تفرض الضائقة المالية على سلطنة عُمان الإسراع في اتخاذ قرار واضح بشأن ما إذا كان الوقت قد حان من أجل اللجوء إلى جيرانها الخليجيين لتلقي مساعدة مالية عاجلة أم إلى صندوق النقد الدولي، خاصة مع تضاؤل هامش تحرك السلطات لتدارك الموقف دون مخاطر في ظل الظروف الراهنة.
مسقط – طرحت مسألة لجوء سلطنة عُمان إلى جيرانها في منطقة الخليج العربي نفسها بقوة مع اشتداد أزمتها الاقتصادية على الرغم من أن بعض المحللين يرون أنها قد تختار الاقتراض من صندوق النقد الدولي في حال لم تفكر في ذلك.
وتأتي إثارة هذا الموضوع بعد أن تزايدت الترجيحات من أن البلد الخليجي، الذي يعدّ من بين أضعف اقتصادات المنطقة الغنية بالنفط، سيتوجه إلى سوق السندات الدولية لتمويل الموازنة الحالية.
وتكشفت الأزمة الاقتصادية الحادة الناتجة عن مخلّفات الوباء والهبوط الحاد لأسعار النفط أن مسقط غير قادرة على تجاوز محنتها دون دعم خليجي في شكل حزمة إصلاحات عاجلة على شاكلة خطة الإنقاذ التي حصلت عليها البحرين في 2018.
ويعتقد محللون أن الظروف باتت مهيّأة الآن أمام عُمان لجسر الهوة مع أشقائها في ظل حكم السلطان هيثم بن طارق الذي أكد منذ الخطاب الأول عند مباشرة مهامه على أولوية العمق الخليجي.
أكد إحسان خومان رئيس أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى أم.يو.أف.جي أن سلطنة عُمان ستصدر على الأرجح سندات هذا العام، لكنها ربما تحتاج إلى التعويل على مساعدات من جيرانها الأثرياء وإلا فاللجوء إلى مساعدة من صندوق النقد.
ولم تطرق مسقط حتى الآن أسواق الدين رغم وجود عجز مالي آخذ في الاتساع في ظل تراجع أسعار النفط وتبدد الطلب بسبب جائحة فايروس كورونا.
ونسبت وكالة رويترز إلى خومان قوله إنه من “المرجح أن تطرق عُمان أسواق الدين العالمية لعدم رغبتها في السحب كثيرا من احتياطياتها الأجنبية”.
وقال خومان إن “عُمان يمكنها إصدار سندات لأن البحرين، وهي الدولة الخليجية الوحيدة الأخرى المصنفة ديونها مرتفعة المخاطر، فعلت ذلك بالفعل في ظل الجائحة، إذ جمعت ملياري دولار في مايو الماضي”.
وأضاف “إذا لم تكن ستلجأ إلى السوق، فستحتاج إلى الحصول على تلك السيولة من مكان آخر. لذا، فربما يكون مجلس التعاون الخليجي أو صندوق النقد الدولي”.
وتعرضت العملة المحلية المربوطة بالدولار لبعض الضغوط في الأسواق الآجلة، غير أنها تراجعت بشكل كبير جدا في الشهر الماضي.
ويتوقع خومان أن تتوصل الحكومة العُمانية تشكيل مصدات ملائمة من الاحتياطيات للإبقاء على ربط العملة على المدى المتوسط.
ولكنه استدرك بالقول إنه “إذا انحسر الإقبال على المخاطرة بالسوق، وهو ما قد يؤدي إلى تسارع استنزاف الأصول، فقد تضعف الثقة في الربط”.
وكانت رويترز قد ذكرت مطلع الشهر الجاري نقلا عن مصدر مطلع على دوائر صنع القرار المالي في مسقط أن البلد الخليجي يسعى إلى الحصول على قرض مؤقت بقيمة ملياري دولار من بنوك عالمية وإقليمية.
وقال المصدر حينها إن عُمان أرسلت طلب إبداء مقترحات للبنوك في يونيو الماضي من أجل قرض لأجل عام، سيحل محل إصدار سندات.
ويثير لجوء مسقط للاقتراض الخارجي بشراهة لسد العجز في الموازنة مخاوف بين المستثمرين ودفع تصنيفها الائتماني إلى مستوى عالي المخاطرة، في ظل بطء وتيرة الإصلاحات وزيادة الإنفاق الحكومي.
وتعتبر سلطنة عُمان أكثر عرضة لخطر تقلبات أسعار النفط مقارنة مع معظم جيرانها الأكثر ثراء في الخليج، وهي منتج صغير للخام وتنوء بعبء مستويات مرتفعة من الدين.
وخفضت موديز في الشهر الماضي تصنيف البلد الخليجي إلى مستوى مرتفع المخاطر عند بي.أي 3 من بي.أي 2، فيما أشارت وكالات التصنيف الائتماني إلى مخاطر تتعلق باحتياجات السلطنة التمويلية وتقلص المصدات المالية لديها.
2 مليار دولار قيمة سندات دولية يتوقع أن تطرحها مسقط هذا العام لتمويل عجز الموازنة
وساءت التوقعات بتعافي اقتصاد عُمان، ويتوقع محللون في وكالة ستاندرد آند بورز انكماشه بواقع 4.7 في المئة رغم أن البعض يرى أنه من الممكن أن يتحسن العام المقبل.
ولدى الكثير من المحللين شكوك في قدرة مسقط على الخروج من أزمتها سريعا في ظل الوضع القائم ولاسيما مع تبني مجلس الشورى مقترح إحدى لجانه بربط ضريبة القيمة المضافة بانتعاش النمو الاقتصادي.
وذكر موقع واف الإخباري العُماني الثلاثاء أن اللجنة الاقتصادية والمالية في مجلس الشورى اقترحت تطبيق ضريبة القيمة المضافة مع استثناء أصحاب الدخل المنخفض منها في حال تحقيق معدل نمو اقتصادي لا يقل عن 3 في المئة.
ورغم أن تحقيق تلك النسبة يبدو أمرا شبه مستحيل قبل ثلاث أو أربع سنوات نظرا لتباطؤ الاقتصاد العالمي، لكن محللين استطلعت رويترز آراءهم توقعوا أن تحقق عُمان ذلك الهدف في العام المقبل.
واقترحت اللجنة الاقتصادية والمالية استثناء من يبلغ دخلهم الشهري 900 ريال (2340 دولار) أو أقل من الضريبة. ولا يزال قانون ضريبة القيمة المضافة قيد النقاش، كما أن تطبيق الأمر مرهون بقرار السلطان هيثم لأن مجلس الشورى له دور استشاري فحسب.
واتفقت دول الخليج على فرض ضريبة القيمة المضافة البالغة 5 في المئة مع بداية العام الماضي بعدما تضررت إيراداتها جراء هبوط أسعار النفط، لكن مسقط، الأضعف ماليا بينها، أرجأت التنفيذ مرتين.
وكانت ستاندرد آند بورز قد أكدت مرارا أن تأجيل تطبيق ضريبة إلى ما بعد 2020، بالتزامن مع أسعار نفط منخفضة، ينطوي على مخاطر تتهدد افتراضها إلى مستويات عجز أصغر مقارنة مع الفترة الفاصلة بين عامي 2015 و2017.
العرب