ينبغي ألا ننظر إلى قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحويل المعلم التاريخي “آيا صوفيا” من متحف، يرتاده الناس من كل أنحاء العالم، إلى مسجد، وتحديد الجمعة القادم، 24 يوليو، موعدا لإقامة أول صلاة رسمية بعد مرور قرابة قرن من تحويله إلى متحف،على أنه أمر عادي.
المسألة ليست نزاعا على مبنى تاريخي؛ هل هو كنيسة أم جامع، خاصة أننا نعرف أن الكنائس في الغرب يتم بيعها بعد أن تراجعت مكانتها لدى الناس. في الواقع الأمر يتخطى هذا التفكير بمراحل، ويمكن استنتاج هذا من خلال ما يقوم به أردوغان، على مستوى العلاقات الدولية؛ يمارس البراغماتية السياسية بطريقة حيرت أغلب المراقبين، ليتبادر إلى أذهاننا اعتباران اثنان سياسيان، يفسران القرار.
ليس هناك أي تبرير أو حكمة تقف وراء قرار أردوغان، فمن حيث الزمن لا يزال المسلمون يواجهون تحديات ثقافية مع الحضارات الأخرى، بسبب تنظيمات محسوبة على الدين الإسلامي، وهو براء من تصرفاتهم، وبراء مما ينسب إليه من رفض الآخر وعدم قبول العيش المشترك. أما داخليا فقد يؤدي القرار إلى تقسيم المجتمع التركي نفسه، بعدما تم الاستقرار على أن تكون آيا صوفيا معلما للجميع، محاطا بأماكن بديلة لإقامة الشعائر الدينية.
إن أردوغان الذي يدرك مدى تدني شعبيته السياسية، نتيجة لمغامراته الخارجية، يحاول كسب الرأي العام في معركته الانتخابية القادمة، مستغلا، كعادته، العاطفة الدينية الإسلامية، التي أجاد استخدامها في أكثر من مرة، وحقق بواسطتها مكاسب داخلية وخارجية، وسبق أن وظف القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية المسلمين الأولى، خدمة لأهدافه السياسية، ونجح في استغلال مأساة الشعب الفلسطيني ليوسع دائرة مؤيديه، عربيا وإسلاميا، بينما على أرض الواقع لم يقدم لهم شيئا يذكر.
لم تعد خطط أردوغان السياسية وطموحاته التوسعية خافية على القلقين على استقرار وأمن العالم، ومن المهم أن يقف المجتمع الدولي بصلابة وجدية لمواجهته
أما الاعتبار الثاني الذي يقف وراء قراره، وهو على المستوى الخارجي، فهو محاولة إيجاد شرعية سياسية تدعم توجهه نحو الشرق، بعدما تأكد له أن الدول الغربية لا ترحب بتركيا لتكون عضوا من أعضاء الاتحاد الأوروبي، وبالتالي إذا كان محمد الفاتح بدأ تاريخه بأذان تمهيدا لتحويل الكنيسة “آيا صوفيا” إلى جامع، معلنا بداية الدولة العثمانية، التي تحولت إلى إمبراطورية، فإن قرار أردوغان الحالي لا يخلو من استمالة تيارات الإسلام السياسي، وبعض التنظيمات الإرهابية، التي ستشعر بحالة من النشوة السياسية، وبالتالي يحقق لنفسه ولتركيا شرعية دينية تسمح له بالحديث عن أحلامه “بواقعية” في استعادة “إرث أجداده” حتى وإن كانت مجرد وهم.
أصبح واضحا الآن، أن أردوغان، نتيجة غطرسته السياسية، عجز عن إدراك أننا في زمن الحقائق الواقعية، ولسنا في زمن الأوهام، وما يؤمن به خياله وخيال من يدعمه من تيارات وسياسيين في العالم، وأن ما يفعله قد يؤدي إلى كوارث تتعدى الدولة التركية، وربما تعدت الإقليم بأكمله، فهو يفتح على نفسه جبهات سياسية مع العرب ومع الدول الأوروبية، وجبهات دينية بين المسيحيين والمسلمين.
في أكثر من موقف تجاوز أردوغان الحكمة السياسية، التي يفترض أن يتحلى بها قائد لدولة بحجم تركيا، خاصة بعد أن تسببت الإمبراطورية التي أسسها أجداده بكوارث إنسانية في دول البلقان، ويبدو أنه يريد أن يعيد سيناريو الكوارث مرة أخرى.
إن أردوغان يقود العالم إلى معاناة جديدة، فلم تعد خططه السياسية وطموحاته التوسعية خافية على القلقين على استقرار وأمن العالم، ومن المهم أن يقف المجتمع الدولي بصلابة وجدية لمواجهته، بعد أن ثبت أنه لا يفهم اللغة الدبلوماسية، ولا يرغب في الحوار مع جيرانه.
العرب