عاودت المليشيات الولائية، أو ما بات يعرف بـ«خلايا الكاتيوشا»، اعتداءاتها مجددًا من خلال إطلاق صاروخ كاتيوشا فجر الأحد، باتجاه السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء ببغداد، تسبّب سقوطه على مبنى قريب مأهول بالسكان في إصابة عدد من المواطنين، في الوقت الذي قالت فيه السلطات الأمنية إنها أحبطت هجومًا آخر كان يستهدف معسكر التاجي شمالي بغداد الذي يضم قوات أميركية.
وجاء إطلاق الصاروخين بعد ساعات من إجراء وحدة أميركية في بغداد تمرينًا بالذخيرة الحية يحاكي سيناريوهات الاعتداء على مبنى السفارة الأميركية. وبحسب معلومات خاصة لمركز الروابط، أن منظومة الصواريخ الدفاعية الأميركية”C –RAM” التي تم اختبارها كانت السبب في انحراف الصاروخ أو أنه تم اعتراضه وسقطت أجزاء منه على المبنى السكني. وهي منظومة متكاملة قصيرة المدى مضادة للقذائف والهاون والكاتيوشا. وتقوم هذه المنظومة بعملية مسح لأي صاروخ أو مقذوف وتفجره في الهواء بإطلاق آلاف الرصاصات في أقل من دقيقة.
وبحسب معلومات خاصة أيضًا لمركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أفادت أن واشنطن طلبت من الحكومة العراقية تنصيب هذه الصواريخ في محيط السفارة الأمريكية للدفاع عن بعثتها الدبلوماسية المتواجدة في المنطقة الخضراء لكن الحكومة العراقية رفضت ذلك.
ونظرًا للاعتداءات المتكررة على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء وعجز الحكومات العراقية السابقة عن توفير الحماية للبعثة الدبلوماسية الأمريكية والغربية، الامر الذي دفع واشنطن إلى تنصيبها في محيط السفارة الأمريكية دون أخذ موافقة الحكومة العراقية.
وقالت خلية الإعلام الأمني، في بيان، إنه «أطلق صاروخ من نوع كاتيوشا من منطقة علي الصالح ببغداد باتجاه المنطقة الخضراء، وسقط بجوار أحد المنازل بالقرب من قناة (تلفزيون) بلادي، مما أدى إلى جرح طفل، وحصول أضرار في المنزل». ولا تبعد منطقة علي الصالح التي أطلقت منها الصواريخ سوى بضعة كيلومترات عن المنطقة الخضراء.
وكشف بيان خلية الأمن عن إحباط محاولة أخرى لقصف معسكر للجيش، حيث قال: «تمكنت قواتنا من إحباط هجوم آخر في منطقة أم العظام، والسيطرة على صاروخ من نوع كاتيوشا أيضاً وقاعدة الإطلاق، وقد تبين أن هذا الصاروخ كان موجهاً نحو معسكر التاجي، شمالي العاصمة».
ولقد شجب تحالف القوى العراقية بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، اليوم الاحد، محاولات من وصفها بـ”الجهات غير المنضبطة” لعرقلة “جهود” فرض القانون واحترام “هيبة” الدولة، وفيما دعا الى منع “الاعتداء” على البعثات والممثليات الدولية والعربية، وحذر من عودة العراق الى عزلته الدولية.
وقال التحالف في بيان، إنه “في الوقت الذي يسعى الجميع – حكومة وبرلمانا وقوى سياسية – إلى ضمان سيادة العراق، وتعزيز خطوات بناء الدولة وهيبتها، وحصر السلاح بيدها؛ تبادر بعض الجهات غير المنضبطة بمحاولات عرقلة وإفشال الجهود الوطنية الحثيثة الرامية إلى فرض القانون واحترام هيبة الدولة العراقية”، معبرا عن شجبه “لمحاولات الخارجين عن القانون لزعزعة ثقة المواطن والمجتمع الدولي بقدرة الحكومة العراقية على فرض القانون وضمان الحماية ومنع الاعتداء على البعثات والممثليات الدولية والعربية والأممية”.
وأضاف، ان ذلك “قد ينعكس سلبا على ديمومة الدعم الدولي للعراق، ويضعف ثقة الدول به، ويعيده إلى عزلته الدولية، وهو خلافٌ لتطلعات الشعب العراقي وحكومته الساعين إلى بناء الثقة والعلاقات السياسية المتينة، وبما يصبُّ في مصلحة العراق وشعبه”.
وأردف بيان تحالف القوى، “نؤكد موقفنا برفض أي سلاح خارج إطار الدولة يحاول مصادرة القرار السيادي العراقي، ونطالب رئيس مجلس الوزراء الضرب بيدٍ من حديد على كل من يحاول إضعاف الدولة وزعزعة مكانتها، وتأمين حماية البعثات الدبلوماسية، وتفعيل الجهد الأمني والاستخباري الاستباقي؛ لإجهاض أية مغامرة غير مسؤولة، وتقديم القائمين عليها إلى القضاء العادل”.
أما تحالف الفتح، فقد أعرب ف الاحد عن استغرابه من الفعل الذي أقدمت عليه السفارة الأمريكية يوم أمس السبت في بغداد، عبر إجراء اختبار بقصف جوي للمنطقة الخضراء، وأكد انه “يشكل انتهاكا لكل الأعراف الدبلوماسية”.
وقال التحالف في بيان، إن “الفعل الذي أقدمت عليه السفارة الأمريكية يوم أمس في بغداد هو أمر مستغرب وغير مسؤول ويعد انتهاكا لكل الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية”، وتابع “يؤكد لنا أن هذا الفعل ينذر باستمرار انتهاك السيادة الوطنية وحرمة الدولة العراقية وإلا كيف تتحول السفارة والبعثات الدبلوماسية إلى ثكنة عسكرية في قلب بغداد، والأدهى من ذلك كيف يوافق أصحاب القرار العراقي على هذه الانتهاكات الصارخة دون أنْ يحركوا ساكنا؟”.
وأضاف التحالف، “نستغرب وبشدة غياب الموقف الحكومي الواضح والصريح وكذلك نستغرب سكوت وصمت كل الأطراف الذين كانوا يتباكون على هيبة الدولة دون أنْ يحركوا ساكنا”، وأكد أن “ما جرى يوم أمس في بغداد من إرعاب الناس في وضح النهار دون سابق إنذار يقرع جرس الخطر وينذر باستمرار الانتهاكات لحرمة وسيادة العراق”.
ورأى التحالف انه “يتوجب على جميع القوى الوطنية المخلصة للعراق أنْ يُدينوا هذه الانتهاكات المتكررة وعلى الأمريكيين الكف عن هذه الأعمال الاستفزازية للشعب العراقي العزيز وأنْ يوقفوا مسلسل الانتهاكات البغيضة وعلى الحكومة العراقية أنْ تتخذ كل الإجراءات الكفيلة لمنع تكرار ما حصل”.
ولقد ربط المراقبون للشأن العراقي تطورات يوم الأحد الفائت بتحركات الكاظمي، فمنذ تسلّمه رئاسة الوزراء في 7 أيار/ مايو الماضي، بدا أن حلفاء إيران في المشهد السياسي والأمني في العراق على الساحة العراقية غير مطمئنة له، خصوصًا أن مصطفى الكاظمي لم يتأخر في بدء الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية أوائل حزيران/ يونيو الماضي، لتدشين مرحلة جديدة في العلاقات الأمريكية العراقية، قبل أن تتصاعد خطواته لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق. وجاء التطور الأبرز باعتقال قوة عراقية خاصة في 26 حزيران/ يونيو الفائت مجموعة تتبع مليشيا كتائب حزب الله، بعد اتهام المجموعة بأنها كانت تخطط للقيام بعمليات أمنية ضد مؤسسات رسمية وبعثات دبلوماسية في العراق، وتحديدًا لمواقع المصالح الأميركية داخل المنطقة الخضراء في بغداد.
تبع ذلك إعفاء الكاظمي أول أمس السبت رئيس “هيئة الحشد الشعبي” فالح الفياض من منصبيه كرئيس لجهاز الأمن الوطني ومستشار للأمن الوطني، وتسمية وزير الداخلية الأسبق قاسم الأعرجي مستشاراً للأمن الوطني، علماً أن مواقف الأعرجي خلال عمله في وزارة الداخلية لم تلقَ قبولاً من قبل قوى سياسية، حتى على مستوى منظمة “بدر” التي ينتمي لها، من بينها تقاربه مع دول خليجية وعربية واتخاذه قرارات مهمة على مستوى وزارة الداخلية واستقلاليتها. كما أن تسمية الجنرال عبد الغني الأسدي، الذي أحيل إلى التقاعد في حكومة عادل عبد المهدي، لرئاسة جهاز الأمن الوطني، تعتبر خطوة مقلقة أخرى لحلفاء طهران، بسبب توجهات الأسدي خلال عمله السابق كأحد القادة لجهاز مكافحة الإرهاب وقربه من واشنطن، وهو ما يعتبر سببًا رئيسًا في إحالته إلى التقاعد العام الماضي. وترافقت إعفاء الفالح عن أن مستشاري رئيس الحكومة يعيدون النظر باتفاقات موقّعة في أوقات سابقة مع إيران تُعتبر مجحفة بحق العراق.
فتطورات يوم الأحد يقرأها المراقبون بالشأن العراقي أنها محاولة من حلفاء إيران لتطويع الكاظمي أو ثنيه عن القيام بخطوات تستهدف الشخصيات المحسوبة على هذا المحور. ويرى المراقبون أن هناك حربًا باردة لإفشال أية خطوة لحكومة الكاظمي بشأن ملفات أمنية وسياسية وحتى خدمية، لكنه أكد أن الكاظمي سيواصل حملات التغيير والإقالات في الأجهزة الأمنية وقوات الجيش وتحديدًا في المناصب الحساسة لمعالجة تركة الحكومات السابقة، التي سمحت للمليشيات الولائية بالتوغل في كل مفاصل الدولة العراقية، متوقعين أن تصعّد القوى السياسية والفصائل ضغطها على الحكومة من خلال تحدي الكاتيوشا واستهداف القوات الأميركية، لكن الأخطر هو مخاطر إثارة فتن طائفية من قبل وسائل إعلام وفعاليات مرتبطة بتلك القوى السياسية والفصائل المسلحة، وفق قولهم. وأضافوا أن إجراء القوات الأميركية تمرينًا بالذخيرة الحية وتعزيز أمن السفارة عبر منظومة ردع القذائف والصواريخ، يعني أن واشنطن ستتكفل بحماية مصالحها في العراق ومنها سفارتها في المنطقة الخضراء.
يمر عراق اليوم بأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية وصحية متشابكة ومعقدة، ولقد ساهمت الأحزاب السياسية والكتل النيابية في تعميقها بدلًا من إيجاد الحلول الناجعة للخروج بالعراق إلى مصاف الدولة الوطنية، فالعراق اليوم عراق الهويات المتفرعة” سُني/ شيعي/ كردي” أنتجت استقطابات حادة على حساب الهوية الوطنية العراقية الجامعة، وستعمل هذه الاستقطابات -إن لم يتم معالجتها- إلى تمزيق النسيج الوطني العراقي للوصول إلى نتائج لا يحمد عقباها كإصدار -في نهاية المطاف- شهادة وفاة الدولة العراقية كهوية جامعة لكل مكوناته.
المفارقة العجيبة ان الرئيس فلاديمير بوتين يعمل على احياء واعادة الاعتبار للدولة السوفييتية لإداركه لقيمة الوحدة الترابية للدولة السوفييتية بينما في العراق تعمل الطبقة السياسية منذ تشكلها، من حيث تدري او لا تدري على هدم الدولة العراقية…. لنعود فيما بعد لنبكي على ما تهدم!!، لكن وقتها لا ينفع الندم والبكاء.
وحدة الدراسات العراقية