات أمر طبيعي، لمنع استهدافها من قبل الجماهير الغاضبة، خصوصاً مع عودة التصعيد من قبل المتظاهرين، فهذه المقرات، استهدفت سابقاً، وتم إحراقها مرات عديدة من قبل الشباب الغاضب”.
وأضاف التميمي أن “الفصائل أغلقت مقرّاتها لرغبتها بعدم فتح جبهة مواجهة مع الشارع، لأن هجوم المتظاهرين على مقراتها سيؤدي إلى الردّ عليهم، وهذا الرد قد يكلفهم كثيراً، خصوصاً أن حكومة مصطفى الكاظمي تختلف عن الحكومة السابقة في التعامل مع حماية المتظاهرين وترفض التعدّي عليهم، وخير دليل على ما حصل في البصرة، عندما هاجمت جماعة ثأر الله المتظاهرين، فسارعت القوى الأمنية إلى إغلاق مقرّها واعتقال كل من كان داخل المقرّ في وقت الهجوم”. وختم التميمي: “تعمل القوى الموالية لطهران حالياً على كسب الشارع العراقي من جديد، بعد أن خسرت كل نفوذها بعد تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، وتسعى لتحسين صورتها قبل الانتخابات المقبلة، كونها تدرك الرفض الشعبي الكبير لها، فأغلقت مقراتها، كبادرة حسن نية مع الشارع الرافض لها”.
عادل النواب
العربي الجديد