حاولت إيران تسويق رفض مجلس الأمن الموافقة على مشروع القرار الأميركي بتمديد الحظر على مبيعات الأسلحة لإيران والمنصوص عليه في قرار مجلس الأمن 2231، والمقرر أن ينتهي في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، باعتباره نجاحاً لدبلوماسيتها وتأريخاً لوقوفها أمام الغطرسة الأميركية بحسب تصريحات الرئيس الإيراني. لكن، واقع الأمر، أن رفض مجلس الأمن مشروع القرار الأميركي، هو نتاج علاقة الولايات المتحدة بالأطراف الدولية الأخرى، أي أنه دليل على عزلة الإدارة الأميركية على خلفية توتراتها مع حلفائها الأوروبيين، فضلاً عن الخلاف مع روسيا والصين. ومع ذلك، لم يكن رفض مجلس الأمن مفاجئاً للولايات المتحدة التي كانت أعلنت منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي أن لديها مسارَيْن في هذا المضمار، أحدهما مشروع القرار الأميركي لمجلس الأمن والآخر تفعيل آلية “سناباك” المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة الموقعة عام 2015 بين إيران ومجموعة 5+1، التي تعني إعادة فرض العقوبات على إيران فور تحريك طلب من إحدى الدول الموقعة على الاتفاق معها بأنها لا تلتزم ببنوده، ونظراً إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، تجادل روسيا والصين بعدم أحقّية واشنطن في تفعيل تلك الآلية.
المؤكد أن الأمر سيثير إشكالية وجدلاً قانونياً حول هذه المسألة، لكن من جهة أخرى لن تتوقف الأمور على حسم هذا الجدل، بل سيكون هناك حوار حول إبطاء عملية بيع روسيا والصين أسلحة لإيران، والحوار المباشر الذي ستكون الولايات المتحدة أو إسرائيل أحد طرفيه للحدّ من تحقّق هذا السيناريو.
فالمعروف أن روسيا والصين المورّدان الرئيسان للأسلحة لإيران، ومن ثم لديهما رغبة في تأمين عقود جديدة معها، ولا يفوت هنا الاتفاق الأخير طويل الأمد بين طهران وبكين للتعاون الاقتصادي والعسكري الذي تستهدف الأخيرة في جزء منه الانخراط في الشرق الأوسط.
أما الجانب الأوروبي، فامتنع عن التصويت ليس دعماً لإيران، بل تخوّفاً من انهيار الاتفاق النووي، فالاتفاق بالنسبة إليهم يمنح فرصة للمجتمع الدولي لمراقبة الأنشطة النووية الإيرانية ومنعها من امتلاك السلاح النووي من جهة، ومن جهة أخرى يجعل مسار الحوار معها مستمراً لضمان عدم جنوح سياستها الإقليمية، والمؤكد أن جميع الأطراف الأوروبية والروس والصينيين يدركون خطورة رفع حظر الأسلحة عن إيران، وأنه عامل محفّز لزعزعة الاستقرار في المنطقة المتوتّرة أساساً، إذ سيمنح طهران مساحة حركة في السوق العالمية للأسلحة، وسهولة نقلها لوكلائها في المنطقة، ومع ذلك كان موقف تلك الدول في مجلس الأمن في جزء كبير منه رداً على سياسات الرئيس دونالد ترمب الخلافية معها.
على الجانب الآخر، فإنّ الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف حاولا تسويق قرار مجلس الأمن بعدم تمديد الحظر على بلدهما باعتباره نجاحاً لنهجهم المتمسّك بالاتفاق النووي في مواجهة المتشدّدين في الداخل الإيراني الذين وقفوا ضد الاتفاق، ومع ذلك، فقد قامت مجموعة من النواب المتشدّدين في مجلس شورى النواب بصياغة قانون من شأنه أن يلزم حكومة الرئيس روحاني الانسحاب من الاتفاق النووي، ووقع بالفعل حوالى 49 نائباً على مشروع القانون المُسمّى بـ “الانسحاب التلقائي”، الذي يستوجب انسحاب إيران من الاتفاقية في غضون 72 ساعة بعد إعادة فرض قرارات مجلس الأمن الخاصة بالعقوبات ضدها في حال تفعيل آلية “سناباك”، فالانتقادات من تيار المتشدّدين في الداخل الإيراني مستمرة ضد روحاني باعتبار أن الاتفاق لم يرفع العقوبات بالكامل وأنه مليء بالثغرات التي تحاول الولايات المتحدة توظيفها الآن، كما يعتبر المتشدّدون أن الاتفاق واقعياً قد انتهى بفعل العقوبات الأميركية المستمرة على إيران منذ حوالى عامين، وبالنسبة إليهم، فإنّ موقف مجلس الأمن ناتج من موقف المجتمع الدولي حيال سياسة الرئيس ترمب ما قلّل قدرته في تحقيق إجماع على المشروع الأميركي.
لا شك أنّ التوتّرات ستزداد بين إيران والولايات المتحدة، ولكن من دون التصعيد الذي لن ترغب فيه الإدارة الأميركية التي تستعدّ للانتخابات الرئاسية، ولكن في المدى القصير يمكن القول إنه إلى جانب مسار “سناباك”، هناك مسار آخر حال عدم قابلية تحريك “سناباك” سيتّبعه الرئيس ترمب وهو تشديد الإدارة الأميركية جهودها لفرض المزيد من العقوبات أحادية الجانب على إيران.
وتنبغي الإشارة إلى أنّ القرار الأميركي الذي رفضه مجلس الأمن كان جزءاً من استراتيجية الولايات المتحدة لحرمان طهران من أي فائدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، واستهداف الاتفاق بشكل كامل وانهياره لإجبار إيران على مفاوضات جديدة، لكن هذا الأمر يعتمد على عوامل عدّة منها، موقف الأطراف الأخرى الموقِّعة على الاتفاق، وموقف إيران الفترة المقبلة ومدى إقدامها على سياسات متهوّرة ومستفزّة، وبالطبع نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية.
هدى رؤوف
اندبندت عربي