“في حين تم تناول المخاوف التي تجتاح دول الخليج على نطاق واسع بشأن الاتفاق النووي الإيراني، كانت استجابات حلفاء واشنطن من الدول العربية غير الخليجية أقل انتشارًا. ولم يتم الاجتماع بحلفاء الولايات المتحدة مثل مصر والأردن والدولة التركية غير العربية في كامب ديفيد لإبداء مخاوفهم إلى واشنطن. ولكن استجاباتهم المتحفظة تنبئ عن قلقهم حيال التخريب الإيراني والطموحات بالهيمنة“.
فشلت حالة التفاؤل السطحية التي سادت ردود الفعل الدبلوماسية الأولية في إخفاء المخاوف التي تكتنف تصاعد النفوذ الإقليمي الإيراني. وفي أنقرة، راهن وزير المالية التركي محمد شيمشك ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو على الدفعة الاقتصادية التي ستستفيد منها تركيا جراء الاتفاق النووي، ولكنه طالب طهران بـ”التخلي عن السياسات الطائفية” والكف عن الطموحات الإقليمية. كما ركزت استجابة القاهرة أيضًا على الآثار الأوسع نطاقًا لتدخل إيران الإقليمي، وكما يتضح من بيان وزارة الخارجية المصرية غير المتوهج، فإنه يعرب عن أمله في كون الاتفاقية “تمنع سباق التسلح في الشرق الأوسط، وتضمن خلو المنطقة من جميع أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة النووية“. وبالمثل، قال وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام والاتصالات إن المملكة تدعم “أي اتفاق يؤكد على السلام والأمن في الشرق الأوسط، ويمنع سباق التسلح في المنطقة” لكنه أضاف أنهم يتابعون تفاصيل الاتفاق، وأن الوزراء الأردنيين سيبقون على اتصال مع الأطراف الرئيسة للاتفاق بما فيهم جون كيري.
وقد أدت ازدواجية موقف عمان بلا شك إلى اجتماع وزير الدفاع أشتون كارتر مع الملك عبد الله الثاني وزيارة الأردن في الشهر الماضي. كما أنها على الأرجح هي الدافع لاستئناف الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي في وقت سابق من هذا الشهر، والمؤجل منذ العام 2009. وعلى الرغم من كون الحوار قد ركز على مكافحة الإرهاب، والفرص الاقتصادية، والتعاون بشأن القضايا الإقليمية، إلا أنه ذكر إيران فقط في سياق دفع “تنفيذ شامل” للاتفاق النووي.
وفيما وراء الخطاب الدبلوماسي، ترى مصر والأردن وتركيا الاتفاق مع إيران باعتباره ضوء أخضر من واشنطن لطهران لمواصلة التخريب وزعزعة الاستقرار ودعم قواتها بالوكالة في العالم العربي. وتخشى تركيا من أن إيران سوف تستخدم مكاسبها من رفع العقوبات من أجل تكثيف الدعم لنظام الأسد، وهو عدو أنقرة الأساسي في سوريا. وقد جددت المؤامرة الإرهابية التي تم إحباطها لجماعة بيت المقدس المدعومة إيرانيًا في شمال الأردن من المخاوف بشأن سعي طهران إلى تقويض الأمن الداخلي للمملكة. وقد ألقت مصر، التي تطمح إلى إعادة تأكيد قوتها الإقليمية وتجاهلت التمدد الإيراني في الخليج، بدعمها خلف التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين المدعومين إيرانيًا في اليمن، على الرغم من تدخل عبد الناصر الكارثي هناك في الستينيات. وقد تجاهلت الولايات المتحدة تحذير الملك عبد الله الثاني في العام 2004 من أن يصبح “الهلال الشيعي” الذي تقوده إيران لتطويق الشام حقيقة واقعة في وقت قريب.
إذن، فكيف ستستجيب هذه الدول حقًا للاتفاق؟ كان الاقتراح الأول هو أن تقوم هذه الدول بتطوير أسلحة نووية خاصة بها. ومع ذلك، فقد تم تكرار هذا الاقتراح بشكل مضلل يرثى له. فقد عملت إيران على تخصيب اليورانيوم بشكل سري على مدار عقود، والاتفاق الذي يسعى إلى تقليص برنامجها لن يؤدي إلى إثارة سباق تسلح بشكل مفاجئ. وعلاوة على ذلك، لم تكن هذه الدول معنية أبدًا بطموحات إيران النووية في المقام الأول. وتسعى تركيا والأردن ومصر إلى تطوير برنامجهم النووي المدني لمواجهة الطلب على الطاقة والكهرباء، وقد اعتمدوا على روسيا للقيام بذلك، وليس لهذا الأمر علاقة بشيء آخر سوى المصالح الاقتصادية ما لم ترغب واشنطن في وقف استثمارات الطاقة الخاصة بموسكو في الشرق الأوسط بسبب التحولات الاستراتيجية التي يمكن أن تنتج عن هذا الأمر على المدى الطويل.
الاقتراح الثاني -وهو أكثر احتمالًا- هو تصعيد الصراع الإقليمي. حيث أن تقارب واشنطن مع إيران، وترددها في التعامل مع الأزمة السورية، وإخفاقها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، أدى إلى إدراك الحلفاء الإقليميين أنه يجب عليهم التصرف بأنفسهم. والآن، تنظر تركيا والقوى العربية المترقبة منذ فترة طويلة إلى أي مناورة حقيقية أو متصورة تقوم بها إيران على أنها خطر كبير يستدعي استجابة فورية شديدة. ويحدث هذا حاليًا في اليمن مع وجود عواقب إنسانية وخيمة. وللتأكد من ذلك، تشارك مصر والأردن بشكل متحفظ في التحالف ضد الحوثيين؛ حيث نشرت مصر سفنًا حربية لحماية قنوات التجارة البحرية الخاصة بها، وقدمت الأردن القليل من الطائرات الحربية. ومع ذلك، هم نفعيون بما يكفي لعدم انزلاقهم بشكل متهور في صراعات إقليمية، كما أنهم قلقون للغاية بشأن طموحات إيران بالهيمنة. وإذا ما نجح التحالف في هزيمة الحوثيين، فإن الحملة في اليمن قد تصبح بمثابة سابقة دموية ونذير للدول الإقليمية في مواجهة إيران، وهو أمر لا يريده أحد حقًا.
ولكن ما هو الخيار الثالث لهذه الدول؟ سوف يبقى كل من مصر والأردن بالتأكيد حلفاء مقربين للولايات المتحدة؛ حيث يتلقى كل منهما مساعدات بأكثر من مليار دولار سنويًا ويكرثان جهودهما لوقف التطرف. وعلاوة على ذلك، فإن الدول الثلاث لديهم مصلحة في الانضمام إلى الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من أن تركيا تضع الأسد والأكراد كأولوية لها على رأس قائمة التهديدات التي تواجهها. ومع ذلك، تشعر مصر والأردن وتركيا باستمرار تآكل دور واشنطن في الشرق الأوسط، ويتحوطون لرهاناتهم ضد تراجع الوجود الأمريكي الإقليمي. وبدلًا من اللجوء إلى واشنطن، تحافظ هذه الدول على اتصال وثيق مع بعضها البعض، تمامًا مثلما حدث في الأسبوع الماضي، عندما التقى الملك عبد الله الثاني محمد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي والمنفذ الرئيس للتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن، للتشاور مع قضايا إقليمية أخرى، بشأن إصرار إيران على “التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية لتقويض أمنهم“. وهذا يشير إلى الدول العربية كمجموعة واحدة تعتبر أن أي تهديد لأي دولة عربية بواسطة إيران سوف يتم تفسيره على أنه اعتداء على أمنهم جميعًا، وهو تصور لن يؤدي إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي الدائم.
وتتطلع جميع الدول في المنطقة إلى تنويع خياراتها اقتصاديًا وسياسيًا من أجل الحفاظ على مصالحهم الخاصة. ومع انعدام التجارة مع سوريا وغلق العراق لحدودها الغربية، تغازل الأردن المستثمرين من الصين وروسيا للحد من المخاوف الأمنية والاقتصادية. وقد تخلت تركيا أخيرًا عن ترددها في التدخل في سوريا، مطلقةً أولى غاراتها الجوية في الشهر الماضي، واتفقت مع واشنطن على إطلاق الغارات من القواعد التركية وخلق منطقة عازلة في شمال غرب سوريا، ولكن هذا فقط لكون أنقرة ترى فرصة مثالية لقصف حزب العمال الكردستاني ووقف التقدم العسكري للأكراد والتحوط لمحاولات الحكم الذاتي الكردي. وتتسلم مصر شحنات متزايدة من طائرات إف 16 الأمريكية وصواريخ ونظم تسليح، ولكنها كثفت أيضًا من تعاونها مع موسكو في الأشهر الأخيرة، وعقدت مناورات حربية مشتركة واتفاقيات لتجارة الغاز الطبيعي والاستثمار، وتسعى إلى شراء أسلحة ونظم تسليح متقدمة من الروس.
وتسعى هذه الدول إلى الحد من مخاطرها وتأمين مصالحها من أجل اللعب على فرص أخرى تجلب شيئًا جديدًا. والاختلاف الآن يكمن في كون كل هذا يحدث وسط عدم استراتيجية إقليمية شاملة من جميع الأطراف بما فيهم واشنطن. ولا يوجد سبيل لاختفاء الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وستبقى لاعبًا رئيسًا وشريكًا لهذه الدول الإقليمية. ومع ذلك، بدون وجود إجراء حاسم واستراتيجية طويلة الأجل من أي طرف، فإن كل فاعل في المنطقة سوف يجد نفسه أمام نفوذ وخيارات أقل.
التقرير