بانتظار قرار المحكمة الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 هناك شعور بأن القرار لن يحقق العدالة. ففي قلب التحقيق أربعة متهمين من حزب الله لكن وكلاء النيابة لم يحددوا أبدا من قام بإصدار أمر الاغتيال.
وفي تقرير لمارليس سيمونز بصحيفة “نيويورك تايمز” قالت إن المحكمة الخاصة في اغتيال الحريري ستبدأ اليوم الثلاثاء بالإعلان عن قراراتها بشأن اللبنانيين الأربعة المتهمين بالمشاركة في عملية الاغتيال وهم سليم جليل عباس وحسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا وكلهم من حزب الله وجرت محاكمتهم غيابيا.
ومن المتوقع أن يجري إصدار الأحكام على مدى ساعات. ويتهم عياش، 56 عاما، بتنسيق فريق عملية التفجير، أما صبرا وعنيسي 46 عاما فهما متهمان بإرسال فيديو مزيف نيابة عن شخصية غير موجودة. ويتهم مرعي، 54 عاما، بالمشاركة العامة في المؤامرة. ولأنه لم يجر اعتقال المشتبه بهم أو إحضارهم للمحكمة فقد جرت محاكمتهم غيابيا، وهي ممارسة غير معروفة في المحاكم الدولية لكنها مسموحة في إطار القانون اللبناني.
كانت الشخصية الرئيسية في العملية هي مصطفى بدر الدين، الزعيم المخضرم في وحدة العمليات الخاصة للحزب، إلا أنه قتل في سوريا عام 2016
وكانت الشخصية الرئيسية في العملية هي مصطفى بدر الدين، الزعيم المخضرم في وحدة العمليات الخاصة للحزب والذي كان من ضمن المتهمين في المحاكمة التي بدأت عام 2014 إلا أنه قتل في سوريا عام 2016 مما أخرجه من القضية. إلا أن النيابة مع ذلك وجهت له اتهاما كدليل على دور حزب الله الرئيسي في العملية. وفي المرافعة النهائية عام 2018 قال وكيل النيابة عن بدر الدين إنه “قائد عسكري لحزب الله من الصف الأول” و”أشرف بدر الدين وخطط للعملية”.
وطلب لبنان تشكيل المحكمة الخاصة وشكلت في بلدة خارج هيغ وليس بيروت لأسباب أمنية وانتقدت لأنها ركزت على “مشاة” بدلا من تحديد الجهات المسؤولة عن الاغتيال الذي هز لبنان ومعظم الشرق الأوسط. وبعد ستة أعوام من المحاكمة والتي شارك فيها قضاة من أستراليا وجامايكا ولبنان يظل السؤال هو من قتل الحريري؟ ولم تتم الإجابة عليه. وكان موعد إصدار القرار هو 7 آب/أغسطس إلا أن الانفجار الهائل الذي دمر معظم العاصمة وقتل فيه 170 شخصا وجرح حوالي 6.000 شخص أدى إلى تأجيله.
وبعد مقتل الحريري مباشرة عام 2005 وجهت أصابع الاتهام إلى سوريا. وكان الحريري، رجل الأعمال الثري والسياسي السني البارز، قد أنهى قبل أشهر فترته الخامسة كرئيس للوزراء احتجاجا على تدخل سوريا في بلاده. وبحسب المقربين منه تصادم الحريري مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، ولكنه قرر الترشح مرة ثانية لرئاسة الوزراء. وكان يريد إنهاء الوجود العسكري والأمني في سوريا بعد ثلاثة عقود في لبنان، إلا أن الهجوم الوقح جلب أكثر من مليون متظاهر إلى الشوارع وأجبروا مع الشجب الدولي القوات السورية على الانسحاب من لبنان. ونفت سوريا أي دور في الاغتيال.
وفي حالة إدانة الأربعة فسيتم تحديد مدد سجنهم في موعد آخر، ولكن لن يدخلوا السجن خاصة أنهم اختفوا عن الأنظار. ورفض زعيم حزب الله، حسن نصر الله، المحكمة بأنها أداة في يد أعدائه وهدد بملاحقة أي أحد من أتباعه يتعاون معها. وقال في وقت المحاكمة: “المحكمة لا تعني شيئا لنا ولا قيمة لأحكامها”.
يقول النقاد إن تحديد المسؤولية في أربعة متهمين يتناقض مع نتائج التحقيقات التي قام بها محققون أرسلتهم الأمم المتحدة بعد عملية الاغتيال
ويقول النقاد إن تحديد المسؤولية في أربعة متهمين يتناقض مع نتائج التحقيقات التي قام بها محققون أرسلتهم الأمم المتحدة بعد عملية الاغتيال. وفي التقرير الأول عن القتل وصف الاغتيال بأنه مؤامرة تطلبت “دعما لوجيستيا جوهريا” ودعما ماليا كبيرا و”دقة عسكرية في التنفيذ” كما قال المحقق الألماني الذي قاد التحقيق الثاني ديتليغ ميليس. وانتهى تحقيقه بعد ستة أشهر عام 2005 بقائمة متهمين من 20 متهما بمن فيهم مسؤولون أمنيون لبنانيون وسوريون بارزون.
وقال دبلوماسيون إن المحقق الألماني أنهى مترددا تحقيقه بعدما حذر من محاولتي اغتيال ضده. وقتل على الأقل مسؤولا أمن لبنانيان بارزان ساعدا في التحقيق. ولأنهم لم يكونوا قادرين على تقديم إثباتات عمن أمر بالاغتيال فقد اكتفوا برسم صورة عامة عن دوافع الجريمة. وأخبر أحد وكلاء النيابة وهو نايجل بوفوس المحكمة أن حجم العملية “يشير بدون شك إلى هدف سياسي” وربط عملية اغتيال الحريري بتدخل دمشق الطويل في البلد.
وقال بوفوس: “نظر الذين دعموا الوجود السوري للحريري بأنه تهديد على مصالحهم وأمنهم وأنه وكيل عن الغرب” و”هذا هو السبب وراء الدافع غير الشخصي وراء الاغتيال”. ونظرا لعدم وجود شهود عيان فقد بنى المحققون قضيتهم على أدلة عرضية. ومعظمها قام على تسجيل مكالمات من الهواتف المحمولة التي استخدمت في عملية الاغتيال وسجلت في المناطق القريبة من مكان الحادث. وتشمل على مكالمات يقول المحققون إنها سجلت بعد مغادرة الحريري منطقة البرلمان وتحرك باتجاه الكمين القاتل قرب شاطئ بيروت.
وعينت المحكمة محامين للدفاع عن الأربعة وطالبوا بتبرئتهم قائلين إنه لا توجد أدلة عن استخدام موكليهم هواتف نقالة كما أورد وكلاء النيابة. فالسجلات الإلكترونية كما قالوا يمكن أن تكشف عن المكان والتاريخ والوقت ولكنها لا تؤكد هوية المستخدمين لعدم وجود تسجيلات أو تنصت، فقط رسائل نصية.
وحتى بعد صدور الحكم فلن تنته المحكمة لأن المحامين سيقومون بالاستئناف. وتم فتح قضية إرهاب ضد عياش لكن صلاحيات المحكمة الخاصة محدودة بالفترة ما بين 2004- 2005 وتركيزها الأساسي هو على اغتيال الحريري. وتم طرح أسئلة حول كلفة فريق المحكمة المكون من 400 محام وقاض بمن فيهم وكلاء النيابة و11 قاضيا متفرغا يشاركون في القضية.
ودفع لبنان بدعم من السعودية نصف ميزانية المحكمة، البالغة 60 مليون دولار، أما النصف الثاني فهو طوعي من الدول الغربية والخليجية. وبالنسبة للنقاد فالميزانية الكبيرة لا تبرر المحاكمة الرمزية غيابيا. وقال ماثيو ليفيت، الخبير في حزب الله بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إنه يشعر بنفس الإحباط حول المحاكمة الغيابية للمشتبه بهم.
القدس العربي