الكاظمي يظهر عزما على تكريس حكم القانون واستعادة هيبة الدولة العراقية

الكاظمي يظهر عزما على تكريس حكم القانون واستعادة هيبة الدولة العراقية

بغداد – يعمل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بهدوء وثبات لتكريس حكم القانون في مؤسسات الدولة، ضاربا أمثلة غير مألوفة في البلاد، على تواضع المسؤول وسرعة استجابته.

واستثمر الكاظمي ثلاثة أحداث في غضون الأسبوعين الماضيين ليستعرض خلالها قدراته في إدارة الأزمات والاستجابة للطوارئ والتدخل الحازم عند الحاجة.

ووقع الحادث الأول عندما قتلت قوات الأمن العراقية محتجين في ساحة التحرير مطلع الأسبوع الماضي، خلال تظاهرة تطالب بالإصلاح السياسي والخدمات. ولم ينتظر الكاظمي إلا ساعات بعد الحادث ليعلن تعهده بالكشف عن القتلة خلال 72 ساعة.

وقبيل انتهاء المهلة، ظهر المتحدث الرسمي باسم الكاظمي في مؤتمر صحافي، ليكشف، في سابقة فريدة على مستوى البلاد، أسماء القتلة وصفاتهم الوظيفية، مؤكدا صدور أوامر باعتقالهم وإحالتهم إلى القضاء.

ومثلت حادثة التحرير اختبارا من نوع خاص للكاظمي، الذي تعهد، عندما تسلم رئاسة الحكومة، بالكشف عن المتورطين في قتل 700 من متظاهري أكتوبر 2019 وجرح نحو 20 ألفا منهم، في عهد سلفه الذي أطاحت به الاحتجاجات عادل عبدالمهدي.

وقوبل كشف الكاظمي عن قتلة المتظاهرين بارتياح في أوساط النشطاء والمتظاهرين، واعتبر دليلا على تغيير عميق في السلوك الحكومي إزاء حركة الاحتجاج، والنظر إليها بوصفها أداة ضغط لتحقيق تغيير إيجابي، لا خصما يهدد بإسقاط النظام السياسي.

وبعد أيام قليلة من معالجة هذا الحادث، انتشر تسجيل مصور على نطاق واسع جدا، يظهر قيام عدد من عناصر قوة حفظ القانون المكلفة بتطويق ساحة الاحتجاج ببغداد، باعتداءات بشعة على حدث اتهم بإطلاق الحجارة على قوات الأمن.

وظهر عناصر القوة التي يعود تشكيلها إلى عهد حكومة عبدالمهدي، وهم يقصون شعر الحدث بآلة حادة ويطلقون أقذع الشتائم عليه وعلى والدته، بينما أظهر فيديو عقب هذا الاعتداء، الحدث بفروة رأس مقطعة، تسيل منها الدماء.

وألهبت هذه المشاهد، وسيل الشتائم الذي تعرض له الحدث ووالدته، مشاعر العراقيين، وطالبوا بالاقتصاص من الجناة، فيما قال نشطاء إن من “أمن العقاب أساء الأدب”، في إشارة إلى صعوبة محاسبة عناصر الأمن المتورطين في الاعتداء، نظرا لارتباطهم بأحزاب وميليشيات قوية تابعة لإيران.

لكن الكاظمي لم يتردد في تبني تحقيق عاجل، انتهى بإلقاء القبض على كل من تورّط في هذا الاعتداء المروع.

ولم يكتف رئيس الوزراء برد الاعتبار القانوني، بل ذهب إلى رد اعتبار شخصي، عندما استقبل الحدث المعتدى عليه ووالدته، واعتذر منهما عن كل ما جرى، موجها بتحمل أتعاب المحاماة في قضية سرقة دراجة نارية، اتهم بها الحدث بعد تعرضه للاعتداء.

وكتب نشطاء ومتظاهرون، أنهم شعروا بأن الكاظمي اعتذر لهم أيضا، عن حالات اعتداء تعرضوا لها خلال مشاركتهم في احتجاجات أكتوبر على أيدي عناصر الأمن والميليشيات الموالية لإيران.

وجاءت الحادثة الثالثة، لتؤكد أن الكاظمي شديد القرب من الشارع واهتمامات الرأي العام، وذلك عندما أصدر سلسلة أوامر ضد وزير النقل ناصر بندر الشبلي، بعدما ثبت أن أحد أقاربه تسبب في تأخير إقلاع طائرة من مطار بغداد.

رد الاعتبار
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي، تداولت تسجيلات مصورة تظهر روايات ركاب رحلة في طائرة تابعة للخطوط الجوية العراقية، وهم يتذمرون بشدة من تأخير الإقلاع نحو ساعة كاملة، في أجواء حر شديد، لأن أحد أنباء المسؤولين ينوي السفر على متنها.

ووجه بعض الركاب رسائلهم مباشرة إلى الكاظمي، داعين إياه إلى التدخل لوقف العبث في رحلات الخطوط الجوية العراقية، حيث يمكن للمسؤولين وأبنائهم تأخير وتقديم موعد الرحلات كيفما شاؤوا.

واستذكر المدوّنون العراقيون حادثة مماثلة، عندما عادت طائرة أقلعت من مطار بغداد إلى موقعها، لأن نجل زعيم منظمة بدر، الذي كان وزيرا للنقل آنذاك، هادي العامري، خطط للسفر على متنها.

ولم تتأخر استجابة الكاظمي كثيرا، إذ أصدر أوامر تفصيلية بحق جميع المتسببين في تأخير موعد إقلاع طائرة الخطوط الجوية، شملت التحقيق مع موظفين ونقل آخرين من مواقعهم إلى مواقع أدنى، وفقا للقانون.

وحظي هذا الحادث هو الآخر باهتمام شعبي واسع، فيما يقول مراقبون إن الكاظمي يسعى لمراكمة نجاحات صغيرة، بهدف إقناع الجمهور المتشكك في الأحزاب والدولة وسياساتها بأن تغييرا كبيرا حدث فعلا.

ويعتقد مراقبون أن الكاظمي سيكون بحاجة إلى مساندة واسعة من الجمهور في حال قرر رفع سقف المواجهة مع القوى التي تختطف الدولة العراقية وتسيطر على قرارها منذ أعوام، تحت هيمنة السلاح المنفلت.

ولا يمكن فصل هذه الأحداث الثلاثة عن سياق الضعف الذي عانت منه الدولة العراقية خلال حقبة عبدالمهدي، اذ استسلمت بشكل شبه تام لزعماء الميليشيات التابعة لإيران.

لذلك، قد تكون الميليشيات التابعة لإيران هي المتضرر الأول من سياسيات الكاظمي الرامية إلى تكريس حكم القانون، ما قد ينتج ردود أفعال كبيرة.

العرب