تدلّ المعطيات والتصريحات العلنية على أن المجزرة التي ارتكبها النظام السوري، في مدينة دوما أول من أمس، جاءت بغطاء إيراني وروسي، سياسياً على الأقل، مع استمرار الدعم الواضح لهذا النظام من قِبل هاتين الدولتين. ومع مرور المزيد من الوقت على مجزرة النظام في سوق الهال في دوما، يتواصل ارتفاع حصيلة القتلى، إذ وثّق فرع الدفاع المدني في المدينة التي تخضع لسيطرة قوات المعارضة، أسماء مائة واثنين من الباعة والمتسوّقين الذين قُتلوا إثر استهداف طائرات النظام لسوق الخضروات (سوق الهال)، فضلاً عن حوالي 30 آخرين في جرائم النظام بدرعا وإدلب.
ولم ينتظر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مرور أكثر من ساعات على المجازر التي أودت بحياة أكثر من 130 قتيلاً في دوما ودرعا وإدلب، ليجزم بأن بلاده “لم ولن تغير مواقفها التي أعلنتها منذ بداية الأزمة في سورية”، مشدداً على رفض بلاده “اشتراط خروج الأسد أو تنحيه في نهاية الفترة الانتقالية”.وقال لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك، عقده مع نظيره الإيراني جواد ظريف، في موسكو، “على من يريد التأكد العودةُ إلى بياناتنا ولقاءاتنا السابقة، وعلى مدار عمر الأزمة نحن لم نغير مواقفنا، وقد أكدنا أن السوريين وحدهم من يقررون مصير دولتهم، دون شروط مسبقة أو وصفات جاهزة تقدم لهم أية جهة”. وتحدثت مصادر إعلامية في اليومين الماضيين، أن النظام السوري تلقّى شحنات جديدة من الأسلحة روسية المصدر، قد تكون استُخدمت في مجازر يوم الأحد وفي غيرها.
وتابع وزير الخارجية الروسي قائلا “نقولها صراحة، ودون خجل، إننا نتقاسم فكرة التسوية السلمية للأزمة مع معظم من حاورناهم، أو التقيناهم من مسؤولي مختلف البلدان، وكذلك نعلنها صريحة أننا لا نتفق معهم في طريقة الوصول إلى التسوية المنشودة، كما لا نتفق معهم حول مصير الرئيس الشرعي المنتخب للبلاد، فنحن نرى أنه لا يمكن التوصل لحل دون مفاوضات مباشرة مع حكومة الرئيس (بشار) الأسد، وإذا ما أراد أحد شركائنا أن يضع شرط خروج الأسد أو تنحيه في نهاية الفترة الانتقالية، فإن ذلك مرفوض تماماً من روسيا”.
ولم يتطرق لافروف ولا ضيفه الإيراني إلى مجازر يوم الأحد التي فهمها عدد كبير من المراقبين، في سورية وخارجها، على أنها جرائم بهدف التهجير؛ بدليل أنها استهدفت مراكز شعبية ومدنية مكشوفة لا يستطيع النظام ولا آلاته الإعلامية الادعاء أنها “تستخدم لأهداف عسكرية”، على طريقة تبرير الاحتلال الإسرائيلي جرائمه عادةً.
**********************
وأكدت مصادر في فرع الدفاع المدني في دوما لـ “العربي الجديد”، أن هناك تسع جثث في مراكز الدفاع المدني ومستشفيات المدينة لم يتم التعرف إليها بعد، بسبب تحوّل بعضها لأشلاء وتعرّض الأخرى لتشويه كبير. وتوقعت المصادر أن ترتفع حصيلة الضحايا خلال الأيام المقبلة، بسبب وجود 300 جريح في المدينة أصيبوا نتيجة القصف؛ وهم يعانون الآن من تفاقم إصاباتهم نتيجة عدم وجود رعاية طبية لهم.
وأجرى الأطباء العاملون في غرف العمليات في مستشفى دوما المركزي الميداني وحده أكثر من سبعين عملاً جراحياً مستعجلاً يوم الأحد، فيما تم تحويل أكثر من مائة إصابة أخرى تحتاج لعمليات جراحية إلى باقي مستشفيات المدينة، وإلى المستشفيات العاملة في باقي مدن غوطة دمشق الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة، وذلك بحسب مصادر طبية في مدينة دوما.
وأكد الطبيب وائل أبو الحسن لـ “العربي الجديد”، أن المؤسسات الطبية العاملة في مدينة دوما وفي المدن والبلدات المحيطة بها، تعاني جميعها من نقص كبير في الكوادر الطبية، وفي مستلزمات غرف العمليات والإنعاش وفي المستهلكات الطبية وأجهزة تثبيت الكسور ومواد التخدير والتعقيم وغيرها. وأشار إلى أن العدد الكبير للمصابين الذين تدفقوا خلال أقل من ساعة إلى مستشفيات مدينة دوما، تسبّب بحالة من الفوضى في هذه المستشفيات، حتى باتت غرف الإسعاف ممتلئة بعشرات الجثث والجرحى من دون أن تتمكن الكوادر الطبية البسيطة الموجودة في هذه المستشفيات من القيام بأي شيء.
واستهدف طيران النظام سوق الخضروات وسط دوما بالبراميل المتفجرة في وقت الظهيرة، وهي الفترة التي يكون فيها السوق مكتظاً بالباعة والمتسوقين، ما يشير إلى تعمّد طيران النظام ارتكاب مجزرة كبيرة في هذا المكان، خصوصاً أن السوق بعيد عن جبهات القتال بين قوات المعارضة وقوات النظام، وعن مقرات قوات المعارضة التي تسيطر على المنطقة.
رامي سويد
صحيفة العربي الجديد