كثير من الحذر الذي قيل أمس في أوساط الجيش الإسرائيلي. ومع أن الإحساس كان إيجابياً بعد نجاح ثان على التوالي من إحباط عملية أخرى لحزب الله، كان العلم بأن شيئاً لم ينتهِ، وبقي الحساب على الحدود الشمالية مفتوحاً.
لقد كانت الحادثة نفسها فشلاً لحزب الله. ومثلما حدث في “هار دوف” الشهر الماضي، فقد بحث التنظيم هذه المرة أيضاً عن هدف يكون تحت شفا التصعيد. وعليه، فقد اختار نمط عمل يمكنه أن يتحكم بنتائجه. وبخلاف العبوة، المقذوفة الصاروخية أو الصاروخ المضاد للدروع، والذي لا يمكن معرفة كم من الأشخاص سيصيب، فإن نار القناصة قد يكون مركزاً، والتأكد بأن جندياً واحداً فقط سيصاب. العين بالعين، ذاك الثأر الذي يسعى حزب الله لتنفيذه منذ قتل ناشط تنظيمه في غارة سلاح الجو في مطار دمشق قبل خمسة أسابيع.
تتركز خلايا قناصة كهذه منذ بضعة أسابيع على طول الحدود، بحثاً عن هدف. نجح الجيش الإسرائيلي حتى الآن في عدم إتاحة فرصة –ولو واحدة- أمام “حزب الله” . وأول أمس، عمل تحت هذا التهديد المتشدد، وتقرر بالقوة من وحدة المراقبة التي أرسلت لإصلاح خلل في أحد الأجهزة المنصوبة على الحدود، قرب منيرة – أن تعمل في ساعات الظلام.
لقد عملت هذه القوة مع علمها بالتهديد. تحركت بسرية، ولكن في مرحلة معينة كان يستوجب من أحد الجنود الكشف عن جزء من جسده كي يبدل العتاد الخرب. قناص حزب الله الذي كان ينتظر في أحد المنازل المتقدمة في قرية الحولة، لاحظه فأطلق رصاصتين. أخطأت الرصاصتان، ومع أن عملية إطلاق نار هذه تبدو –مهنياً- معقدة للغاية بالنسبة للقناص، حيث لا يرى الهدف إلا لثانية فقط، ولكنها بالنسبة لتنظيم ينتظر منذ هذه اللحظة منذ أسابيع طويلة، فإنها نتيجة سيئة له وفشل عملياتي مدوٍ، ليس أقل.
لقد احتاج الجيش الإسرائيلي وقتاً كي يفهم أن الحدث انتهى هنا. ففي اللحظات الأولى، كانوا يعتقدون بأنه تمويه لعملية أخرى في قاطع آخر، ولهذا فقد وجه السكان للدخول إلى المجالات المحصنة. أغلق مجال الحدود وأطلقت إلى الجو عشرات قذائف الإنارة والدخان. وبعد ساعة طويلة، عادت الحياة إلى طبيعتها، ولكن ليس قبل أن يرد الجيش الإسرائيلي رمزياً بإصابة موقعي مراقبة لمنظمة “أخضر بلا حدود” – وهي منظمة إنسانية زعماً، ولكن كما كشفت إسرائيل في الماضي، هي منظمة تستخدم كغطاء لجمع المعلومات لحزب الله على الحدود مع إسرائيل.
حاول هذا الرد أن ينقل إلى حزب الله رسالة مزدوجة. الأولى، أن إسرائيل غير معنية بالتصعيد، ولهذا اختارت أهدافاً هامشية وعديمة المعنى بالنسبة للتنظيم. والثانية، أن إسرائيل ترد في الأراضي اللبنانية، لأول مرة منذ كانون الثاني 2015، ومن هنا فإنها سترد أيضاً على كل ضربة مستقبلية لها، وبقوى متصاعدة، وفقاً لشدة الضربة.
تأتي هذه الرسائل لتحذير حزب الله الذي ما زال يسعى للثأر على موت ناشطه في دمشق. بعد أن فشل في “هار دوف” وفشل وفي “منيره”، سيعود التنظيم ليبحث عن فرصة أخرى، على أمل النجاح في المرة الثالثة. ليس هناك شك لدى أي إسرائيلي بأنه إذا لم يتخلَ التنظيم عن الثأر حتى بعد المصيبة في بيروت، فلا احتمال في أن يفعل هذا الآن.
وهذا يستوجب من الجيش الإسرائيلي أن يبقي على حالة تأهب عالية في الحدود الشمالية لاحقاً أيضاً، مع العلم أن عليه فعل ذلك بينما يحافظ على نسيج الحياة المدنية في الفترة الحساسة لنهاية الصيف، أوائل الأعياد، مع سياحة ذروة وأعمال تجارية تحاول إعادة بناء نفسها من أزمة كورونا. هذا تحدٍ عملياتي غير بسيط، مثلما رأينا أول أمس – في نهاية المطاف ستطل الأهداف. ونأمل بأن ينجح الجيش الإسرائيلي مثلما نجح في الحدثين السابقين.
القدس العربي