هل تطيح احتجاجات الشباب بمكانة مقتدى الصدر؟

هل تطيح احتجاجات الشباب بمكانة مقتدى الصدر؟

اعتبر مقال نشره موقع أوريان 21 الفرنسي أن ظهور مجتمع مدني في العراق ظل لأكثر من عقد عسيرا لأنه محبوس بين مطرقة الصراع الطائفي وسندان تفوق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في أحياء الطبقة العاملة الشيعية، وأن الاحتجاجات الشعبية الشبابية التي شهدتها البلاد حديثا ستعزز المجتمع المدني.

ورأى كاتب المقال حيدر حمداني المتخصص في العالم الإسلامي، أن الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تمثل إطاحة سياسية، وأن جيلا اجتماعيا سياسيا سوف ينشأ على إثرها، مشكّلا قطيعة مع التقاليد الدينية المشتركة التي أصبحت من الماضي.

وهذا الجيل -حسب الكاتب- سيضعف من شعبية الصدر لاعتراضه ورفضه الخضوع السياسي والثقافي لأبوة الصدر التي تهيمن عليها القوانين الدينية و”الخرافات” من دون تغيير في الثقافة الشعبية التي تغذيها التقاليد القبلية.

وقد أظهرت الاشتباكات بين الصدريين والمتظاهرين الشباب “غير المنتمين” شابا يواجه أبا صدريا، مما يعني أن الصراع لم يعد مجرد معركة ضد نظام فاسد وسياسيين يتواطؤون معه منذ 2003، بل انفصالا بين جيلي الصغار والكبار.

وبعد تعداد الأحداث التي رافقت مظاهرات الشباب من قمع من قبل مسلحين محسوبين على أحزاب في السلطة، واستقالة لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، كُشف عن فساد سياسيين ورجال دين وحلفائهم.

.وأشار الكاتب إلى أن “سرايا السلام” التابعة للتيار الصدري استخدمت العنف المسلح ضد المحتجين وهم الجيل الجديد الذي فاجأ الصدريين بتصميمه، فكانت النتيجة ظهور معسكرين داخل المجال الشيعي: متظاهرون شباب يطالبون بإصلاحات سياسية جذرية، ومتطرفن في السلطة يصفهم الشارع بـ”توابع إيران”.

وبعد الفشل في حشد القوى السياسية الشيعية الرئيسية “سائرون” بقيادة مقتدى الصدر، و”كتلة الفتح” بقيادة هادي العامري من أجل إجماع سياسي، تخلى محافظ النجف السابق عدنان الزرفي عن تشكيل الحكومة، إلا أن رئيس المخابرات السابق مصطفى الكاظمي المرشح من قبل هذين الكتلتين حصل على ثقة البرلمان.

وأشار الكاتب إلى أن منح الثقة لحكومة الكاظمي قد تم بعيدا عن ضغط الاحتجاجات بسبب وباء كورونا وفرض حظر التجوال، ومع ذلك يواصل بعض المتظاهرين الاحتجاج في بعض المحافظات، كما يستعد آخرون لاحتجاجات ضخمة في بغداد والمحافظات الجنوبية.

.

جانب من الاحتجاجات في ساحة التحرير في بغداد قبل شهور (الجزيرة)
القواعد الشعبية

ولفهم الأسباب الجذرية لتراجع شعبية التيار الصدري، يرى الكاتب أنه من الضروري معرفة أن مقتدى الصدر هو وريث لشعبية والده المرجع الشيعي محمد صادق الصدر، الذي قُتل في عهد الرئيس الراحل صدام حسين عام 1999، وهو شخصية كاريزمية، أعلن نفسه “مرجعا” في مواجهة المرجع الأعلى لشيعة العراق علي السيستاني الذي احتل الوظيفة المرموقة للمرجعية بموافقة علماء النجف.

ولضمان شرعية هذا الإعلان الذاتي، طوّر الصدر الأب خطابا شعبويا يوفق بين التدين الشعبي والمذهب الشيعي الرسمي، وهو الذي تبناه ابنه مقتدى في وقت لاحق في دعوته للترويج لتمجيد ممارسات الشيعة الشعبية.

وفي المناطق المحرومة من المدن الكبرى، انجذب الشباب للأيديولوجيا الصدرية التي توفّق بين “الدين الشعبي” لدى الصدر الأب والابن والتقاليد القديمة مثل تدين العائلة، وقد اخترقت خطب محمد الصدر هؤلاء السكان الحضريين المحرومين والمهمشين وحتى المحتقرين في التسلسل الهرمي الاجتماعي والديني.

وقد توجّه الصدريون إلى المبدعين الشباب والموسيقيين ومغني الراب والرياضيين وذوي الحرف الصغيرة، وعبؤوهم لصالح التيار الناشئ الذي حوّل الاحتفالات إلى شكل من أشكال المعارضة الخفيّة للدين الرسمي لعقيدة النخب الشيعية.

وعند وفاة محمد الصدر، نقل أتباعه ارتباطهم إلى ابنه مقتدى كجزء من استمرارية الأسرة ، وقد أسس الزعيم الشاب بعد الغزو الأميركي للعراق قوة سماها “جيش المهدي” انضم إليها آلاف الشباب.

ورأى الكاتب أن الصدر أحيا عادات قديمة من أجل الحفاظ على القداسة في أعين أنصاره، مشيرا إلى أن هذا التقديس جعل أتباع التيار الصدري قادرين على العنف ضد منافسي مقتدى.

الشباب كانوا عماد الاحتجاجات الشعبية الأخيرة وخرجوا للاعتراض على الحكومة والأحزاب الحاكمة (رويترز)
التخصص والحداثة
ومنذ عام 2008، رأى الكاتب أن انخراط الصدر وحركته في السياسة وصل إلى آفاق جديدة. ورأى الكاتب أن نشاط الصدر في العملية السياسية وفي الشؤون الاقتصادية والمالية كان على حساب أنشطته الثقافية والدينية التي كانت تساهم في استدامة حركته الشعبية، مما نمى رفض الخرافات الشعبية الموصوفة بأنها “متخلفة”، خاصة أن قطاعات مهمة من الشباب المتقدم ثقافيا بدأت تتحول إلى العلمانية، مما يعني ظهور جيل من الشباب “المعاصرين”.

وهذا الجيل الحضري الذي يرفض ثقافة الشيوخ -حسب الكاتب- بدأ في الانفصال عن التيار الصدري مشكّلا تحديا ثقافيا معاصرا، وقد أظهرت حركة الاحتجاج القوية أن هناك جيلا حضريا يخالف الشرعية السياسية المزعومة للتيار الصدري.

ولذلك، يعارض مقتدى الصدر مظاهرات هؤلاء الشباب المعتمدين على أنفسهم لأنه لا يمكن السيطرة عليها رغم قوة القمع، مما يعني أن التيار الصدري قد يدخل في دورة من التدهور والشلل.

الجزيرة