المساعدات الإنسانية لسوريا في مهب الأجندات السياسية المتضادة

المساعدات الإنسانية لسوريا في مهب الأجندات السياسية المتضادة

السوريون، وفي جزء كبير منهم، باتوا مهددين بفقدان موردهم الرئيسي في العيش ألا وهو المساعدات الإنسانية في ظل خلافات لا تخلو من دوافع سياسية بين القوى الكبرى في مجلس الأمن على آلية إيصال تلك المساعدات.

دمشق – يتهدد الجوع أكثر من 80 في المئة من الشعب السوري، فيما الدول الكبرى منهمكة في مبارزات سياسية آخر فصولها ما يجري هذه الأيام في أروقة مجلس الأمن الدولي، من مشاريع إنسانية متضادة تطرح فتجهض.

وقدمت ألمانيا وبلجيكا مسودة قرار جديد لمجلس الأمن الدولي ينص على إبقاء المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الأمم المتّحدة لسوريا عبر الحدود بلا تغيير تقريبا بعد إخفاق روسيا في تمرير مشروع مضاد لخفضها.

وسبق وأن طرح البلدان الأوروبيان الثلاثاء مشروع قرار يقضي بتمديد آليّة إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا لمدّة عام واحد عبر نقطتي الدخول الحدوديتين في باب السلام المؤدية إلى منطقة حلب، وباب الهوى التي تسمح بالوصول إلى منطقة إدلب.

وقوبل النص الألماني البلجيكي الأول بفيتو من قبل روسيا والصين، تلاه تقديم موسكو اقتراحا مضادا ينصّ على إلغاء معبر باب السلام والإبقاء على معبر باب الهوى فقط ولمدّة ستّة أشهر فحسب.

ولم تصوت سوى ثلاث دول هي الصين وجنوب أفريقيا لمصلحة النص، إلى جانب روسيا. فيما صوّتت ضده سبع من الدول الأعضاء في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وإستونيا وجمهورية الدومينيكان، بينما امتنعت عن التصويت تونس والنيجر وإندونيسيا وسانت فنسنت – غرينادين. واستبعد النص الروسي لأنه لم يحصل على تأييد تسع دول، وهو الشرط اللازم لإقراره.

ويتوقع أن يجري تصويت جديد على المحاولة الأوروبية الجديدة التي يمكن أن تعرقلها موسكو مجددا الجمعة يوم انتهاء تفويض الأمم المتحدة في هذه المهمة. واعتبرت المنظمة غير الحكومية أوكسفام في بيان أن “عدم التوصل إلى اتفاق حول تجديد المساعدة عبر الحدود يشكل ضربة مدمرة للملايين من العائلات السورية التي تعتمد عليها للحصول على مياه الشرب والغذاء والخدمات الصحية والسكن”، محملة مسؤولية ذلك ضمنا لروسيا وألمانيا وبلجيكا.

ويقول دبلوماسيون إن ما يحدث “شيء مؤسف” لاسيما وأن الوضع الإنساني في سوريا يتجه نحو الأسوأ في ضوء قانون قيصر الأميركي الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو الماضي، والذي بدأت مفاعيله السلبية في الظهور حتى قبل تطبيقه بأشهر، وهو ما ترجمه الانهيار غير المسبوق لقيمة الليرة السورية مقابل الدولار، ما انعكس ارتفاعا مخيفا في الأسعار لاسيما المواد الغذائية.

ويشير الدبلوماسيون إلى أن تعنت الموقف الروسي في مجلس الأمن حيال آلية وصول المساعدات من شأنه أن يعمق المأساة السورية، مشددين على أن الحسابات السياسية لواشنطن وموسكو تطغى على أي اعتبارات إنسانية في التعاطي مع الملف السوري.

وذكر دبلوماسيون أن ألمانيا وبلجيكا ستتقدّمان بمشروع قرار جديد يتضمّن تنازلا واحدا هو خفض مدّة التمديد إلى ستّة أشهر مع الإبقاء على المعبرين. لكن لا شيء يدل على أن روسيا وهي في موقع قوة في هذه القضية كما كان الأمر منذ ستة أشهر، ستقبل به.

وقال دبلوماسي طلب عدم الكشف عن اسمه، “مرة جديدة نحن في اختبار قوة”، معبرا عن أسفه لأنه “لم تجر معالجة تفاوضية أكبر” للقضية.

وكانت روسيا فرضت إرادتها على الأمم المتحدة في يناير بعدما استخدمت الفيتو في نهاية ديسمبر، بانتزاعها من ألمانيا وبلجيكا خفضا كبيرا في آلية المساعدات عبر الحدود التي باتت تنص على نقطتي عبور بدلا من أربع نقاط، ولستة أشهر بينما كانت تمدد سنويا.

وهذه الإجراءات المحددة للأمم المتحدة فقط، تطبق منذ العام 2014 وتسمح بتجاوز الحصول على أي موافقة من دمشق لنقل المساعدة الإنسانية إلى السوريين في مناطق لا يسيطر عليها النظام.

وترى روسيا التي تعتبر أن تفويض الأمم المتحدة ينتهك السيادة السورية، أن السلطات السورية استعادت ما يكفي من الأراضي لخفض جديد في الآلية.

وتقول موسكو إن المساعدة يمكن أن تمر عبر دمشق وهي حجة يرفضها الغربيون الذين يرون أن آلية نقل المساعدة عبر الحدود لا بديل لها، وأن البيروقراطية والسياسة السوريتين تحولان دون إيصال المساعدات بفعالية.

وكانت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتّحدة كيلي كرافت صرحت في مقابلة مع وكالة فرانس برس الأربعاء بأن المشروع الروسي “مجرّد محاولة أخرى لتسييس المساعدات الإنسانيّة”، مشيرة إلى أنّ الإبقاء على نقطة دخول واحدة فقط إلى سوريا، هي باب الهوى، سيقطع كلّ المساعدات الإنسانيّة عن 1.3 مليون شخص يعيشون في شمال حلب.

وشدّدت كرافت على أنّ الاختيار بين الموقف الغربي وموقف روسيا والصين هو خيار “بين الخير والشرّ، بين ما هو صواب وما هو سيء”، لافتة إلى أنّ ألمانيا وبلجيكا تعدّان نصّا جديدا لتجديد تفويض دخول المساعدات عبر الحدود قبل انتهاء صلاحيّته الجمعة.

وقالت كرافت “نعلم أنّ الشيء الصحيح الذي يجب فعله هو أن يبقى المعبران (الشماليّان) في شمال غرب (سوريا) مفتوحين، من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من السوريين الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانيّة”. وردّا على سؤال حول ما إذا كان هذا الأمر يشكّل “خطا أحمر”، أجابت “نعم، بالتأكيد”.

العرب