“الاتحاد الديمقراطي” و”العمال الكردستاني”: بداية فك الارتباط؟

“الاتحاد الديمقراطي” و”العمال الكردستاني”: بداية فك الارتباط؟

منذ انخراط الأحزاب الكردية السورية في حوار يكاد يرقى إلى مستوى التفاوض، بدفع أميركي، لتشكيل مرجعية سياسية كردية واحدة، برزت إلى واجهة المشهد العلاقة بين حزب “الاتحاد الديمقراطي”، أبرز أحزاب “الإدارة الذاتية” الكردية، والذي يتخذ من “الوحدات” الكردية أداة عسكرية له، وبين حزب “العمال الكردستاني” المصنف كتنظيم إرهابي في تركيا وبعض البلدان الأخرى، إذ يطالب “المجلس الوطني الكردي” بفك الارتباط بين الحزبين من أجل إنجاح الحوار وترتيب أوراق البيت الداخلي الكردي في سورية. وفي تطور لافت في توقيته ومضمونه، اعتبره البعض مؤشراً على بداية النهاية لوجود “العمال الكردستاني” في سورية، نقلت مواقع إخبارية كردية عن الكاتب الكردي السوري الخبير في شؤون “العمال الكردستاني”، هوشنك أوسي، قوله إن قائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، طرد، بدعم أميركي، صبري أوك (مسؤول الأمن والمخابرات في “العمال الكردستاني”) من سورية، واصفاً ذلك بـ”الخطوة الأولى على طريق طرد حزب العمال من سورية”.

انخرط الأكراد السوريون، بدفع أميركي، منذ إبريل الماضي في حوار داخلي

وأوضح أن المطرود هو رجل جميل بايك في سورية، مشيراً إلى أن الأخير “أحد المؤسسين الخمسة لحزب العمال وعضو قيادة منظومة المجتمع الكردستاني في سورية”. وأضاف أن “حالة من الهستيريا تخيّم على حزب العمال”، معرباً عن اعتقاده بأن “طرد صبري أوك من تلك المناطق، يعادل في تأثيره طرد عبد الله أوجلان من سورية في أكتوبر/تشرين الأول 1998″، مضيفاً “روجافا (تسمية كردية لمنطقة الجزيرة السورية) تدخل مرحلة المخاض بالغة الخطورة. مخاض التحرر من حزب العمال لا يقل ألماً وصعوبةً من التحرر من أيّ نظام قمعي استبدادي متهوّر”. ولطالما كانت العلاقة بين “الاتحاد الديمقراطي” و”العمال الكردستاني” مثار جدل واسع لدى السوريين خلال السنوات الماضية، لا سيما مع سيطرة “قسد”، التي تشكل “الوحدات” الكردية، الذراع العسكرية لـ”الاتحاد الديمقراطي”، عمودها الفقري، على منطقة شرقي نهر الفرات التي تعادل ثلث مساحة سورية، وتعد مستودع الثروات فيها.

وتعتبر المعارضة السورية “الاتحاد الديمقراطي” نسخة سورية من “العمال الكردستاني” المصنف في خانة التنظيمات الإرهابية في بعض البلدان، وهو ما دفع المعارضة إلى إخراج “الاتحاد الديمقراطي” من هيئاتها، واعتبرته حزباً يدفع باتجاه تقسيم سورية. وشكلت هذه العلاقة بين الحزبين، التي بدأت مع تحوّل الثورة السورية إلى العسكرة في عام 2012، مصدر قلق للجانب التركي، ما دفعه إلى شن عمليتين عسكريتين، الأولى في 2018 ضد “الوحدات” الكردية في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، والثانية أواخر العام الماضي في منطقة شرقي نهر الفرات. وفي ذروة الحراك الثوري في سورية، ساعد النظام في تشكيل “الوحدات” الكردية لمحاصرة الحراك في الشارع الكردي، وهو ما سمح للعديد من قيادات “العمال الكردستاني” (سوريين وأتراكا) بالقدوم إلى سورية من مركز هذا الحزب في جبال قنديل على المثلث الحدودي ما بين العراق وإيران وتركيا لقيادة العمليات العسكرية.
وفي أواخر 2015، شُكلت “قوات سورية الديمقراطية”، التي يعد المقاتلون الأكراد ثقلها الرئيسي، وهو ما سمح لقياديين في “العمال الكردستاني” بتسلم مفاصل مهمة في هذه القوات، التي تولت قتال تنظيم “داعش” في سورية، على مدى أكثر من عامين. وبدفع أميركي، انخرط الأكراد السوريون منذ إبريل/نيسان الماضي في حوار داخلي، قوامه أحزاب “المجلس الوطني الكردي”، المنضوي في صفوف المعارضة السورية ويحتفظ بعلاقة مع تركيا، وبين أحزاب “الإدارة الذاتية” الكردية، وأبرزها “الاتحاد الديمقراطي”. ويطالب “المجلس الوطني” بفك الارتباط بين “الوحدات” الكردية و”العمال الكردستاني” والتعامل مع المسألة الكردية في سورية على أنها قضية وطنية غير مرتبطة بقضايا أخرى خارج الحدود الجغرافية السورية.

كان لافتاً استقبال مظلوم عبدي عدداً كبيراً من شيوخ العشائر العربية في منطقة شرقي نهر الفرات

وفي هذا الصدد، أوضح عضو الهيئة الرئاسية لـ”المجلس الوطني الكردي”، والمنسق العام في حركة “الإصلاح الكردي” فيصل يوسف، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الطرفين المتحاورين “توصلا حتى الآن إلى رؤية سياسية مشتركة، ببعد وطني سوري، والالتزام بالعملية السياسية الجارية في البلاد، ومن ضمنها إقرار حقوق الشعب الكردي في سورية”. وأضاف “أما عن القضية الكردية في الدول الأخرى، فلكل منها خصوصيتها ونحترمها، وعليهم التعامل معنا بالمثل. نحن نتحاور كأكراد سوريين، ونأخذ في الاعتبار أن القضية الكردية في سورية وطنية بامتياز”. وعن نتيجة التفاوض مع أحزاب “الإدارة الذاتية” حول فك الارتباط مع “العمال الكردستاني”، قال يوسف “لم نبدأ مفاوضات المرحلة الثانية حتى الآن”، مضيفاً “لكننا ننطلق من الرؤية السياسية المشتركة، وهي سورية بحتة، وستكون كل مفاوضاتنا استناداً عليها حتماً”.
وفي السياق، تدفع الولايات المتحدة الأكراد السوريين من أجل تشكيل مرجعية سياسية واحدة لهم، يمكن أن تكون ضمن وفد المعارضة السورية المفاوض في حال عودة الحياة للمسار السياسي، والمتوقف بسبب رفض النظام السوري تسهيل مهام الأمم المتحدة. وتحاول قيادات كردية تعزيز العلاقة مع المكون العربي في منطقة شرقي نهر الفرات، الذي يشكل غالبية سكان المنطقة، في مسعى واضح من أجل ترتيب أوراق شرقي الفرات استعداداً لمراحل قادمة ربما تشهد تطورات كبيرة. وكان لافتاً استقبال مظلوم عبدي، وهو اليوم من أبرز الشخصيات السورية الكردية، عددا كبيرا من شيوخ العشائر العربية في منطقة شرقي نهر الفرات، والحديث عن “بناء نظام سياسي ديمقراطي لا مركزي في سورية يعتمد التوزيع العادل للثروة الوطنية”.
وكشفت مصادر مطلعة، لـ”العربي الجديد”، أن واشنطن بصدد تحقيق التوازن ما بين العرب والأكراد في منطقة شرقي نهر الفرات في المرحلة المقبلة، بعد تفرد كردي كامل على مدى السنوات الماضية بالقرار السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة. وأشارت المصادر إلى أن واشنطن معنية بتحقيق الاستقرار في المنطقة “وهذا لا يتأتى من دون هذا التوازن”، مشيرة إلى أنه “ليس أمام الأكراد إلا الامتثال لرغبة واشنطن، التي تمنع الأتراك من اجتياح المزيد من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شرقي نهر الفرات”. وبيّنت المصادر أن فك الارتباط مع حزب “العمال الكردستاني” هو رغبة أميركية، ومطلب العرب في شرقي نهر الفرات، لا سيما المنتسبين إلى “قسد” في الرقة ودير الزور والحسكة، إضافة إلى عدد كبير من الأكراد السوريين. وأضافت أن “هذه العلاقة جرّت على الأكراد السوريين الكثير من المشاكل. ومن دون الإعلان الرسمي عن فك الارتباط، يظل الخطر ماثلاً بشكل دائم على الأكراد السوريين، لا سيما من قبل الجانب التركي”. من جهته، قال الكاتب السوري المقرب من “الإدارة الذاتية” الكردية إدريس نعسان إن “الإدارة الذاتية وقوات سورية الديمقراطية يطرحان نفسيهما كأطر وطنية سورية”، مضيفاً، في حديث “مع العربي الجديد”: “يعملان (الإدارة والقوات) من أجل الحل السياسي للأزمة السورية”.

أمين العاصي

العربي الجديد