تنخرط جماعات إسلامية تنشط في الجزائر وخارجها في حملة يقودها الإسلاميون من أجل تبييض جرائم هؤلاء بالجزائر خاصة في ما يتعلق بفترة العشرية السوداء التي عرفتها البلاد في تسعينات القرن الماضي وعاشت فيها أحداثا دموية بسبب المواجهات بين الجيش والمجموعات الإسلامية المسلحة، ومن بين هؤلاء حركة “رشاد” الأصولية والتي تعمل من لندن والتي حاولت إلى جانب ذلك اختراق الحراك الشعبي في الجزائر وجذب الغاضبين من السلطة لتبني أيديولوجيتهم ثم تحقيق مشروعها لكن هذه المساعي اصطدمت بشباب مدركين للوجه الحقيقي لهذه الحركة والنوايا الخبيثة التي تخفيها والتي تحرك بمحاولاتها لإعادة البلاد إلى فترة سوداء أغرقت البلاد في عنف وفوضى الإسلاميين.
يستميت الإسلاميون الجزائريون، على مختلف مشاربهم، في تغطية الشمس بالغربال مرددين أن مصدر العنف في الجزائر ليس جبهة الإنقاذ الإسلامية وتوابعها، ويحاولون رمي المسؤولية كلها على الجيش الجزائري في كارثة العشرية الحمراء.
من مقولة “نرفض العنف من أين أتى” التي تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، إلى مقولة “من يقتل من؟” الزارعة للشك، عملت جماعات في الداخل والخارج، جزائرية وأجنبية، على محاولة التستر على الإرهاب الإسلاموي وإظهار الإنقاذيين (نسبة إلى جبهة الإنقاذ الإسلامية) ومن شابههم على أنهم ضحايا النظام الجزائري.
من بين الناشطين في حملة تبييض وجه الإسلاميين وأسلمة ثورة الابتسامة “حركة رشاد”، هذه الحركة التي تحاول تزعّم الحراك من لندن، عن طريق الصوت والصورة على يوتيوب وكل مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.
من الغريب حقا أن تتساءل يومية “الوطن” الجزائرية، التي واكبت ظهور جبهة الإنقاذ الإسلامية وخبرت إرهابها، عمّا إذا كانت “رشاد” حركة سياسية تريد احترام الديمقراطية أم أنها شيطان في ثوب ملاك؟
ولئن حاول أصوليو “رشاد” الظهور بمظهر لائق غير منفّر، من أجل اختراق الحراك وجذب المناوئين الشباب للنظام خدمة لأيديولوجيتهم المتخلفة، فإنهم لا يستطيعون إخفاء هويتهم الأصولية الحقيقية، فمحمد العربي زيطوط ومراد دهينة كانا منتميين إلى جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة، ذلك الحزب الذي زرع الدمار في الجزائر إبان تسعينات القرن الماضي. وما حركة رشاد سوى امتداد لهذا الحزب الإرهابي بطرق أخرى أكثر مكرا.
ويعمل أعضاؤها مع قناة “أوراس” (المغاربية سابقا) ليل نهار من أجل تبرئة الحزب المحظور وإعادته إلى الساحة السياسية تحت أسماء أخرى، محملين مسؤولية العنف إلى الجيش وقوات الأمن الجزائرية والديمقراطيين الذين ينعتونهم بالاستئصاليين، حتى أصبحت الكلمة معرّة في أذهان الكثير من الناس.
لقد حاول المناصرون القلائل لهذه الحركة المتمركزة في لندن أن يؤثروا على مسار الحراك في الجزائر، بإدخال شعارات وهتافات إسلاموية، سرعان ما انتبه إليها الحراكيون ومنعوا رفعها والهتاف بها في المظاهرات، خاصة في مسيرات الطلبة الثلاثاء.
ونجد على موقع الحركة شعارات كثيرة موجهة إلى المتظاهرين، كما أن محمد زيطوط يؤلف كل خميس واثنين شعارات وهتافات، ترفع وتردّد في مسيرات الثلاثاء والجمعة.
يكره زيطوط وأنصاره شعار “جزائر حرة ديمقراطية” الذي اكتسح المسيرات والمظاهرات باعتباره شعار الديمقراطيين الحداثيين واليسار والحركة النسوية في الجزائر، وعمل “الرشاديون” كل ما في وسعهم من أجل عدم تبنّيه كشعار لثورة الابتسامة، ونشبت أحيانا ملاسنات بين “كمشة” من عناصر رشاد المندسة في الحراك وبين جموع المتظاهرين.
وما ساهم في تضخم الذات لدى محمد العربي زيطوط، وتوهمه بأنه هو محرك الانتفاضة الشعبية في الجزائر، عدد زوار صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وقناته على موقع يوتيوب، الذي وصل إلى حوالي 20 ألف. وبديهي أن هؤلاء الفضوليين ليسوا كلهم من أنصاره وإنما هم يبحثون عمن يشتم النظام بتلك الطريقة الصدامية غير المعهودة، ويدعي أنه يملك معلومات تأتيه مباشرة من معارضين من داخل النظام. ولكن ما يقوله يعتبر بالنسبة إلى معظمهم مجرد تنفيس في زمن يحاصر فيه النظام كل الحريات ويخنق فيه الرأي المخالف المعارض في كل القنوات.
يراوغ زعماء رشاد كيلا يظهر وجههم الإسلاموي ويفتضح حلمهم بإقامة “دولة إسلامية” فيتحدثون عن “دولة مدنية”
عمليا، لا تأثير لمحمد العربي زيطوط في الواقع، وهو ما لمسناه في يومي الجمعة 19 يونيو و3 يوليو، عندما دعا الجزائريين إلى الخروج في مظاهرات ولم يلتفت إلى ندائه إلا أنصاره القلائل في منطقة القبائل.
ودعا زيطوط الجزائريين قبل ذلك أيضا إلى فتح المساجد المغلقة بسبب كورونا بالقوة، وهي دعوة صريحة ومباشرة إلى استعمال العنف وتحدي القانون باسم أداء الشعائر الدينية. ومن ورائها دعوة إلى الانتقال من “سلمية سلمية” شعار ثورة الابتسامة إلى “حربية حربية” شعار أنصار الجهاد.
وبدأ زيطوط وأصحابه يفقدون الأمل في تحوّل الحراك إلى العنف من تلقاء نفسه، كما كانوا يأملون تحت ستار التقية. واليوم وبعد نفاد صبرهم ها هم يميطون لثام التقية عن وجوههم، ويدعون الجزائريين إلى استعمال العنف في فتح المساجد، رغم الحجر الصحي، وهم يدركون أن ذلك هو بداية لحرب أهلية قد تأكل الأخضر واليابس. ومن يدري ربما هم يعبّدون الطريق لتدخل تركيا وقطر، الراعي الأيديولوجي والعراب المالي.
يراوغ زعماء رشاد ويعبثون بالكلمات كيلا يظهر وجههم الإسلاموي، ويظهر معه حلمهم بإقامة ما يسمى “دولة إسلامية”، فيتحدثون عن إقامة “دولة مدنية”، هذا التعبير الفضفاض الذي لا يعني شيئا، ويدل على أن الدولة لا تكون عسكرية ولكنها قد تكون إسلامية، ولذلك لا يستعملون مصلح “دولة علمانية” ولا حتى “دولة حديثة”.
في تعريفهم للحركة على موقعها الإلكتروني، وجوابا على السؤال المعتاد على المواقع “من نحن؟” نقرأ أن رشاد تهدف إلى إقامة “دولة الحق والعدل والقانون، دولة تسودها المبادئ الديمقراطية والحكم الراشد”، ولا نعرف من أين يستمد هذا الحق وهذا العدل وهذا القانون، ولا نعرف معنى “دولة تسودها المبادئ الديمقراطية”.
هي تعاريف ملغمة تخفي عمدا هوية رشاد الأصولية، وإلا لماذا لا تقول مباشرة إنها تهدف إلى إقامة دولة حديثة ديمقراطية في الجزائر، يكون الدين فيها مسألة شخصية لا علاقة له بالتشريع ولا بالسياسة؟
وكأنهم انتبهوا إلى كلمة مدنية التضليلية التي تستعملها رشاد، رد الجزائريون العائدون إلى المظاهرات يوم الأحد 5 يوليو في باريس ردا قويا على رشاد “دولة مدنية لا عسكرية ولا إسلامية”.
“لو لم أكن أعرفك يا خروب بلادي لكنت قلت إنك موز”، هذا المثل الشعبي ينطبق تماما على هؤلاء. نحن نعرف أنهم من عشاق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن زوار تركيا الدائمين، ولا يتركون فرصة تمرّ دون الثناء على أردوغان وسياساته. وفي الحقيقة هم يريدون في الجزائر تحقيق ما عجز مثلهم الأعلى أردوغان على تحقيقه في تركيا نظرا للإرث العلماني الواقف في وجهه بقوة. علاوة على مناصرتهم للرئيس المصري السابق محمد مرسي أثناء حكمه، وبكائهم عليه إثر الإطاحة به من طرف أغلبية الشعب المصري.
كما لا ينسى الشعب الجزائري عدم إدانة كل من محمد العربي زيطوط ولا مراد دهينة الجرائم البشعة التي كان يرتكبها الجيش الإسلامي للإنقاذ وحركته الإسلامية المسلحة.
كل هذا يجعلنا ندرك مسبقا أن الديمقراطية التي تبشر بها هذه الحركة سيحدث لها ما حدث لمراكب طارق بن زياد حينما وصلت إلى شواطئ إسبانيا؛ إنها ستحرق لا محالة.
العرب