في مؤتمر صحفي في يوليو/تموز 2016، دعا المرشح الرئاسي آنذاك دونالد ترامب روسيا إلى التدخل في انتخابات عام 2016، قائلا “روسيا، إذا كنت تستمعي، آمل أن تتمكني من العثور على 30 ألف رسالة إلكترونية مفقودة لهيلاري كلينتون”.
وبعد أربع سنوات كاملة عاد مجددا شبح التشكيك والتساؤل عن طبيعة علاقة ترامب الغامضة بموسكو ليطل برأسه مع نشر تقارير عن قيامها بدفع مكافآت لمقاتلي طالبان مقابل قتل جنود أميركيين في أفغانستان.
ولم يكتف الرئيس الأميركي بإنكار معرفته بتمويل روسيا قتل مواطنيه على يد عناصر من طالبان، بل تمادى برفضه اتخاذ أي إجراء انتقامي حتى الآن، مما يطرح سؤالا حول سر مواقف ترامب المتساهلة مع روسيا.
ورغم تأكيد مسؤولين استخباراتيين لصحيفة نيويورك تايمز دقة هذه المعلومات التي تتبعت ورصدت تحويلات مالية بين الطرفين، وهو ما استدعى تمرير هذه التقارير للبيت الأبيض، نفى ترامب في سلسلة تغريدات على منصة تويتر هذه التقارير.
وغرد بالقول “لم يقدم أحد إلي إفادة أو يبلغني أو يبلغ نائبي مايك بينس أو رئيس موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز بشأن ما وصفت بالهجمات على جنودنا في أفغانستان من قبل الروس كما نقلت نيويورك تايمز للأخبار الزائفة عن مصدر مجهول”.
وأضاف الرئيس “الجميع ينفي الأمر ولم نتعرض لهجمات كثيرة.. لم تكن أي جهة أكثر تشددا حيال روسيا من إدارة ترامب”.
لكن نظرة موضوعية على سجل ترامب مع روسيا تترك الباب مفتوحا لأسئلة أكثر دون إجابات مقنعة. وكانت بعض التقارير ربطت بين مواقفه السياسية ومصالحه التجارية في روسيا، رغم أنه كان قد تخلى عن كل خططه وصفقاته المزمعة في روسيا فور انتخابه رئيسا.
غرام ترامب
قبل انتخابات 2016 أعلن وكيل الحزب الديمقراطي القومي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي أنه “إذا فاز المرشح ترامب، فإن روسيا ستشرب الشمبانيا (اسم نوع من الخمر) تحسبا لتمكنها من تعزيز مواقفها بشأن سوريا وأوكرانيا”.
وبعد وصوله للحكم، فاجأ ترامب الأميركيين بالحديث عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوصفه “رجلا عظيما وشخصا رائعا” كما بادر بسحب أغلب القوات الأميركية من سوريا.
كما رفض ترامب أن يُدين روسيا أو رئيسها بسبب ما يوصف غربيا بعدوانها المستمر على أوكرانيا وضمها أراضي أوكرانية بصور غير شرعية.
كما أفسد ترامب قمة الناتو 2018 التي كان على رأس أجندتها عقاب موسكو، فقد وصل متأخرا وهاجم حلفاء واشنطن بدلا من التأكيد على ضرورة عقاب روسيا.
كذلك عبر عن رغبته في دعوة روسيا للمشاركة في قمة مجموعة الثماني المزمع عقدها بالولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول القادم، إضافة لعزمه سحب آلاف الجنود من ألمانيا، وتأكيداته المتكررة أن حلف الناتو لم تعد له قيمة، بل كرر رغبته وتهديده بالانسحاب من الحلف الذي تشكل بالأساس لمواجهة الأطماع الروسية في القارة الأوربية.
من هنا خرجت الكثير من الأصوات المنتقدة لسلوك ومواقف الرئيس، شارك فيها كل بطريقته، منهم مستشارون سابقون للأمن القومي كالجمهوري جون بولتون والديمقراطية سوزان رايس.
كتاب بولتون
فصَل جون بولتون في كتابه الذي طرح الشهر الماضي “الغرفة التي حدث فيها ذلك.. مذكرات البيت الأبيض” وأكد أنه واجه غضب الرئيس عندما تلقى تقارير استخباراتية تتعلق بروسيا، وذكر في لقاء تليفزيوني مع شبكة “إيه بي سي” الإخبارية “أعتقد أن لدي ما يكفي من الأمثلة عن روسيا تشير إلى أن الرئيس لم يكن يريد على الأرجح أن يسمع عنها”.
وأضاف أنه يتفق مع مسؤولين سابقين آخرين زعموا أن ترامب لا يريد أن يسمع معلومات سلبية عن بوتين. وطبقا لبولتون فإن “الجميع أدركوا طبيعة أنشطة روسيا، ربما باستثناء الرئيس”.
وأكد بولتون ما ذهب إليه الكثير من مصادر صحيفة نيويورك تايمز من أن “أكبر مستشاري ترامب كانوا يحاولون فقط إبلاغ الرئيس عن خروقات روسيا كي يتم التعرف على رد فعله ليتسنى إقرار رد فعل مناسب للتعامل مع تهديدات روسيا، ولكن في العادة كان الرئيس يتذمر ويشتكي طوال الوقت”.
مقال رايس
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لسوزان رايس هاجمت فيه ترامب، وكتبت تقول “بدلا من موقف أميركي صارم، فقد رفض الرئيس ترامب المعلومات على أساس أنها ليست معقولة وربما خدعة أخرى حول روسيا من الأخبار الكاذبة، بهدف تصوير الجمهوريين بصورة سيئة”.
كما قالت رايس “لو وضعنا جانبا سذاجة هذا الادعاء، فلماذا عندما علم الرئيس بهذه المعلومات الخطيرة لم يشجب علنا أي جهود روسية لقتل جنود أميركيين، ويبحث عن خيارات لرد أميركي بنفس الأهمية؟”.
وأضافت “هناك نمط مستمر يؤكد نزعة ترامب الغريبة لخدمة المصالح الروسية على حساب الأميركية. تذكروا أنه خلال حملة انتخابات عام 2016 حث ترامب روسيا علنا على قرصنة رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية وأشاد بويكيليكس لنشرها وثائق مسروقة”.
وتوصلت رايس إلى خلاصة مفادها أنه “أخيرا علمنا أن جهود الروس لقتل جنود أميركيين بدم بارد لا تقلق هذا الرئيس. فترامب لا يعير اهتماما للمعلومات ويتجنب تحمل المسؤولية ويفشل في القيام بفعل، ويتجنب حتى تسجيل احتجاج دبلوماسي. والآن يعلم بوتين أن بإمكانه قتل الجنود الأميركيين دون أن يحاسبه أحد”.
استطلاع فوكس نيوز
خاض ترامب معركة إنكار طويلة ضد الكونغرس والقضاء حول التدخل الروسي بانتخابات 2016 لصالحه. ورغم تأكيد الأجهزة الاستخباراتية وقوع هذا التدخل ظل الرئيس يرفض هذه الخلاصة.
ولم يكن بالمستغرب أن يعرب 50% من الأميركيين عن اعتقادهم أن حملة ترامب نسقت مع روسيا بخصوص الانتخابات الرئاسية الأخيرة طبقا لاستطلاع رأي لشبكة فوكس الإخبارية المعروفة بقربها من الحزب الجمهوري، وشارك فيه أكثر من ألف مواطن خلال يونيو/حزيران من العام الماضي.