في 9 أغسطس (آب) قبل 75 عاماً، ألقت الولايات المتحدة قنبلة ذرّية على مدينة ناغازاكي اليابانية. جاء ذلك بعد ثلاثة أيام من تعرّض هيروشيما لمصير مماثل في 1945. قتلت القنبلتان في ذلك الوقت عدداً تراوح بين 110000 و210000 شخص، بينما لقي آلاف آخرون حتفهم خلال الأشهر والسنوات التالية بسبب الإصابات التي لحقت بهم نتيجة الانفجارين، فضلاً عن آثار الإشعاع المستمرة.
لقد بدأ العصر النووي بتلك القنبلتين، وهما تُعتبران ضئيلتين مقارنة بنحو 14000 واحدة أخرى لا تزال في مخزون الولايات المتحدة إلى اليوم. كما أن نظيراتهما الحديثة تتميّز بقوة تدميرية أكبر بآلاف المرات، وإذا استُخدمت يوماً، ستكون لها عواقب وخيمة على الجنس البشري بأكمله.
وبعد 75 عاماً، لا يزال بلوغ الهدف الطويل الأجل لتحقيق عالم خالٍ من الأسلحة النووية عبارة عن طموح بعيد المنال، وهناك أسباب عدّة تدعو إلى الاعتقاد بأن مستوى المخاطر المرتبطة بالأسلحة النووية آخذٌ في الارتفاع.
هناك توترات متنامية بين القوى العالمية. وتتعرّض حالياً العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، القوتان النوويتان العظيمتان، إلى ضغوط كبيرة، وتعمل كلاهما على تحديث ترساناتهما النووية. بالموازاة مع ذلك، أثارت المنافسة الاستراتيجية بين أميركا والصين مخاوف من اندلاع حرب باردة جديدة، إذ إنّ هناك مجموعة من الخلافات بين البلدين التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات.
في غضون ذلك، بدأت الآليات الدولية للحدّ من الأسلحة ونزع السلاح في الانهيار. ففي عام 2019، انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة “القوى النووية متوسطة المدى” Intermediate-Range Nuclear Forces treaty، متهمةً روسيا بعدم الامتثال. ويُذكر أن المعاهدة كانت قد فرضت حظراً على الصواريخ القادرة على حمل أسلحة نووية، التي تُطلق من الأرض ويتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر. كما انسحبت الولايات المتحدة من “معاهدة الأجواء المفتوحة” Open Skies Treaty، التي سمحت بالمراقبة المتبادلة لأراضي كل دولة. ومن المقرر أن تنتهي في فبراير (شباط) 2021 معاهدة “ستارت الجديدة” The New Start agreement، وهي آخر قيد مفروض على ترسانتَيْ الولايات المتحدة وروسيا. وعلى الرغم من التطور الإيجابي المتمثل في انطلاق المفاوضات بشأن المعاهدة الأخيرة، من غير الواضح إطلاقاً ما إذا كانت ستُمدَّد.
كان هناك تقدم ضئيل في مبادرات أخرى للحدّ من التسلح ونزع السلاح عالمياً. كما كانت هناك تحديات لجهود منع الانتشار النووي. فقد كان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران خطوة إلى الوراء، أضعفت الجهود المبذولة لتجنّب الانتشار النووي في المنطقة. وفشلت الجهود كذلك في ثني كوريا الشمالية عن السعي لحيازة أسلحة نووية، إذ أجرت ست تجارب لرؤوس حربية نووية منذ عام 2006.
وبصورة أعمّ، تهدّد التقنيات الجديدة بخلخلة توازن الوضع القائم بين الدول النووية، في حين أن هناك مخاوف متزايدة بشأن الأمن السيبراني لأنظمة الأسلحة النووية.
لذا فإنّ هناك حاجةً ماسة لإعادة تنشيط الأجندة العالمية الخاصة بمنع الانتشار النووي وتقليل مخاطر استخدام الأسلحة النووية. ولهذا السبب، سيضع حزب العمال البريطاني جهود الحد من التسلح ومنع الانتشار في صميم التزامه ببناء السلام في إطار سياسته الخارجية.
تتطلّب معالجة المخاطر النووية المتزايدة الالتزام السياسي والحنكة في إدارة مقدرات البلاد نفسهما اللذين حقّقا في الماضي إنجازات في ميدان نزع السلاح. وباعتبارها واحدة من الدول الخمس التي يُسمح لها بحيازة الأسلحة النووية بموجب “معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية”، وعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن بريطانيا تتحمّل مسؤولية خاصة لدعم جهود منع الانتشار ونزع السلاح. لذا نحن بحاجة للدفاع عن أهمية الحوار والدبلوماسية بدل التصعيد الخطابي، وهناك مجالات عدّة يمكن أن تتسلّم المملكة المتحدة فيها القيادة.
يجب علينا أن نتطلّع إلى استكمال “معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية”، لأنه من شأن أي تجربة للأسلحة النووية إلغاء الكثير من التقدم الذي شهدناه في مجال الحدّ من الأسلحة على مدى السنوات الستين الماضية. ففي ظل حكومة عمّالية، صادقت المملكة المتحدة على تلك المعاهدة. وإلى جانب بريطانيا، لم تصادق على المعاهدة أي دولة أخرى تملك سلاحاً نووياً سوى فرنسا وروسيا. ويجب أن تجدّد إنجلترا دفاعها عن المعاهدة.
في السياق ذاته، ينبغي أن نتطلع إلى تعزيز “معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية”. ومع مرور 50 عاماً عليها هذه السنة، تُعدُّ هذه المعاهدة الأهم في تاريخ نزع التسلّح النووي، ولكن هناك دولاً مهمة لا تزال خارج الاتفاقية لأنها لم توقع عليها. ويعتبر مؤتمر مراجعة المعاهدة لعام 2020، الذي أُرجئ عقده بسبب فيروس كورونا المستجدّ إلى عام 2021، فرصة مهمة لإنعاش أجندة نزع السلاح المتعدّد الأطراف وبحث عدم إحراز تقدّم في تنفيذ الالتزامات التي جرى عام 2010 التعهّد بتنفيذها.
ينبغي أن تنظر المملكة المتحدة في مبادرات جديدة في “مؤتمر نزع السلاح” وفي “معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية”، مثل تلك المتعلّقة بالحدّ من المواد الانشطارية أو المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة بشأن تهيئة البيئة لنزع السلاح النووي، وكذلك المبادرات الإقليمية مثل إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. كما أنه من الأساسي توجيه الاهتمام العالمي نحو الآثار المزعزعة للاستقرار المحتملة للتكنولوجيات الجديدة وما تنطوي عليه من نتائج بالنسبة إلى الأسلحة النووية.
لا يمكن السماح بتهميش أجندة حظر الانتشار النووي والحدّ من التسلّح بينما يصارع العالم ضد فيروس كورونا. فالجائحة يجب أن تكون بمثابة نداء صحوة للدول كي تعمل معاً من أجل السلم والاستقرار العالميَّيْن.
عام 2017، أصدرت “منظمة الاتحاد الياباني لمنظمة ضحايا القنبلة الذرّية والهيدروجينية”، المعروفة باسم هيباكوشا، بياناً بشأن اعتماد معاهدة حظر الأسلحة النووية في الأمم المتحدة. وجاء في البيان أن “الأسلحة النووية اخترعها البشر، وقد استُخدمت من قبل البشر. لذا يجب أن يكون البشر هم من يستطيعون القضاء عليها”.
ليس هناك أي حلول سهلة عندما يتعلّق الأمر بالحدّ من التسلح أو نزع السلاح النووي متعدّد الأطراف. لكن، مع خروجنا من جائحة كورونا إلى “الوضع الطبيعي الجديد،” يجب أن نعطي الأولوية لخفض التهديد الذي تشكّله هذه الأسلحة الكارثية ونعمل معاً لضمان أن الدمار الذي شوهد في يومَيْ 6 و9 أغسطس 1945، لن يحصل مرة أخرى على الإطلاق.
اندبندت عربي