أعلنت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية «إرنا» أن حريقا اندلع في ميناء بوشهر جنوبي إيران أمس طال «ما لا يقل عن ثلاث سفن»، (وكالة «تسنيم» تحدثت عن سبع سفن)، ويأتي الحادث، في المحافظة التي تحتوي محطة الطاقة النووية الإيرانية الوحيدة، بعد سلسلة من الانفجارات الغامضة التي شهدتها إيران في الأسابيع الأخيرة، كان أخطرها في منشأة نطنز للتخصيب النووي، وآخر في منشأة بارشين المركزيّة في برنامج إيران الصاروخي.
نشرت صحف عالميّة وعربية وإسرائيلية، منذ بدء هذه الحوادث، تقارير عديدة تشير إلى ارتباط التفجيرات الغامضة بالصراع الكبير الناشب بين إيران من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، من جهة أخرى، وهو صراع أظهرت فيه طهران قدرة كبيرة على المناورة وإمكانيات التهديد الكبيرة، بحيث بدا أنها قلبت موازين القوى في الشرق الأوسط لصالحها، وهو ما قوبل بعمل استراتيجي معاكس لضرب وتقليص النفوذ الإيراني العسكريّ والسياسي في المنطقة، تدخل فيه الضربات الجويّة الإسرائيلية في سوريا، كما تمثّل عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بداية السنة الحالية ذروة أمريكية كبرى فيها.
لم تؤكد إيران، حتى الآن، الطبيعة الأمنية التخريبية للحرائق والحوادث التي تعرضت لها منشآتها، ولم تقم باتهام مباشرة لأمريكا وإسرائيل، وهو ما يمكن تفسيره بعدم إلزام نفسها بردّ عاجل، كما فعلت بعد مقتل سليماني، أو بأنها قرّرت، بسبب الظروف الصعبة الراهنة، أن تتصرّف بالأوراق الأخرى الكثيرة التي تمتلكها في بلدان عديدة من المنطقة، كما فعلت مؤخرا في سوريا بإعلان عقدها اتفاقية عسكرية جديدة مع النظام السوري، وبتعهدها بدعم نظامه الدفاعي الجوّي، أو باستمرار سيطرة «حزب الله»، ممثلها في لبنان، على مقادير الحكومة الحاليّة لحسان دياب، وبدورها المستمر في اليمن.
تتمثل إحدى نقاط القوة الكبرى لإيران في سيطرتها السياسية والعسكرية الهائلة على العراق، وهو ما يجعله أحد الساحات المفضّلة لها في مناوشة الأمريكيين، وإظهار نفوذها الكبير على الحكومة والبرلمان والأحزاب والميليشيات هناك، وكانت عملية اعتقال عناصر من «كتائب حزب الله» ثم إقدام حكومة مصطفى الكاظمي على إطلاقهم، أحد أشكال استعراض القوة الإيرانية.
أحد أشكال إظهار القوّة أيضاً هي عمليات الاغتيال التي تجري جهارا نهارا بأيدي حلفاء إيران، ليس لأشخاص يشكلون خطرا على النظام والدولة، بل على الكتاب والناشطين السلميين والمتظاهرين، كما جرى مؤخرا باغتيال هشام الهاشمي، الذي تجرأ وكتب عن «الفصائل الولائية»، كما كان يسميها، وقبلها اغتيال الروائي علاء مشذوب، وكثيرين جدا من الناشطين.
على عكس العمليات الأمنية الشديدة التعقيد، التي جرت ضد المملكة العربية السعودية، وفي مياه الخليج، فإن عمليات الاغتيال، وقبلها تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين التي تعتبر الحراك الشعبي العراقي «مؤامرة إسرائيلية»، تدل حقيقة على ضعف وإرباك سياسي وليس على قوة، كما أنها تدلّ على أن طهران لا تريد الرد (حاليّا على الأقل) على إسرائيل أو أمريكا، ولذلك فهي تعتمد الميليشيات التي تحرّكها من بعيد، وتتابع دعم نظام بشار الأسد الذي انتقل مؤخرا إلى طور تاجر المخدرات العالمي، وتساهم في الاستعصاء السياسي ـ الاقتصادي اللبناني الذي يضع البلاد على شفا كارثة كبرى.
القدس العربي