نشرت صفحة مليشيا “الدفاع الوطني في السويداء” المدعومة من إيران قبل أيام، صوراً لحفل تخريج 500 مقاتل من بلدة القريا، كانت لافتة فيه كلمة لأحد مسؤولي هذه المليشيا، شنّ فيها هجوماً عنيفاً على روسيا، وذلك بعد أيام على حفل أقيم في مدينة بصرى الشام في درعا والمواجهة للبلدة، وتم فيه تخريج نحو 1000 شاب التحقوا باللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، والتابع لـ”الفيلق الخامس” الذي تشرف عليه روسيا.
ولم تعطِ صفحة المليشيا عبر “فيسبوك” تفاصيل عن الاحتفال، واكتفت بنشر صور له مع خبر مقتضب قالت فيه إن الاحتفال حظي بمشاركة جماهيرية وشعبية، واهتمام كبير من أبناء المحافظة وفعالياتها الدينية والوطنية بحسب تعبيرها، إلا أن “شبكة السويداء 24” أشارت إلى أن المتخرجين الـ 500 هم من أبناء بلدة القريا التي كانت شهدت في 27 مارس/آذار الماضي اشتباكات بين “اللواء الثامن” وفصائل محلية على خلفية الخطف والخطف المضاد بين المحافظتين، وقتل خلالها 15 شاباً من أبناء البلدة.
كما لم يشر المصدران إلى حضور إيراني أو مليشيوي لـ”حزب الله” للاحتفال، خلافاً لما حدث في الاحتفال الذي أقيم في بصرى الشام في درعا، وشاركت فيه عناصر من الشرطة العسكرية الروسية، حيث أطلق خلاله الخريجون والأهالي هتافات تدعو لخروج إيران ومليشياتها من الجنوب السوري، وإسقاط نظام بشار الأسد، في حين قابلته في احتفال السويداء هتافات مؤيدة لرأس النظام ومنتقدة لروسيا.
وبحسب “شبكة السويداء 24″، فقد ألقيت في حفل تخرج عناصر “الدفاع الوطني” كلمات عدة، من بينها كلمة مسؤول مليشيا “الدفاع الوطني” رشيد سلوم، ركز فيها على أن تسليح فصيله هو “ذاتي وليس من أي من جهة”، بحسب ما أوردته الشبكة، في حين ألقى العميد المتقاعد جواد الأطرش كلمة شنّ فيها هجوماً عنيفاً على روسيا وعلى “الفيلق الخامس”، محملاً الجانب الروسي مسؤولية أحداث القريا. ونقلت الشبكة عنه قوله موجهاً كلامه إلى روسيا: “لولا دعمكم وتغطيتكم لمسلحي الفيلق الخامس التابع لكم، لما تجرأ على الهجوم”.
وقالت الإعلامية نورا الباشا الموجودة في السويداء لـ”العربي الجديد”، إن العميد المتقاعد جواد الأطرش هو المسؤول عن توزيع الأسلحة في القطاع الجنوبي من محافظة السويداء لصالح مليشيا الدفاع الوطني، في حين تحدث ناشطون من محافظة السويداء تم الاتصال بهم، عن أن مليشيا “حزب الله” تنشط من خلال مليشيا “الدفاع الوطني” في عملية توزيع السلاح على العناصر الجدد، في محاولة لتحريك فتنة بين المحافظتين باستغلال حادثة القريا التي انتهت في حينها، ولا سيما أن العقلاء في المحافظتين يدركون أن النظام ومن خلفه إيران يقفون وراء عصابات الخطف بين الجانبين.
درعا-محمد أبازيد/فرانس برس
سورية
تظاهرة في درعا تطالب بإطلاق المعتقلين وطرد المليشيات الإيرانية
ورأى المحلل السياسي حافظ قرقوط أن تخريج عناصر لـ”الدفاع الوطني في السويداء” يبدو استثماراً لما حصل في بصرى في درعا، كدافع لإعادة تسليح شبان وتجييشهم لمصالح بالتأكيد ليس لها علاقة بمصلحة المواطن. وقال، في حديث لـ”العربي الجديد”: “إن هناك صراعاً روسياً إيرانياً في المنطقة الجنوبية، لكنه يبقى في الاطار الاستعراضي بالمرحلة القريبة على الأقل، ويتمحور فقط في اللعب على العامل النفسي بهدف الإمساك بأدوات إدارة الصراع”، مشيراً إلى أن تهجم العميد المتقاعد جواد الأطرش على روسيا يندرج في هذا الإطار.
واستبعد قرقوط أن تتمكن إيران من تعزيز تواجدها أو نشر الثقة في المنطقة، من خلال تسليح “الدفاع الوطني” وتفعيل دوره والزج بعناصر جديدة فيه، قائلاً إن إيران موجودة فقط عن طريق بعض المأجورين، ولن تصل إلى أن تصبح حالة عامة مهما فعلت، وروسيا تدرك ذلك، إلا أن حجم المصلحة الروسية محدود بالسويداء، خلافاً لدرعا والقنيطرة، فهي تبيع فيهما ملفات لإسرائيل من خلال ترتيب الساحة الأقرب إليها بهدف رفع أسهمها لدى الأميركيين من خلال إسرائيل.
يظهر في درعا شبه إجماع من الأهالي على احتضان ودعم “اللواء الثامن” من أجل حمايتهم من إرهاب النظام وإيران ومليشياتها، خصوصاً أن هذا اللواء هو من شبان المحافظة، ولا يتبع النظام، وأجبره، بدعم روسي، على إطلاق سراح العشرات من المعتقلين
ورأى الكاتب والصحافي أيهم ناصيف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هجوم العميد المتقاعد جواد الأطرش على روسيا خلال الحفل هو ردّ على الحضور الروسي في حفل تخريج أحمد العودة 1000 مقاتل أخيراً، لكن ناصيف توقع في الوقت نفسه أن يكون حفل تخريج “الدفاع الوطني” عملاً استعراضياً أو نوعاً من إثبات الوجود بالنسبة لإيران كقوة فاعلة بالمنطقة الجنوبية.
ويظهر في درعا شبه إجماع من الأهالي على احتضان ودعم “اللواء الثامن” من أجل حمايتهم من إرهاب النظام وإيران ومليشياتها، خصوصاً أن هذا اللواء هو من شبان المحافظة، ولا يتبع النظام، وأجبره، بدعم روسي، على إطلاق سراح العشرات من المعتقلين، وإعلان كف البحث عن 3734 شخصاً من المنشقين في درعا، وإنهاء قرارات حجز أملاك مئات من قادة الفصائل المعارضة السابقين بحسب ما نقل موقع “سناك سوري” المحلي عن رئيس اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري، حسام لوقا.
وبالنسبة للسويداء، فإن الأمر مختلف بالنسبة لمليشيا “الدفاع الوطني” التي ينقسم الأهالي إزاءها، نظراً لدورها في التنكيل الذي تمارسه بحقهم، وإخمادها المظاهرات واعتقال متظاهرين، في حين ينظر الأهالي إلى “حركة رجال الكرامة” على أنها الفصيل الأقرب إلى تطلعاتهم، ولا سيما بعد الدور الذي لعبته في إطلاق سراح نحو 15 متظاهراً اعتقلهم النظام خلال المظاهرات التي اندلعت قبل نحو شهر في السويداء، ونددت بالنظام وايران، وكذلك نظراً لدور الحركة في التصدي لعصابات الخطف في السويداء والتواصل مع فعاليات درعا، وإحباط مخططات إيران والنظام الداعمة لتلك العصابات.
درعا
تقارير عربية
تصعيد عسكري وفوضى أمنية تعم درعا السورية
وتشكلت مليشيا “الدفاع الوطني” في العام 2012، بعيد اندلاع الثورة السورية على غرار مليشيا “الباسيج” الإيرانية التي كان لها الدور الأكبر في قمع الاحتجاجات الشعبية في طهران في العام 2009. وبحسب ناشطين، فقد تلقى عناصر منها تدريبات على استخدام الأسلحة في ايران في مراحل التعبئة الأولى.
وأعلنت عشائر منطقة حوران في بيان أخيراً، رفضها لـ”الطائفية بكل أشكالها”، مؤكدة “حرصها على العيش المشترك وحسن الجوار”، مشيرةً إلى أنها تعوّل “على العقلاء لنزع فتيل الفتنة ورأب الصدع”. بينما أكدت “حركة رجال الكرامة” في السويداء أنّ “الأحداث العديدة التي حصلت عبر السنوات الماضية، كان وراءها دوماً متآمرون”، مضيفةً “ولو أنّ أهالي الجبل والسهل لم يدركوا هذا معاً في حينها، لوقعوا في فخّ الاقتتال الأهلي منذ زمن طويل”.
وكان لافتاً إصدار شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء حكمت الهجري بياناً بعيد تخريج مليشيا “الدفاع الوطني”، قال فيه: “نحن طائفة أدرى بشعابنا ولا نحتاج لشدّ أزرنا من مغرض في الخارج، فنحن لا ننتمي لفئة بعينها بل نحن أصحاب أرض وننتمي لوطن عريق نحن فيه نسيج وجزء من مكوناته”.
وفي ما يتعلق بالنشاط الروسي في درعا، يشير الكاتب والصحافي غسان مفلح ، إلى أن الأهالي ينظرون إلى أنه يندرج في إطار مطالبهم بإبعاد آليات النظام وأجهزته الأمنية وإيران، ليس عن الجنوب فقط بل عن كل سوري، مضيفاً لـ”العربي الجديد”، أن “اللواء الثامن” بعيد عن سيطرة نظام الأسد ضمن الاتفاق الأساسي للتسوية التي تمّت منتصف العام 2018 بضمانة روسية، إلى حين إيجاد حلّ سياسي على مستوى سورية.
وعلى الرغم من قصفها بلا رحمة مناطق في حوران قبيل التسوية عام 2018، فإن روسيا تقف الآن على نقيض الدور الذي تلعبه إيران، من خلال عناصر حواجز “الفرقة الرابعة” التي تتبع ماهر الأسد، والمنتشرة على أطراف حوران، من اعتقالات أو اغتيالات وأعمال قتل كما فعلت أخيراً باستهدافها قافلة لـ”اللواء الثامن” قتلت فيها تسعة من شبان المحافظة، إذ إنهم وبعيد هذه الجريمة وجهوا أصابع الاتهام إلى ايران و”الفرقة الرابعة”.
وبينما تسعى إيران ومليشياتها إلى زيادة وجودها في السويداء من خلال دعم مليشيا “الدفاع الوطني” بسبب انحسار دورها في درعا نظرا لتعزيز روسيا وجودها في المحافظة، والذي كانت التطورات الأخيرة سبباً مباشراً في ازدياده، أو فرصة ولحظة مناسبة لوضوحه، فإن حضور روسيا في درعا يبدو استراتيجياً، ومرتبطاً بالتزاماتها إزاء إسرائيل بإبعاد مليشيات إيران عن الحدود، وضمان أمنها كما يقول الدكتور محمود الحمزة، الباحث المتخصص بالشأن الروسي، لـ”العربي الجديد”، مشيراً بذلك إلى لقاء القدس الذي جمع مستشاري الأمن القومي لكلّ من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، وهو اللقاء الذي أعلن على أثره المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أنه تم التوصل فيه إلى عدد من الاتفاقيات المهمة بشأن سورية، من دون أن يعطي المسؤول الروسي آنذاك تفاصيل أكثر.
يرفض الأهالي في السويداء أجندة إيران التي رعت، إلى جانب النظام، عصابات الخطف وهجمات “داعش” التي روعت المدنيين
وتبدو مليشيات إيران إلى انكفاء في درعا، خصوصاً بعد أن كانت قد عملت على أن يشكل وجودها ورقة ضغط على إسرائيل، خدمة لمصالح السياسة الإيرانية، ولا سيما علاقاتها مع الغرب والأميركيين، وذلك بفعل مقاومة أهالي محافظة درعا، مهد الثورة، وفي مرحلة لاحقة بفعل العامل الروسي الذي ساعد في الحيلولة دون أن تجعل إيران من بصرى الشام نقطة ارتكاز رئيسية لتمددها في المنطقة وباتجاه الأردن.
ويرفض الأهالي في السويداء أجندة إيران التي رعت، إلى جانب النظام، عصابات الخطف وهجمات “داعش” التي روعت المدنيين، إلا أن انتشار مليشياتها شرق السويداء وتلول الصفا، ومحاولاتها إيجاد ركائز لها من خلال مرتزقة مليشيا “الدفاع الوطني” وهي المليشيا الأكبر في السويداء، يجعل الأيام القادمة صعبة على الأهالي. أما ما يتعلق بمحاولات إيران تفعيل وجودها من بوابة تلك المليشيا بهدف إيجاد فتنة جديدة مع درعا بالعودة إلى أحداث بلدة القريا، فهي الآن عديمة الفاعلية، نظراً للتوازن الذي أحدثه “اللواء الثامن” بقيادة أحمد العودة، بالإضافة إلى تمسك الأهالي في المحافظتين بالعلاقات التاريخية والانتماء وحسن الجوار، التي أفشلت محاولات النظام وإيران زرع الفتنة والاقتتال بين الجانبين طيلة سنوات الثورة.
فؤاد عزام
العربي الجديد