مخازن سلاح الميليشيات تبقي سكان المدن العراقية على حافة الجحيم اللبناني

مخازن سلاح الميليشيات تبقي سكان المدن العراقية على حافة الجحيم اللبناني

التفجير المروّع الذي ضرب العاصمة اللبنانية بيروت يذكّر العراقيين بتعرّض مدنهم خلال السنوات الماضية لانفجارات ممثالة وإن كانت أقلّ حجما وأخفّ ضررا، لكنّه ينبههم بشكل خاص إلى أنّهم لا يزالون معرّضين للخطر نفسه بسبب وجود مخازن السلاح والأعتدة والمتفجّرات داخل أحيائهم السكنية في ظل عجز السلطات عن إنهاء ظاهرة تخزين الأسلحة بشكل عشوائي يهدّد حياة المدنيين.

بغداد – أحدث تفجير بيروت المروّع أثرا نفسيا استثنائيا في العراق الذي يشعر سكّانه بأنهم معنيون مباشرة بما حدث في العاصمة اللبنانية، لأن أطنانا من الأسلحة والأعتدة والمتفجّرات التابعة للميليشيات مخزّنة بطريقة عشوائية داخل أحيائهم السكنية، ولأنّهم عاشوا أصلا تجربة انفجارها وإحداثها خسائر مادية وبشرية فادحة في أوقات سابقة.

وفتحت السلطات العراقية في وقت مبكر من الخميس تحقيقات في المتفجرات المخزنة على المنافذ الحدودية، مخافة تكرار السيناريو اللبناني الذي سيشكّل في حال حدوثه ضربة قاضية للعراق الذي يعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية معقّدة ويعيش شارعه حالة احتقان وتحفّز للثورة على سوء الأوضاع واستشراء الفساد والنقص الحاد في الخدمات العامة وارتفاع معدلات الفقر بشكل لا يتناسب مع ثروة البلاد النفطية الضخمة.

ويخشى عراقيون أن تكون التحقيقات المعلن عنها مجرّد إجراء شكلي بدفع من فورة الرعب التي أحدثها انفجار بيروت، وأن تغلق دون تحقيق نتائج عملية على غرار تحقيقات سابقة فتحت إثر انفجار مخازن سلاح داخل المدن لكنّها لم تفض إلى نتائج عملية ملموسة.

ونقل بيان رسمي عن رئيس هيئة المنافذ الحدودية عمر عدنان الوائلي قوله “شكلت لجنة عاجلة لجرد الحاويات عالية الخطورة المتكدسة والموجودة داخل المنافذ الحدودية من المواد الكيميائية مزدوجة الاستخدام مثل نترات الأمونيا” وهي المادّة ذاتها التي تسببت بوقوع الانفجار الهائل في مرفأ بيروت.

وأكد “أهمية هذه الإجراءات الاحترازية لتفادي ما حدث في لبنان والدمار الذي خلفته الانفجارات”، مضيفا “على اللجنة إنهاء أعمالها وتقديم تقريرها خلال اثنتين وسبعين ساعة”.

وتفاعل العراقيون بكثافة مع تفجير مرفأ بيروت معربين عن مخاوفهم من مخازن السلاح والعتاد المنتشرة في المناطق داخل المدن بما في ذلك العاصمة بغداد. ففي يونيو 2018 شهدت مدينة الصدر عالية الكثافة السكانية في العاصمة العراقية بغداد انفجارا خلف نحو مئة وعشرين من الضحايا بين قتلى ومصابين، ودمارا هائلا في الممتلكات الخاصة والعامّة.

لكن الحادث لم يكن الأول من نوعه حيث شهدت بغداد ومدن عراقية أخرى حوادث مشابهة، من أكثرها دموية حادث انفجار مخزن للسلاح تابع للحشد الشعبي في منطقة العبيدي شرقي بغداد في سبتمبر 2016، موقعا خسائر مادية وبشرية معتبرة ومخلّفا حالة من الهلع في منطقة امتدت لعدّة كيلومترات مربعة حول موقع الحادث بفعل تطاير القذائف والصواريخ عشوائيا.

إنهاء ظاهرة تخزين الأسلحة والمتفجرات داخل المناطق السكنية اختبار لمدى قدرة الدولة العراقية على ضبط فوضى السلاح

وفي أغسطس 2019 عاشت منطقة الدورة جنوبي بغداد حالة من الرعب جرّاء انطلاق صواريخ وتطاير قذائف هاون وسقوطها على مناطق آهلة بالسكان مخلفة قتلى وجرحى، ليتبين بعد ذلك أن الأمر ناتج عن انفجار مخزن للسلاح تابع لميليشيا بدر أحد أقوى فصائل الحشد الشعبي أقامته داخل مقر للشرطة الاتحادية في الضواحي الجنوبية للعاصمة.

وخلال الصائفة ذاتها شهدت مدينة كربلاء جنوبي العراق انفجارا لمخزن أسلحة وذخيرة تابع للحشد الشعبي على مقربة من المدخل الرئيسي للمدينة مخلفا جرحى في صفوف المدنيين وخسائر في ممتلكاتهم. وكان ذلك الانفجار هو الثاني الذي شهدته المحافظة في الصائفة ذاتها حيث سبقه انفجار مخزن ذخيرة تابع لميليشيا علي الأكبر أحد فصائل الحشد في بلدة خان الربع جنوب شرقي كربلاء متسبّبا في جرح العشرات من المدنيين. وقد بلغ عدد الانفجارات في مخازن السلاح والعتاد التابعة للميليشيات في تلك السنة وحدها سبعة انفجارات موزّعة على عدّة مدن عراقية.

وتقول دوائر أمنية عراقية إنّ اختيار الميليشيات لأحياء سكنية داخل المدن بما فيها العاصمة بغداد نفسها، يعود إلى حرص تلك الميليشيات على بقاء أسلحتها في متناول يدها نظرا لتحفّزها لخوض الصراع ضد خصومها ومنافسيها، وربمات ضد السلطات الرسمية نفسها، في كل لحظة.

ومع تلقي الميليشيات الشيعية عدّة ضربات جوية مجهولة المصدر عادة ما تنسب للولايات المتّحدة أو إسرائيل، أصبحت هناك دافع أقوى لدى تلك الميليشيات لتخزين أسلحتها داخل المناطق المأهولة بالسكان بهدف اتخاذهم دروعا بشرية لحمايتها من ضربات الطيران المعادي.

وفي وقت سابق تطوّع نشطاء مدنيون عراقيون بإجراء إحصاء سري لمخازن السلاح الموجودة في المناطق السكنية ببغداد، وأعلنوا لاحقا رصدهم لما لا يقلّ عن عشرة مخازن كبيرة لا تزال موجودة داخل الأحياء التي شملها الإحصاء، موضّحين أنّها تابعة لفصائل شيعية وتحتوي على كميات هائلة من العتاد والأسلحة، ومشيرين إلى وجود مخازن كثيرة أخرى للسلاح أقلّ حجما منتشرة في مستودعات صغيرة وفي أقبية المنازل والعمارات.

ورغم أنّ السلطات العراقية تصف تخزين الأسلحة والمتفجّرات بين المدنيين بالجريمة وتعلن فتح تحقيقات إثر كل حادث انفجار يخلف ضحايا بشرية وخسائر مادية، إلاّ أنّه لم يحدث أن وقع تحديد المسؤوليات بدقّة عن تلك الحوادث ومعاقبة المسؤولين.

ويشكّك عراقيون في قدرة السلطات العراقية على إنهاء ظاهرة تخزين المواد الخطرة في المناطق السكنية لأن الأمر مرتبط أصلا بضبط فوضى السلاح ونزع سلاح الميليشيات اللذين كثيرا ما نادى بهما ساسة ومسؤولون عراقيون دون أن يتمكّنوا من تنفيذهما نظرا لقوّة تلك الميليشيات ونفوذها.

وسبق لرئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي أن أصدر إثر انفجار منطقة العبيدي في 2016 أمرا لقادة الجيش بإفراغ العاصمة وباقي المدن في المحافظات الأخرى من مخازن ومستودعات الأسلحة إلاّ أنّ الأمر لم ينفّذ بدليل وقوع انفجارات أخرى بمخازن السلاح في المدن بعد ذلك التاريخ.

ويرتبط العجز عن ضبط فوضى السلاح في العراق بالضعف الذي طال مختلف مؤسسات الدولة العراقية بما في ذلك مؤسستها الأمنية والعسكرية التي داخلتها الاعتبارات الطائفية وظهرت قوى شيعية مسلّحة منافسة لها بل عاملة على إضعافها ومنع إعادة بنائها بعد حالة شبه الانهيار التي بلغتها خلال السنوات الماضية.

العرب