بعد دعوة التدخل في ليبيا…رسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي

بعد دعوة التدخل في ليبيا…رسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي

دعا مجلس نواب طبرق شرق ليبيا، المؤيد للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، مساء أمس الإثنين، الجيش المصري إلى التدخّل “لحماية الأمن القومي” للبلدين، مشدّداً على أهمية تضافر جهودهما من أجل “دحر المُحتلّ الغازي” التركي.

وقال البرلمان في بيان إنّ “للقوات المسلّحة المصرية التدخّل لحماية الأمن القومي الليبي والمصري إذا رأت أنّ هناك خطراً داهماً وشيكاً يطاول أمن بلدينا”.

وإذ حذّر البيان من “المخاطر الناجمة عن الاحتلال التركي” لليبيا، دعا إلى “تضافر الجهود بين الشقيقتين ليبيا ومصر بما يضمن دحر المُحتلّ الغازي ويحفظ أمننا القومي المشترك ويُحقّق الأمن والاستقرار في بلادنا والمنطقة”.

والخميس، بدأت القوات المسلحة المصرية مناورات عسكرية شاملة بالمنطقة الغربية المتاخمة للحدود مع ليبيا، وذلك رداً على تهديدات من جانب حكومة “الوفاق” الليبية وتركيا بالحشد لتحرير مدينة سرت الاستراتيجية، والجفرة.

وبحسب التقارير الإعلامية، فإنّ “مشروع الحرب” الذي بدأه الجيش المصري، في ساعة مبكرة من صباح الخميس، يأتي رداً على إعلان تركيا إجراء مناورات بحرية ضخمة قبالة السواحل الليبية.والسؤال هل تحارب مصر تركيا في ليبيا؟

وفي سياق الإجابة عن السؤال، أن التدخل العسكري التركي هو دعم حكومة الوفاق في طرابلس، لكنه في الواقع جزء من رغبة تركيا في لعب دور أكبر في استكشاف الطاقة في البحر المتوسط وإضعاف قوى المعارضة الليبية المدعومة من مصر”.

وإن مصر “تمتلك جيشا ضخما، لكنه أيضا لم يتم اختباره في الغالب في ساحات القتال الأجنبية”، مضيفة أن مصر “تقاتل الإرهابيين في سيناء منذ سنوات ولم تهزمهم”.

أما من حيث المقارنة بين الجيشين التركي والمصري، إن تركيا ترسل جيشها إلى سوريا منذ سنوات لمحاربة حزب العمال الكردستاني. لكن في فبراير/شباط الماضي اشتبكت القوات التركية مع النظام السوري ودمرت مركباتهم المدرعة والدفاع الجوي. وغزت حديثا شمالي العراق أيضا في عملية جديدة. كما كانت البحرية التركية أكثر تعاملا مع البحرية الفرنسية في البحر المتوسط التي يُزعم أنها تدعم الجنرال خليفة حفتر، كذلك البحرية اليونانية التي تعمل مع مصر”.

وفي إطار المقارنة مع الجيش المصري بهذا الشأن، متى كانت آخر مرة واجهت فيها مصر قوة جوية حقيقية أخرى؟ “ليس قبل عقود من الزمن”، وعلى مستوى تسليح الجيشين المصري والتركي “يتطابقان بشكل جيد. فكلاهما يمتلك طائرات إف-16 ومئات الطائرات المقاتلة”.

على الورق يحتل الجيش المصري المرتبة التاسعة في ترتيب أقوى جيوش العالم بما لديه من آلاف الدبابات، ويُعتقد أن القوات المسلحة التركية تحتل المرتبة الـ11 في قائمة أقوى جيوش العالم، ويستخدم جيش البلدين أنظمة الأسلحة الغربية المرتبطة بالولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومن المرجح أن يجعل عمل تركيا مع الناتو أكثر فعالية من مصر.

وجه شبه آخر يرى في مهام الجيشين، “فكلا البلدين متورط في حملات مكافحة التمرد”، مضيفا أن مصر قريبة من ليبيا ويمكنها بسهولة نقل لواء أو قوات مدرعة إلى خط المواجهة، لكنه يخلص إلى أنه “من المرجح أنها تفضل استخدام المرتزقة المتمردين السوريين للقيام بعملها”.

وفي تقييم لحسابات الأطراف المعنية بالوضع في ليبيا، أن “هناك عجلات أخرى تتحرك، فقد طلبت روسيا أن تعمل الولايات المتحدة معها بشأن ليبيا. وألغى وزير الخارجية الروسي اجتماعا مع نظيره التركي كان مقررا يوم 16 يونيو/حزيران الجاري شعورا منه على ما يبدو بأن تركيا لن تتزحزح عن ليبيا، وأن اللقاء سيكون مضيعة للوقت، فاتجهت تركيا مباشرة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على أمل أن تتواصل ميركل مع فرنسا واليونان”.

 وأن ميركل “هي الداعم الرئيسي لنظام أنقرة، وتبيع الدبابات إلى تركيا وتسعى أيضا لاستضافة محادثات ليبيا. وتدفع ألمانيا تركيا عبر الاتحاد الأوروبي لمنع اللاجئين السوريين من القدوم إلى أوروبا، ويتم إرسال هؤلاء السوريين الآن إلى ليبيا من قبل تركيا، وهذا يعمل لصالح ألمانيا. وقد تحاول روسيا من جانبها تصعيد التوتر في إدلب السورية للضغط على تركيا في ليبيا”.

ويعيد المتابعون للشأن الإقليمي السؤال الذي سبق أن طرحه ولكن بصيغة أخرى تنطوي على مقارنة بين أهمية مصر وتركيا بالنسبة لأميركا حاليا، إن السؤال الكبير الآن هو “هل سيرسل السيسي الجيش إلى ليبيا؟ أم تستمع الولايات المتحدة إلى مخاوف مصر وتشجع على وقف إطلاق النار؟ واعتبر أن الولايات المتحدة “تواجه صعوبة في عدم اتباع أوامر أنقرة لأن هذه الأخيرة يمكن أن تهدد القوات الأميركية في شرق سوريا”.

إن هناك لوبيا في واشنطن “يعتقد أن أنقرة ستتجه صوب إيران وروسيا ذات يوم، وأن على الولايات المتحدة منحها المزيد من التنازلات لجعلها تتوقف عن العمل مع موسكو وطهران، وهكذا قد تجد الولايات المتحدة وإيران نفسيهما في الجانب نفسه في ليبيا عبر تركيا. وكل هذا يتوقف على القاهرة الآن. فإذا كانت لمصر قوة عسكرية في ليبيا، فيمكنها أن تفعل ما قامت به تركيا بنجاح والاستفادة منه للحصول على تنازلات”.

في الوقت الحالي، على مصر أن تشاهد وتتأمل الخطوة التالية. في حين يتطلع الجميع أيضا إلى واشنطن للقيام بأكثر من مجرد التلميح إلى أنها تدعم اقتراح مصر لوقف إطلاق النار ونهج أنقرة. فما سيحدث بعد ذلك سيؤثر أيضا على حلفاء واشنطن الآخرين في إسرائيل والسعودية والإمارات”.

وفي هذا السياق لدى مصر مخاوفها من التدخل العسكري في ليبيا، أن القاهرة على يقين من أن جيشها غير مستعد للدخول في حرب عصابات؛ فإذا كانت حربها على الإرهابيين في سيناء استغرقت كل هذا الوقت، فكم يمكن أن تستغرق مواجهة هؤلاء في ليبيا، وخاصة أن هناك حدودا برية وبحرية مفتوحة، وتمركزا كبيرا لتنظيمات متطرفة؟

وأن هناك شعورا راسخا لدى دوائر رسمية بالتآمر لجر مصر إلى مستنقع ليبيا، وقد يكون الدخول ممهدا، غير أن الخروج غير مضمون، ما يجر البلاد إلى حرب استنزاف تضيع معها الجهود التي بذلت لبناء دولة حديثة، وتُعِيد التنظيمات المتشددة إلى الحياة مرة أخرى.

يضاف إلى ذلك أن ليبيا منطقة نفوذ لقوى دولية تقليدية لن تسمح بأن يؤدي أي تدخل مصري إلى انتصار رؤية القاهرة السياسية التي تميل إلى دعم الجيوش النظامية ودحر القوى الإسلامية في شمال أفريقيا، ما يعني أن تدخلها مرجح أن تعقبه تحرشات واسعة، ربما تخلق لها موقفا يصعب علاجه مع دول الجوار، كما أن الطيران المصري لن يكون حاسما بمفرده، ما يتطلب الدفع بوحدات كبيرة من المشاة. ومن هنا تأتي الخطورة، حيث يسقط الكثير من الضحايا.

وتدرك القاهرة أن ليبيا لها خصوصية في حسابات بعض القوى، التي من مصلحتها صد الطموحات التركية عند حد معين. وإذا كانوا قد سمحوا بالتوغل التركي وصمتوا على ذلك فعليهم مواجهةُ طموحات أردوغان الذي يهدد مصالحهم الاقتصادية، وتحمّلُ تكاليف رؤاهم القاصرة وحدهم.

وترى دوائر عسكرية في مصر أن الوجود التركي في ليبيا هو تهديد للنظام الحاكم في مصر، بينما يتعلق التهديد المتوقع من إثيوبيا، بسبب بناء سد النهضة، بمصير الدولة المصرية، وهو أولى بالاستعداد للتعامل معه، وأي تدخل عسكري في ليبيا حاليا سيفتح الطريق لإثيوبيا لتنفيذ مشروعها دون اكتراث، وتشجيع دول حوض النيل على تكرار تجربتها.

ونحن في مركز الروابط للبحوث والدرسات الإسترتيجية نراهن على حكمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في اتخاذ القرار السليم في تجنيب مصر وقواتها العسكرية الباسلة الوقوع في الفخ الليبي، حرصًا على الجيش المصري العظيم، بعد خسارة الأمة العربية الجيش العراقي وتقهقر الجيش السوري وتفكك الجيش اليمني والليبي. فالأمة العربية لا تتحمل خسائر عسكرية جديدة خسارة الجيش المصري الذي يعد الظهير العيسكري لأمته.

فالمغامرات العسكرية العربية كالتدخل العسكري المصري في اليمن، والإحتلال العراقي للكويت، والتدخل العسكري السعودي في اليمن، كان انعكاساتها السلبية بالغة على العلاقات العربية العربية، وزادت من حالة الوهن العربي.

ما نرجوه أن لا تكون المعادلة الصفرية”رابح خاسر” هي الحكم بين مصر وتركيا في ليبيا. مكاسب القاهرة خسائر لأنقرة، والعكس صحيح. في الختام حمى الله مصر شعبًا وقيادة من كل سوء

وحدة الدراسات العربية