إيران بين إنقاذ الاتفاق النووي وتمديد حظر الأسلحة

إيران بين إنقاذ الاتفاق النووي وتمديد حظر الأسلحة

لا شك أن أيّ تطوّر للصّراعات في منطقة الشرق الأوسط لا بد أن يكون لإيران حضور فيه وذلك لأبعاد استراتيجية وجغرافية. وحين يتعلق الأمر بالحفاظ على الاتفاق النووي للجم طموحاتها ومسألة تمديد حظر الأسلحة عليها، خاصة وأن الولايات المتحدة تدافع عن هذا الموقف باستماتة شديدة، فإن التدخل الدولي لحل هذه المعادلة يتضاعف لأنّ أيّ تطورات عكسية في هذا الملف ستترك تداعيات مباشرة على المنطقة برمتها في الفترة المقبلة. وقد تمنح السلطات في طهران الفرصة لإعادة التمركز وتوثيق تحالفاتها داخل المشهد الإقليمي المعقّد.

نيويورك – يتأهب مجلس الأمن الدولي للتصويت هذا الأسبوع على اقتراح أميركي أثار جدلا واسعا خلال الأسابيع الأخيرة يقضي بتمديد حظر السلاح على إيران في خطوة يقول بعض الدبلوماسيين إن مصيرها الفشل كما أنها ستعرّض الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى للخطر بشكل أكبر.

وتبرز في خضم ذلك مواقف متباينة حول هذا المنحى، فبينما تؤكد الولايات المتحدة أن مشروع القانون، الذي قدمته إلى أعضاء مجلس الأمن يحظى بدعم وإجماع إقليمي ودولي، فإن المعسكر الرافض للخطوة ينفي ذلك بشدة، وهو يأتي في ظل التشويش الذي تفتعله إيران في المحافل الدولية بأن هذه المسألة ليست محل تأييد من روسيا والصين ودول خليجية.

غير أن الإعلان السعودي الصادر الخميس والذي دعا فيه المجتمع الدولي إلى تمديد حظر السلاح المفروض على إيران بعد انتهائه في أكتوبر القادم يفنّد التأويلات الإيرانية خاصة وأن الرياض مقتنعة تمام الاقتناع بأن رفع الحظر الدولي “لن يفضي إلا إلى المزيد من الدمار والخراب”.

وهنا تتضح معالم صعوبة حل هذه المعادلة الدولية الصعبة لبلوغ نقطة التوازن بين الحفاظ على الاتفاق النووي واستمرار العقوبات الدولية على طهران، حيث تأتي فيما يعيش العالم على وقع تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية لم يشهدها من قبل.

مواقف متباينة
كشف دبلوماسيون عن محاولات قامت بها كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا في اللحظات الأخيرة للتوسط في تسوية مع روسيا والصين بشأن تمديد حظر السلاح لم تفلح حتى الآن على ما يبدو، وقد أبدت هاتين الدولتين، وهما حليفتان مهمتان لإيران اعتراضهما منذ فترة طويلة على الإجراء الأميركي.

وتحدث دبلوماسي صيني في الأمم المتحدة، لوكالة رويترز مشترطا عدم الكشف عن هويته، قائلا إن “تمديد حظر الأسلحة على إيران مهما يكن شكله يفتقر إلى الأساس القانوني وسيقوض الجهود الرامية إلى الحفاظ” على الاتفاق النووي مع إيران، مضيفا أنه “لا توجد فرصة” للموافقة على النص الأميركي.

ولكن السفيرة الأميركية لدى المنظمة الدولية كيلي كرافت لديها قناعة بأن موسكو وبكين تريدان الاستفادة من انتهاء حظر الأسلحة من أجل دعم طهران وبالتالي تعزيز مبيعاتهما. وقالت في تصريحات لشبكة “فوكس نيوز” الأميركية إن “روسيا والصين تتحيّنان الفرصة كي تتمكنا من بيع الأسلحة لإيران”.

ومن المقرر انتهاء الحظر في أكتوبر المقبل بموجب اتفاق مبرم عام 2015 بين إيران وروسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة يمنع طهران من تطوير أسلحة نووية مقابل تخفيف العقوبات عنها.

وعلى الرغم من انسحاب الإدارة الأميركية الحالية من الاتفاق عام 2018، بعد أن وصفه الرئيس دونالد ترامب بأنه “أسوأ اتفاق على الإطلاق”، فقد هددت واشنطن باستخدام بند في الاتفاق يسمح بالعودة إلى جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا لم يمدد مجلس الأمن حظر السلاح لأجل غير مسمّى.

ومن المرجّح أن يقضى تجديد العقوبات على الاتفاق النووي لأن طهران ستفقد حافزا رئيسيا للحد من أنشطتها النووية لاسيما وأنها خرقت بالفعل أجزاء من الاتفاق ردا على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وفرض واشنطن عقوبات أحادية قوية.

وقال دبلوماسي أوروبي تحدث لرويترز شريطة عدم نشر اسمه “هدف هذه الإدارة الأميركية هو إنهاء الاتفاق النووي الإيراني”.

وألمح برايان هوك الممثل الأميركي الخاص بشأن إيران، الذي استقال قبل أيام من منصبه، إلى رغبة الولايات المتحدة في إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة عندما قال الأسبوع الماضي “علينا إعادة معايير مجلس الأمن الدولي الخاصة بعدم التخصيب”.

ومن شأن العودة لعقوبات الأمم المتحدة أن تلزم إيران بتعليق جميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة، بما في ذلك البحث والتطوير، وحظر استيراد أي شيء يمكن أن يساهم في تلك الأنشطة أو في تطوير أنظمة إطلاق الأسلحة النووية.

وستشمل كذلك معاودة فرض حظر الأسلحة على إيران ومنعها من تطوير صواريخ باليستية قادرة على إطلاق أسلحة نووية واستئناف فرض عقوبات مستهدفة على العشرات من الأفراد والكيانات، كما سيتم حث الدول على فحص الشحنات من إيران وإليها والسماح لها بمصادرة أي شحنة محظورة.

ويحتاج المشروع الأميركي تأييد ما لا يقل عن تسعة أصوات للموافقة عليه دون استخدام أي من الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، وهي فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين إلى جانب الولايات المتحدة، لحقها في النقض (الفيتو). وقد لمّحت روسيا والصين إلى أنهما ستستخدمانه في هذا الإطار، وهو ما يعني أن القرار سيسقط.

إصرار أميركي

هناك إصرار من جانب الإدارة الأميركية على إقناع أعضاء مجلس الأمن بوجاهة خطوتها رغم كل الظروف التي ستجعل من الولايات المتحدة في موقف محرج في حال لم تفلح في مسعاها بالنظر إلى تباين وجهات النظر حول دور إيران المشبوه في إثارة القلاقل والفوضى في الشرق الأوسط.

وتتخذ إدارة ترامب موقفا متشددا بشكل خاص تجاه إيران وتتهمها بأنها ترعى الإرهاب وتتدخل في الصراعات بجميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك اليمن وسوريا وما هو أبعد من ذلك. وكان وزير الخارجية مايك بومبيو قد أكد في يونيو الماضي أنه إذا تم رفع الحظر، فإن “إيران ستكون حرة في أن تتحول إلى تاجر سلاح مارق، وتضخ الأسلحة لتأجيج الصراعات من فنزويلا إلى سوريا إلى المناطق النائية في أفغانستان”.

ومع نفي إيران للاتهامات الأميركية بشكل متكرر، يعتقد مراقبون سياسيون أن ذلك الأمر يبدو مفهوما إذ أنها تستقوي بروسيا والصين في هذا المضمار وهي تحاول كسب ودهما لعدة اعتبارات جيواستراتيجية وسياسية وجغرافية واقتصادية وأمنية وعسكرية.

وتقول روسيا والصين إن واشنطن لا تستند إلى أساس قانوني لدفع مجلس الأمن لتمديد الحظر، وقد أكدتا مرارا على أنه يتعين تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي صدر عام 2015 ويتضمن الاتفاق النووي، وكذلك حظر الأسلحة وانتهاء أجله.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مايو الماضي “على الولايات المتحدة إدراك أنه لا توجد أسس قانونية أو غيرها لسياستها في استخدام قرارات مجلس الأمن لتحقيق مصالحها الأنانية”.

وعلى الرغم من انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، تهدّد واشنطن باستخدام بند يُسمح فيه بالعودة إلى جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا لم يمدد مجلس الأمن حظر السلاح.

وفي حين يتوقع دبلوماسيون أن تتسم عملية إعادة فرض العقوبات في مجلس الأمن الدولي بالفوضوية في ضوء معارضة الأطراف الباقية في الاتفاق لمثل هذه الخطوة، فقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى وأد الاتفاق النووي لأن إيران ستفقد حافزا كبيرا للحد من أنشطتها النووية.

ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فرضت واشنطن عقوبات قوية من جانب واحد، وردا على ذلك خرقت إيران أجزاء من الاتفاق. وقد وصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تصريحات الثلاثاء الماضي، الأسابيع والأشهر القلائل المقبلة بأنها “حرجة”.

وقال “لدي ثقة في أن أعضاء مجلس الأمن سيدحرون المسعى الانتخابي لإدارة أميركية محاصرة لتحويل الإنجاز الدبلوماسي للقرن الحادي والعشرين إلى تدريب في العبث”، في إشارة إلى انتخابات الرئاسة الأميركية المزمعة في نوفمبر الماضي.

ومن شأن عودة عقوبات الأمم المتحدة أن تلزم إيران بتعليق جميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة، بما في ذلك البحث والتطوير، وحظر استيراد أي شيء يمكن أن يساهم في تلك الأنشطة أو في تطوير أنظمة إطلاق الأسلحة النووية.

ومع خروج هوك، أحد صقور ترامب، الذي أوكلت إليه مهمة محاسبة إيران، من دوائر صنع القرار الأميركي يبدو أن طهران ستستغل هذا الفراغ النسبي لصالحها من خلال دفع حلفائها في المنطقة من أجل القيام بتأثير أكبر قبل موعد النظر في مشروع واشنطن المتعلق بتمديد حظر الأسلحة إليها في أروقة مجلس الأمن.

استغلال الفرصة

تستند طهران في رأيها على موقف الحكومة القطرية المتّهمة أيضا بدعم الإرهاب، بعدم وجود إجماع لدول مجلس التعاون الخليجي حول تمديد حظر الأسلحة على إيران.

وكتب ظريف في تغريدة على تويتر مساء الأربعاء الماضي يقول فيها إن “الولايات المتحدة يائسة للغاية لإظهار دعمها لنضالها لتوسيع قيود الأسلحة بشكل غير قانوني على إيران، لدرجة أنها تتمسك بالموقف الشخصي للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الذي تم الحصول عليه من خلال الإكراه باعتباره إجماعا إقليميا”.

وسعى وزير الخارجية الإيراني إلى الإيهام بأن دول الخليج متفقة على رأي واحد من خلال إعادة نشر ما قاله المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات مطلق بن ماجد القحطاني حينما قال إن “مواقف مجلس التعاون الخليجي المتفق عليها عادة ما تصدر عن اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء، وليس عبر بيانات الأمين العام لأنها تمثل رأي الأمانة العامة فقط”.

وتبدو هذه الحجّة متناقضة مع الموقف السعودي حيث شدّد سفير السعودية بالأمم المتحدة عبدالعزيز الواصل في كلمة ألقاها الخميس أمام مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح، على تأييد بلاده لكل “إجراء دولي يسهم في تكبيل أيادي إيران التخريبية في المنطقة، حتى ينتهج النظام الإيراني بالأفعال لا بالتصريحات نهجا سلميّا يقبله المجتمع الدولي”.

وأكد الواصل أن السعودية قادرة على حماية نفسها وحماية شعبها، قائلا إن “المجتمع الدولي سيكون خلال الساعات القادمة على موعد حاسم ومهم سيُحدد على إثره مستقبل جديد لشعوب المنطقة”.

وشدد على أن الشرق الأوسط لا يزال يشهد حالة غير مسبوقة من تهريب شتى أنواع الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية، بغرض تقويض أمن المنطقة وتمكين المتطرفين من السيطرة على تلك الدول واستخدام هذه الصواريخ والأسلحة لاستهداف المدنيين والبنى التحتية، إضافة إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي من خلال تهديد الممرات المائية واستهداف المنشآت النفطية التي تمثل عصب الاقتصاد الدولي.

العرب