“روسيا والصين وباكستان”.. محور ثلاثي جديد على وشك التشكل

“روسيا والصين وباكستان”.. محور ثلاثي جديد على وشك التشكل

diplomatysegsrh

في الجغرافيا السياسية، يمكن للحقائق الاستراتيجية أن تتغير بسرعة مدهشة، حتى قبل أن تدرك الدول أن حدوث تلك التحولات الحاسمة من شأنها أن تشكّل المستقبل لسنوات قادمة. ويبدو أن هذا هو الحال مع الحرب التقليدية الباردة بين البلدين المتنافسين روسيا وباكستان، والتي شهدت مؤخرًا تقاربًا تدريجيًا في العلاقات بينهما. وقد أظهرت روسيا، الحليف التقليدي للهند والداعمة لموقف الهند حتى الآن بشأن إقليم كشمير، علامات واضحة على تملق باكستان.

فبعد أن رفعت في وقت سابق الحظر الذي فرضته على تصدير الأسلحة إلى باكستان، وقعت روسيا في شهر نوفمبر من العام 2014 اتفاقية “تعاون عسكري” بارزة مع باكستان، والتي نصت على “تبادل المعلومات بشأن القضايا السياسية العسكرية، وتعزيز التعاون في قطاعات الدفاع ومكافحة الإرهاب، وتبادل وجهات النظر بشأن التطورات التي تحدث في أفغانستان، والقيام بالأعمال التجارية مع بعضنا البعض“. وكانت هناك تقارير تفيد بأن باكستان قد تشتري مروحيات من طراز مي-35 المقاتلة من روسيا بالإضافة إلى استيراد محركات RD-93 من شركة كليموف الروسية بدلًا من المقاتلات متعددة المهام JF-17 التي تنتجها الصين. وهذا قد يعني أيضًا وجود دور مهم للمعدات وقطع الغيار الروسية في التنمية المستقبلية للطائرات المقاتلة. وبالإضافة إلى ذلك، تخطط شركة روستيخ الروسية المملوكة للدولة لبناء خط أنابيب غاز بطول 680 ميلًا في باكستان في عام 2017 بتكلفة تقدر بحوالي 2.5 مليار دولار.

وتعد محاولات التقارب المتبادلة بين روسيا وباكستان جزءًا من تحول أكبر في العلاقات الدولية؛ حيث تخوض روسيا مواجهة مع الغرب في أوروبا بشأن أوكرانيا، بالإضافة إلى مغامرة موسكو العسكرية في شبه جزيرة القرم والتي تبعتها عقوبات غربية. وفي منطقة المحيط الهادئ بآسيا، أثارت تجاوزات الصين في بحر الصين الجنوبي توترات مع البلدان الآسيوية المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة. وقد أجبرت هذه التطورات كلًا من روسيا والصين للبحث عن حلفاء، وهو ما يفسر التقارب بين القوتين في الفترة الأخيرة. ويتساءل بعض المحللين عما إذا كانت هذه الشراكة مدفوعة بعوامل خارجية يمكن أن تؤدي إلى تحالف بين الدول التي لم يثق بعضها في بعض سابقًا أم لا. ولكن المقولة المأثورة القديمة “عدو عدوي صديقي” تنطبق تمامًا على هذا الموقف. والعامل الأكثر أهمية الذي يتجاوز العوامل الأخرى هو تصور الولايات المتحدة عن كلا الدولتين، وسياسة الاحتواء التي تنتهجها تجاههما. وتحتاج الصين إلى حلفاء من أجل تغيير النظام العالمي، وهذا التحالف يبدأ من آسيا.

والارتباط بين الصين وباكستان أمر معروف، وهو المحطة الأكثر صعوبة في مثلث روسيا والصين وباكستان. وطالما كانت الصين هي الحليف التقليدي لباكستان، والداعم التاريخي لها ضد الهند منافسها اللدود سواء فيما يتعلق بالمعدات العسكرية أو على الصعيد الدبلوماسي. وقد شارك الصينيون في بناء مفاعلات نووية لباكستان، وتعتبر باكستان هي المستورد الأكبر لمعدات الدفاع التي يتم تصنيعها في الصين، كما تشارك في مشروع إنتاج مشترك وتطوير مشترك لطائرات JF-17 المقاتلة، ومن المقرر الآن أن تشتري حوالي ثماني غواصات صينية SSK.

كما استثمرت الصين بشكل كبير في ميناء جوادر وفي ممرات قراقوم. فالعلاقة الحتمية هنا ليست بالنسبة إلى الصين فقط بل لباكستان أيضًا؛ حيث إن العلاقات المزدهرة بين الولايات المتحدة والهند، والتي تتضمن علاقات تجارية واسعة وتعاونًا بشأن القضايا الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك في مجالات تكنولوجيا الدفاع والمعدات، تؤرق باكستان من وقت إلى آخر. ومنذ مغامرة باكستان الفاشلة في مرتفعات كرغيل، فقدت باكستان دعم الإدارات المتعاقبة للولايات المتحدة بشأن قضية كشمير، وأصبحت علاقاتها مع الولايات المتحدة مهتزة منذ ذلك الحين.

ومن هنا ينشأ تطابق المصالح بين الدول الثلاث: باكستان والصين وروسيا. وبالنسبة إلى الصين وروسيا، تعتبر الولايات المتحدة هي العدو اللدود الذي يجب إبعاده عن موقفه المهيمن، وذلك من أجل أمنهم الخاص. وباكستان لديها ما يكفي من الحوافز لتكون شريكًا مستعدًا في الهيكل الأمني الآسيوي الذي يتشكل بواسطة الصين.

ومع تنويع الهند لمصادر الإمداد العسكري لها لتشمل دولًا مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، لم تعد روسيا ترى أي عائق لإقامة علاقة استراتيجية مع باكستان. ويمكن للمرء أن يرى في المستقبل علامات التكامل بين الدول الثلاث، حيث يمكن لقدراتهم أن يكمل بعضها البعض: إذ إن روسيا هي مصدر بديل للتكنولوجيا العسكرية الغربية، وموردة للطاقة، والصين تعتبر أكثر فعالية من الناحية الاقتصادية من الدولتين الأخرتين وذات احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي تبحث عن الاستثمار، كما أنها في حاجة إلى إمدادات الطاقة، وعلى الرغم من مشاكل باكستان الهيكلية؛ إلا أنها تعتبر اقتصادًا ناميًا وأغلبية سكانها من الشباب، وهي في حاجة إلى كل من إمدادات الطاقة ومعدات الدفاع. وبالفعل تستورد باكستان معدات من الصين، كما أنها سوف تحصل على التكنولوجيا الروسية التي كانت في الواقع مصدرًا للعديد من المنتجات الصينية أيضًا.

وسوف تجد روسيا التي تم فرض عقوبات عليها سوقًا جديدة لبيع معدات الدفاع، على الرغم من كون هذا الأمر قد يشهد في المستقبل بعض المنافسة بين روسيا والصين. ومن الممكن أن تواصل روسيا تسليح الهند مع الصين وباكستان الآن. وقد اتبع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استراتيجية توريد معدات الدفاع إلى كل من الهند وباكستان. ولكن تسليح روسيا لباكستان لازال مهمًا؛ لأن ذلك يعني أن روسيا لم تعد تقدم معاملة خاصة للهند حليفتها التاريخية.

وصحيح أن الهند لازالت كبيرة اقتصاديًا بحيث لا يمكن تجاهلها، وأن روسيا لديها مصلحة في الحفاظ على علاقاتها مع الهند. ولكن الهند قد قطعت علاقاتها الأمنية مع الصين وباكستان، في الوقت الذي تتقرب فيه روسيا إلى الصين أكثر من أي وقت مضى، ويبدو أن اختلاف مصالحها مع الهند في النظام العالمي ينمو بشكل أكبر. والمحور الثلاثي المتكون من روسيا وباكستان والصين هو حقيقة على وشك الحدوث، والأهداف الأمنية لهذا المحور في آسيا أكبر من الأهداف الأمنية لمجموعة روسيا والصين والهند (التي تندرج أيضًا ضمن دول البريكس).

ومن المهم في هذا الصدد أن نأخذ في الاعتبار أن الاقتصاد الصيني يتباطأ بشكل واضح، وهذا قد يؤدي إلى بعض الاضطرابات الداخلية، كما أن الاقتصاد الروسي قد يشهد انكماشًا أكبر، في حين أن باكستان، التي تظهر دلالات على التحسن الاقتصادي، تعتمد على المساعدات الخارجية والتي تتأثر بالمخاوف الأمنية الداخلية. ولا يمكن استبعاد العدوان على هذا المحور الثلاثي لصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية الخاصة به؛ إذ إن العواقب الاستراتيجية لهذا المحور سوف تمس الهند بقدر ما تمس الولايات المتحدة ودولًا أخرى في المنطقة. وفي حين تتشكل الخطوط العريضة للتحالفات في آسيا، سوف يتوجب على الهند عدم التردد في اتخاذ موقف أكثر حزمًا في آسيا، بالإضافة إلى العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة واليابان.

التقرير