أيام قليلة، ويحلّ رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، ضيفاً على البيت الأبيض، بناءً على «دعوة رسمية» أمريكية. وبحسب البيان الصادر عن متب رئيس الوزراء، فإن «الكاظمي سيلتقي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الـ20 من شهر آب/ أغسطس الجاري». أمّا جدول الأعمال، فيتمحور حول «ملفّات العلاقات الثنائية، والقضايا ذات الاهتمام المشترك، والتعاون في مجالات الأمن والطاقة والصحّة والاقتصاد والاستثمار، إضافة إلى التصدّي لجائحة كورونا، والتعاون الثنائي بما يخدم المصالح المشتركة.
وكان وزير الخارجية فؤاد حسين أعلن في وقت سابق أن الكاظمي سيزور واشنطن لاستكمال الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية. وكانت الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين البلدين بدأت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة وعلى مستوى الخبراء في 11 حزيران/يونيو الماضي على أن تستأنف خلال زيارة الكاظمي إلى واشنطن.
وتعد زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالغة الأهمية، فقد مر العراق مر بتحديات صعبة خلال عام 2019 وكان وصول الكاظمي للحكم أعطى أملا للقوى المجتمعية في أن هناك تغييرا في نوعية الحكم والعمل لمرحلة انتقالية باتجاه استعادة الدولة ووضع الجهاز الحكومي مرة أخرى على السكة الصحيحة.
وأن الحكومة العراقية تفكر في كيفية تجاوز الأزمات في الاقتصاد وجائحة كورونا وبناء بنية تحتية جديدة في مجال الكهرباء والماء واستخدام التكنولوجيا العسكرية في مواجهة فلول داعش الإرهابي والتهديدات المحلية للأمن الداخلي.
وأن رسائل الفصائل الخاصة مستمرة عبر هجمات متفرقة على المصالح الأميركية في العراق، ولذلك يحتاج العراق لحوار ومسار باتجاهين كي تعرف الحكومة العراقية مساحة العلاقة وعوامل الارتباط لأنها ورثت عرفًا غريبة من الحكومات السابقة وهي عدم البوح بصورة شفافة عن مسار العلاقات العراقية – الأميركية، فكلما تكون الحكومة العراقية واضحة في مساراتها ستدعم من قبل القوى المختلفة.
في أروقة كواليس القوى السياسية الجميع يريد علاقة جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية تساعد البلاد وتدفع الأمور نحو أفق جديد لكن ما بين هذه الرؤى تجد تيار الممانعة الرافض لتطوير العلاقات العراقية – الأميركية نتيجة الصراع الأميركي – الإيراني هو الذي يرفض هذا المسار.
أما الأمريكيون يجدون أن العلاقات العراقية – الأميركية لا بد أن تسير نحو أفق جديد تبدأ من حيث تجمدت أغصان شجرة العلاقة على الجانب الاقتصادي والطاقة بالإضافة إلى الجانب الأمني والسياسي.
وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، “أن الزيارة المفاجئة التي قام بها قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني، إلى بغداد، ولقائه بالمسؤولين العراقيين وقادة الكتل النيابية، فقد اقتصرت زيارته على رسالة واحدة وهي التأكيد على أهمية خروج القوات الأمريكية من العراق”.
بدوره قال القيادي في “جبهة الإنقاذ العراقية”، أثيل النجيفي، إنّ “التدخل الإيراني في الشأن العراقي ليس بجديد، وزيارة الكاظمي، للولايات المتحدة شأن عراقي، وهي زيارة تخص علاقة دولتين فقط، فلا دخل لطهران بتلك الزيارة، خصوصاً أن هذه الزيارة مهمة جداً لوضع العراق الحالي، فالعراق بحاجة إلى الدعم والإسناد الأميركي، على مختلف الأصعدة، لغرض مواجهة التحديات المقبلة”.
وأضاف أنّ “زيارة قاآني إلى بغداد، ليست الأولى، وربما ليست الأخيرة، في حال استمر النفوذ الإيراني المسيطر على الدولة العراقية، ولهذا يجب إنهاء هذا النفوذ، ومن الممكن جداً تقديم الولايات المتحدة الأميركية، الدعم الكافي للكاظمي، لمواجهة هذا النفوذ وتحجيمه، دون أن تتدخل واشنطن بمحاربة هذا النفوذ بشكل مباشر”.
تسعى طهران وحلفاءها في العراق، بكل ما يملكون من أجل جعل زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى الولايات المتحدة الأميركية، لصالحهم، ولهذا هم حالياً يضغطون بالعمليات العسكرية ضد التحالف الدولي في المدن العراقية المختلفة، فهذه جزء من أوراق الضغط على الكاظمي وحكومته.
وأنّ قاآني جاء إلى بغداد، بعد فشل حلفاء طهران السياسيين في بغداد، في تغيير بوصلة زيارة الكاظمي إلى واشنطن لصالح طهران، وجاء بنفسه للضغط، وحتى ربما الترغيب أو التهديد، لكسب الزيارة لصالح إيران، وعدم جعل هدف الزيارة، محاربة النفوذ الإيراني، هذا الملف سوف يتصدر ملفات الكاظمي خلال لقائه ترامب والإدارة الأميركية. ولكن بحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية فإن ملفات الكهرباء والنفط والاستثمار ستكون في مقدمة أي اتفاق بين الدولتين.
كما ستبدأ يوم الثلاثاء صباحًا جولة جديدة من محادثاث “الإطار الإستراتيجي” بين المسؤولين العراقيين والأمريكيين في واشنطن، وسوف يضطلع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على نتائج هذه المباحثات حال في وصوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولا يخفى أن بغداد ترغب في إنجاح الزيارة لأسباب عديدة، لعلّ أبرزها:
1 – إنضاج التفاهم الأمني العراقي – الأميركي، وخصوصًا أن الزيارة ستتخلّلها الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والذي تتطلّع بغداد إلى أن يفضي إلى توقيع مذكّرة نهائية، بُعيد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية (مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل).
2 – الحفاظ على التوازن في العلاقات الإقليمية والدولية، خصوصًا ما بين طهران وواشنطن.
3 ــــ الاستمرار في جهود الوساطة بين إيران والولايات المتحدة، مع انطلاق جولة جديدة من اللقاءات الإيرانية – الأميركية في العاصمة العُمانية مسقط مطلع الشهر الجاري.
يضاف إلى تلك العوامل الثلاثة، ما جرى، أخيرًا، في العاصمة اللبنانية بيروت، والذي من شأنه، وفق المصادر نفسها، توليد تحوّلات كبيرة، ليس في لبنان فقط، بل في المنطقة أيضاً. تذهب المصادر، في هذا السياق، إلى القول إن «بعض اللاعبين المحليين (العراقيين) في طور السقوط»، مقابل «وجوه وقوى أخرى سيتعزّز حضورها، وثالثة جديدة ستظهر على الساحة بغطاء إقليمي ودولي». كذلك، تعتقد بغداد أن الفرصة سانحة الآن للعب دور أكبر في الإقليم، وخصوصاً أن رئيس الحكومة الحالي يمتلك خطوط تواصل مع مختلف العواصم المتصارعة.
ومن هنا، تبدو مفهومة مسارعة الكاظمي إلى مدّ يد العون للبنان، وتوجيهه بإرسال شحنات من «الغاز أويل» والحنطة إلى البلد المنكوب. لقيت هذه الخطوة ترحيباً في طهران التي وجدت فيها خرقاً للحصار الأميركي المفروض على لبنان، ومقدّمة لإخراج الأخير من أزمته، بينما لم يظهر أن ثمّة سخطاً في واشنطن على قرار الحكومة العراقية، على رغم كسره خطّاً أحمر أميركياً. أما في الداخل العراقي، فقد رحّب أطراف عديدون بالمبادرة الحكومية تجاه بيروت، ووجدوا فيها سبباً إضافياً لتدعيم دعوتهم إلى ترشيح الكاظمي لولاية ثانية.
خلاصة القول أن هذه الزيارة مرحب بها من قبل الإدارة الأمريكية، وإنها سوف تدعم حكومة الكاظمي للقيام بالإصلاحات المطلوبة التي يحتاجها النظام السياسي في العراق، فهي زيارة مهمة للحكومتين العراقية والأميركية خصوصا أن ما يتم النقاش فيه سوف يحدد مسار العلاقات الثنائية والإقليمية للعراق وسوف تؤثر على الأحداث السياسية في المرحلة القادمة. أنه في الوقت الذي من المتوقع أن تحدد هذه الزيارة دور الولايات المتحدة الأمريكية وقوات التحالف الدولي في العراق فإنها سوف تثير جدلا داخليا كبيرا من المعارضين للحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وحدة الدراسات العراقية