بعد ثلاثة أشهر ونصف من انطلاق عملية “إيريني” الأوروبية لمراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، أرسلت ألمانيا سفينة حربية للمشاركة فيها، رغم تحفظ كل من الحكومة الليبية الشرعية وتركيا ومالطا على العملية بسبب انحيازها، وهو الأمر الذي تشاطرهم فيه الولايات المتحدة الأمريكية.
وتصنف ألمانيا من البلدان المحايدة في الملف الليبي، لكن مشاركتها “العملية” في إيريني، سيضعها في صف الدول الأوروبية الداعمة لمليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، على غرار فرنسا واليونان.
وفي 4 أغسطس/ آب الجاري، انطلقت الفرقاطة الألمانية “هامبورغ” وعلى متنها نحو 250 عسكريا متجهة إلى البحر المتوسط للمشاركة في “إيريني” لمراقبة حظر تصدير السلاح إلى ليبيا وكذلك منع تهريب النفط، ومن المنتظر أن تعود إلى بلادها في 20 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بحسب موقع “دي دبليو” الألماني الحكومي.
ويأتي ذلك بعد أن منح البرلمان الألماني جيش بلاده تفويضاً في مايو الماضي، يمكّنه من المشاركة بما يصل إلى 300 جندي ضمن “إيريني”، ويستمر هذا التفويض حتى نهاية أبريل/ نيسان 2021.
وأثار هذا الأمر حفيظة تركيا، حيث صرح وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو، في 6 أغسطس، من العاصمة الليبية طرابلس، “إيريني عملية متحيزة.. وألمانيا هي الدولة التي استضافت مؤتمر برلين، ولذا يجب أن تكون محايدة وموضوعية”.
وبنبرة فيها تحذير لبرلين، أوضح تشاووش أوغلو، أنه “إذا شاركت (ألمانيا) في عملية متحيزة، فسوف تفقد حيادها. وبالتالي، لن يكون لمؤتمر برلين شرعية بعد الآن”، وشدد أن مشاركتها في إيريني، جعلت الوضع في ليبيا “أكثر تعقيدا”.
وانضمت مالطا والحكومة الليبية الشرعية إلى تركيا في تحفظها على عملية إيريني، وأصدروا بيانا مشتركا في هذا الصدد.
هذا يعني أن ألمانيا توشك أن تصبح جزءا من الأزمة بدلا من أن تكون جزءا من الحل، وأن مؤتمر برلين، الذي عقد في يناير/ كانون الثاني الماضي، وأقره مجلس الأمن الدولي، قد يصبح حبرا على ورق إن فقدت برلين حيادها وانحازت لأحد الأطراف دون الآخر.
فمنذ انطلاقها في مايو/ أيار الماضي، لم تتخذ إيريني أي موقف جاد لمنع كل من الإمارات ومصر وروسيا ودول أخرى من تزويد مليشيات حفتر بالأسلحة والمرتزقة برا وجوا، في حين كان التركيز على تركيا ومحاولة التحرش بسفنها خاصة من فرنسا واليونان.
لكن أكثر من كان صريحا في انتقاد انحياز “إيريني”، هي الولايات المتحدة، حيث قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية ديفيد شينكر، إن عمليات “الحظر الوحيدة التي يقومون بها (الأوروبيون) تستهدف معدات عسكرية تركية” فقط.
وأشار شينكر إلى الصمت الأوروبي إزاء الدور الذي يلعبه مرتزقة شركة فاغنر الروسية في ليبيا، وعلق ساخرا “ربما يخشون من الرد الروسي”. وأضاف: “لكن ما لم يلعبوا دورا أكثر قوة أو أكثر جدية، فسيطول الأمر”.
فخلال شهر واحد فقط، هبطت 110 طائرات عسكرية في ليبيا محملة بالأسلحة والمرتزقة لدعم مليشيات حفتر، بحسب خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، لكن هذا لم يحرك في الدول الأوروبية ساكنا بما فيهم ألمانيا، إلا بشكل محدود ومحتشم.
وإذا كانت أوروبا وعلى رأسها ألمانيا عاجزة عن رؤية أو منع عشرات أو مئات الطائرات العسكرية التي وصلت إلى مطارات شرق ليبيا خلال الأشهر الأخيرة، ناهيك عن الشاحنات التي تنقل أسلحة وذخائر من مصر إلى مليشيات حفتر، فكيف يمكن لإيريني أن يكتب لها النجاح في ظل هذا الانحياز الفاضح؟
فأوروبا بدون دعم أمريكي صريح، لا يمكنها ردع نشاط مرتزقة فاغنر، لكن بإمكانها الضغط على الإمارات ومصر والسعودية والأردن لوقف دعمهم العسكري والمالي لحفتر.
لكن فرنسا التي تساهم بشكل أساسي في “إيريني” منحازة بشكل واضح لحفتر وسبق أن دعمته بصواريخ جافلين المضادة للدروع، كما تبين ذلك عند تحرير مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، فلا يمكن تصور أن تقف فجأة على الحياد.
فباريس تعيش حالة تناقض في ليبيا، وهي غير مقنعة للمجتمع الدولي، لكن دخول ألمانيا إلى معترك هذا النزاع سيعزز موقف فرنسا المنحاز، فيما ستخسر برلين بالمقابل مصداقيتها.
تحاول ألمانيا، غير المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، أن يكون لأوروبا كلمة في ليبيا بعد أن سحبت تركيا وروسيا البساط منها، من خلال حضورها العسكري قبالة الشواطئ الليبية.
وقد يؤدي نجاح الجهود الأمريكية في إنشاء منطقة منزوعة السلاح ما بين محافظتي سرت والجفرة (وسط) في تمكن أوروبا من إرسال قوات لتأمين هذه المنطقة.
فالهدف الأوروبي في الأساس، محاولة التموقع بين اللاعبين الكبار في ليبيا، والتأكيد على ثقلها في منطقة حساسة جنوب البحر المتوسط.
وفي محاولة لمغازلة مالطا، التي سحبت دعمها لعملية إيريني بسبب تجاهلها من الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة، أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الفرقاطة “هامبورغ” ستساعد اللاجئين الذين يحتاجون إلى المساعدة في البحر وأن المهاجرين الذين سيتم إنقاذهم لن يتم نقلهم إلى البر المالطي أو الإيطالي، وإنما إلى اليونان، ومن ثم يتم توزيعهم على بقية الدول الأوروبية، بحسب الخارجية الألماني.
لذلك ليس من المستبعد أن تتحول إيريني إلى عملية صوفيا 2، المتعلقة بمكافحة الهجرة غير النظامية، بالنظر إلى الخلافات العميقة بين دولها، وعدم امتلاكها القدرة والتصميم، وانحيازها لمليشيات حفتر سيفقد مؤتمر برلين شرعيته الدولية.
(الأناضول)