مع نهاية حرب لبنان الثانية، في الوقت الذي كان فيه مصير جنديي الجيش الإسرائيلي المخطوفين على يد حزب الله، الداد ريغف وايهود غولدفاسر، معلقاً في الضباب، خرج الجيش الإسرائيلي إلى حملة برية كانت تستهدف وصوله إلى الليطاني. في منطقة البلدة المسيحية مرجعيون شمالي المطلة، اصطدم جنود الجيش الإسرائيلي بقوة من الجيش اللبناني كانت منتشرة في المنطقة. فسارعت هذه إلى رفع أعلام بيضاء وطلبت إذن قادة الجيش الإسرائيلي لإخلاء المنطقة.
كجزء من مسيرة السخافة في قيادة إسرائيل، سمح لمئات رجال الجيش والأمن اللبنانيين في حينه بمغادرة المنطقة. لم يتصور أحد في إسرائيل على الإطلاق إمكانية اشتراط ذلك بتلقي معلومات عن مصير المخطوفين أو حتى بتحريرهما. فبعد كل شيء، تكبدت حكومة إسرائيل عناء الإيضاح بأن الصراع الذي كانت تديره هو ضد حزب الله وليس ضد لبنان. منذئذ، بقيت إسرائيل ملتزمة بتمييز مصطنع بين التنظيم الإرهابي الشيعي والدولة اللبنانية التي تعطيه الدرع والمأوى. الحقيقة هي أن كثيراً من اللبنانيين معادون لتنظيم حزب الله، ويتظاهرون ضده، بل ويدعون إلى نزع سلاحه. ولكن وزنهم في داخل لبنان هامشي. لقد تغيرت الظروف، لكن إسرائيل تواظب على جمودها ولا تدرك أن لبنان اليوم له ارتباط سيامي بين الدولة ومؤسساتها من جهة والأفعى التي تنمو في حضنها من جهة أخرى. يتمثل حزب الله في البرلمان اللبناني كما أن له ممثلين في الحكومة يتحكمون في عدة حقائق أساسية في مجالات الاقتصاد والمجتمع. وتستجيب حكومة لبنان اليوم لإملاءات حزب الله، ويرضع التنظيم من دروع الساحة اللبنانية ويستغلها بتحقيق مصالحه.
العمى الذي يعاني منه الأمريكيون الذين يؤمنون بأنه يمكن الفصل بين لبنان وحزب الله، يمكن أن يفهم بينما التهكم الفرنسي أو الروسي غني عن الكلام.
يمكن أن نفهم العمى الذي يعاني منه الأمريكيون الذين يؤمنون بأنه يمكن الفصل بين لبنان وحزب الله، بينما التهكم الفرنسي أو الروسي غني عن الكلام. ولكن من الصعب أن نتفهم كيف أصبحت إسرائيل رأساً لأولئك الثعالب بتجندها للدفاع عن الدولة اللبنانية التي يعشعش في حضنها حزب الله. ليس هذا ما يجب على إسرائيل أن تستوعبه في المرة التالية التي يخرق فيها حزب الله سيادتها ويحاول المس بجنودها: عليها أيضاً أن تتذكر أن هذا التنظيم، رغم التبجح، يخاف من الحرب كونه يعرف أن الثمن الذي سيدفعه هو ومؤيدوه لا يتناسب على الإطلاق مع الضرر والإصابات التي قد يوقعها بإسرائيل.
أمام كل رصاصة طائشة من سوريا تجبي إسرائيل ثمناً من العنوان الوحيد – قوات جيش الأسد المنتشرة على طول الحدود – وتبعث برسالة واضحة للحاكم السوري. يحتمل أن يكون الوقت قد حان للعمل هكذا في الحالة اللبنانية أيضاً. فبعد كل شيء، لا يمنع الجيش اللبناني المنتشر على طول الحدود نشاط حزب الله، بل ربما يساعد التنظيم، وهكذا يصبح هو العنوان والهدف المناسب والمشروع بالنسبة لإسرائيل.
يعيش حزب الله اليوم في نقطة درك أسفل لم يشهد لها مثيلاً، فهو ضعيف وهش بشكل لا مثيل له. لا ينبغي لإسرائيل أن ترعوي منه وألا تؤدي لعبتها في خدمته، بل عليها استغلال ضعفه وفرض قواعد لعب جديدة في صالحها باتباع خطوات ضد التنظيم وضد حكومة لبنان.
بقلم: ايال زيسر
القدس العربي