لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، تتعرض فرنسا للتضييق على نفوذها ومخططاتها الإستراتيجية في شمال إفريقيا، وهذه المرة من طرف وافد جديد هو تركيا، وتجد فرنسا نفسها تدريجيا لوحدها بسبب تحفظ باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي على سياستها تجاه ليبيا.
وخلال استقباله للرئيس التونسي قيس سعيد في باريس يوم الإثنين من الأسبوع الجاري، قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماركون: “أعتبر في الوقت الراهن أن تركيا تلعب في ليبيا لعبة خطيرة وتتناقض مع كل التزاماتها التي تعهدت بها في قمة برلين”. واعتبر أن الوضع لا يصب في صالح الولايات المتحدة وأوروبا والمنطقة، كما أكد في مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفق ما كشف عنه في الندوة الصحافية مع ضيفه التونسي.
وتأتي تصريحات ماكرون بعد الحادث المثير للغاية من قيام فرقاطة تركية بالتحرش بسفينة حربية كورفيت فرنسية قبالة السواحل الليبية يوم 17 يونيو/حزيران الجاري. وكان مشهدا سورياليا، فقد حاولت السفينة الفرنسية العضو في الحلف الأطلسي تفتيش سفينة تركية التي هي الأخرى في الحلف الأطلسي.
كانت فرنسا قد عانت خلال الحرب العالمية الثانية على يد القوات النازية في البحر المتوسط، لكنها استمرت في بسط نفوذها المتوسطي وصولا إلى تدخل تركيا
ويعد هذا الحادث ذروة أو منعطفا في التوتر الحاصل بين تركيا وفرنسا في ملفات كثيرة وعلى رأسها الملف الليبي. ويكشف في الوقت ذاته أنه لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تتعرض مصالح ومخططات فرنسا إلى التضييق الواضح من طرف دولة جديدة في المسرح السياسي الإقليمي المتوسطي بعد نهاية الحرب الباردة وهي تركيا. وكانت فرنسا قد عانت خلال الحرب العالمية الثانية على يد القوات النازية في البحر المتوسط، لكنها استمرت في بسط نفوذها المتوسطي بسبب الحوار مع لندن وواشنطن.
وكانت مجلة لوبوان استباقية في رؤيتها للتطورات بعدما كتبت في عدد 9 يونيو الجاري: “أردوغان يطيح بماكرون في ليبيا”، مبرزة كيف أجبرت الأسلحة التركية ومنها الطائرات دون طيار زعيم قوات الغرب الليبي خليفة حفتر على التراجع نحو الغرب بعد محاصرة طرابلس لشهور طويلة بدعم من فرنسا والإمارات العربية وروسيا.
ويذهب معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية الفرنسي “إيريس” في ورقة بحثية له إلى اعتبار أن ما حدث هو نقطة اصطدام بين مصالح البلدين في البحر الأبيض المتوسط والتوتر القائم في علاقاتهما منذ مدة. ومن جهـتها، أبرزت مجلة إكسبرس الوضع الشائك لفرنسا بعدما وضعت تركيا على الطاولة أمام باريس شروطا صعبة مقابل وقف النار وتتجلى في انسحاب قوات حفتر من منطقة سرت.
وترى فرنسا كيف تنهار بعض مخططاتها التي كانت ترغب في تحويل ليبيا إلى منطقة نفوذ منذ الحرب التي شنتها على هذا البلد عام 2011 تحت غطاء الربيع العربي، وتجعل النفط الليبي خزانا لها علاوة على تحويل الأراضي الليبية إلى جسر مع منطقة الساحل الإفريقي حيث تشاد ومالي والنيجر. ومما يزيد من صعوبة الموقف الفرنسي هو تحفظ أعضاء الاتحاد الأوروبي على سياستها وعدم إبداء حماس لمساندتها بشكل واضح في مواجهة تركيا.
القدس العربي