“عجرفة” تركية في معالجة قضية الجنود العراقيين القتلى

“عجرفة” تركية في معالجة قضية الجنود العراقيين القتلى

تركيا لا تحيد في تدخلها العسكري داخل الأراضي العراقية، عن نهجها السياسي الذي اتّضحت معالمه أكثر من أي وقت مضى في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، ومن أبرز تلك المعالم الاندفاع الشديد والتدخّل السافر في شؤون دول الجوار وعدم التردّد في انتهاك حرمة أراضيهم في ظلّ اغترار شديد بالقوة العسكرية وثقة مفرطة بقدرتها المطلقة على تحقيق المكاسب وحماية المصالح.

أنقرة – وصفت مصادر عراقية الردّ التركي على غضب العراق من مقتل أفراد من قوّاته المسلّحة على يد القوّات التركية في غارة جوية استهدفتهم داخل الأراضي العراقية الثلاثاء الماضي، بـ”المتعجرف”، معتبرة ذلك الردّ انعكاسا لسياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الإقليم ونظرته المتعالية إلى بلدانه بما في ذلك العراق وسوريا وليبيا وغيرها.

وجاء ذلك بينما أخذت القضية بعدا دوليا بمطالبة فرنسا بتوضيح ملابسات الهجوم الذي شنته طائرة مسيرة تركية وأدى إلى مقتل ضابطين وجندي من حرس الحدود في شمال العراق.

وقالت المصادر إن بغداد باتت بعد الموقف الفرنسي تمتلك فرصة تدويل قضية الاعتداءات التركية على الأراضي العراقية في ظلّ قلة الوسائل والإمكانيات لوقف تلك الاعتداءات.

وأضافت أنّ بإمكان حكومة مصطفى الكاظمي استثمار حالة العداء المتصاعدة بين باريس وأنقرة بسبب خلافات مستشرية بين الطرفين على خلفية الأوضاع في ليبيا وفي شرق البحر المتوسّط.

وفيما كانت بغداد تنتظر اعتذارا من أنقرة على قتل الضابطين والجندي بادرت حكومة أردوغان إلى تحميل الجانب العراقي مسؤولية ما حدث، متهمة إياه بالتغاضي عن أنشطة حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة إرهابيا وشنّت مؤخرا حملة عسكرية واسعة النطاق على عناصره في مناطق الشمال العراقي.

وقالت تركيا، الخميس، إنها ستواصل عملياتها عبر الحدود العراقية ضد مسلحي الحزب إذا استمرت بغداد في التغاضي عن وجودهم في المنطقة.

ودأبت تركيا على مهاجمة مسلحي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية وفي شمال العراق، حيث تتمركز الجماعة المسلحة. وفي يونيو الماضي، شنت أنقرة هجوما بريا جديدا أطلقت عليه اسم عملية مخلب النمر، والذي شهد تقدم القوات التركية في عمق العراق.

وقال الجيش العراقي، الثلاثاء، إن ضربة جوية تركية في شمال البلاد قتلت عنصرين من حرس الحدود العراقي وسائقهما، واصفا الهجوم بأنه اعتداء سافر.

وقالت وزارة الخارجية العراقية حينها إن بغداد ألغت زيارة لوزير الدفاع التركي إلى البلاد، واستدعت السفير التركي لإبلاغه “برفض العراق المُؤكّد لما تقوم به بلاده من اعتداءات وانتهاكات”.

وردّت وزارة الخارجية التركية في بيان أن وجود حزب العمال الكردستاني يهدد العراق أيضا، وإن بغداد مسؤولة عن اتخاذ إجراءات ضد المسلحين لكن أنقرة ستدافع عن حدودها إذا سُمح بوجود تلك الجماعة الكردية.

الموقف الفرنسي يتيح لبغداد فرصة استثمار العداء بين باريس وأنقرة لتدويل قضية الانتهاكات التركية للسيادة العراقية

وأضافت الوزارة “بلادنا مستعدة للتعاون مع العراق بشأن هذه القضية، ولكن في حال التغاضي عن وجود حزب العمال الكردستاني في العراق، فإن بلادنا مصممة على اتخاذ الإجراءات التي تراها ضرورية لأمن حدودها بغض النظر عن مكانها”.

وعلى صعيد دولي ندّدت الخارجية الفرنسية على لسان متحدث باسمها “بهذا التطور الخطير الذي يجب توضيحه بشكل كامل”.

وقال المتحدّث “إنه كما ذكّر وزير الخارجية جان ايف لودريان في بغداد في 16 يوليو الماضي، فإن فرنسا حريصة بشدّة على الاحترام الكامل للسيادة العراقية وتدين أي خرق لهذه السيادة”.

وخلال السنوات الماضية تطوّر التدخل العسكري التركي في الأراضي العراقية حيث وسعت القوات التركية من دائرة ملاحقتها لعناصر حزب العمال لتشمل مناطق جديدة مثل جبل سنجار داخل العمق العراقي، كما أقام الجيش التركي قاعدة ثابتة له في منطقة بعشيقة قرب مدينة الموصل ورفضت أنقرة إخلاءها رغم مطالبات بغداد المتكرّرة بذلك.

ولا يملك العراق الكثير من الأوراق لصدّ الاعتداءات التركية على أراضيه، ويكتفي بالقنوات الدبلوماسية التي تأكّد عدم جدواها إزاء السياسات الخشنة والمتصلّبة التي ينتهجها الرئيس التركي في أكثر من منطقة بالإقليم بما في ذلك تدخّله عسكريا في سوريا وفي ليبيا.

وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف الخميس بأن وزير الخارجيّة فؤاد حسين أجرى اتصالات عِدّة مع نظرائه العرب على خلفيّة الاعتداء التركيّ السافر الذي تسبّب بمقتل ضابطين وجنديّ من الجيش العراقي كانوا يقومون بمهمة لبسط الأمن على الشريط الحُدُوديّ مع الجانب التركيّ شمالي البلاد.

وذكر الصحاف أن هذه الاتصالات تأتي في “إطار إحاطة الأشقاء العرب بتفاصيل هذا الاعتداء وأهمّية تضافر الجُهُود العربيّة إزاء هذه التطوّرات الخطيرة في الموقف الأمنيّ مع الجارة تركيا، والخُرُوج بموقف مُوحّد يُلزم الأتراك بعدم تكرار هذه الانتهاكات، وسحب قواتهم المُتوغّلة في الأراضي العراقيّة”.

وذكر أن الوزير العراقي اتصل بكل من أمين عام جامعة الدول العربيّة أحمد أبوالغيط، كما اتصل بنظرائه، وهم سامح شكري وزير الخارجيّة المصريّ، وأيمن الصفدي وزير الخارجيّة الأردنيّ، والأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجيّة السعوديّ، ووزير الخارجيّة الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح.

وأوضح أنّ “الأشقاء العرب أكدوا دعم بلدانهم الكامل لأمن وسيادة العراق، وإدانة الاعتداءات التركيّة وضرورة الوقف الفوريّ لأي عمليات عسكرية تركيّة على الأراضي العراقيّة”.

العرب