في مثل هذا اليوم من عام 1859 بدأت قصة إنتاج الذهب الأسود الذي غير وجه العالم وأصبح أهم سلعة إستراتيجية طوال القرن العشرين وما زال.
حتى ذلك الحين كان الذهب الأسود يمسح من فوق الأرض التي ينبع منها بشكل طبيعي وتحفر له خنادق ليتجمع فيها بكميات قليلة، ليتم استخراجه واستخدامه كدواء غالبا، حتى نصب العقيد دريك أول برج للحفر العميق ليبدأ عهد استخراج النفط.
وللتذكير بهذا اليوم -الذي يوافق تاريخ اليوم- نشرت مجلة لوبوان الفرنسية مقالا مشتركا بين فريديريك لوينو وغويندولين دوس سانتوس استعادا فيه بدء قصة إنتاج الذهب الأسود التي بدأت في ولاية بنسلفانيا من مزارع أحد فلاحي تيتوسفيل عندما حفر خندقا ليتجمع فيه النفط الذي ينبع بصورة طبيعية من أرضه ليستخرج منه كميات يبيعها، وقد لفت أنظار جيرانه الذين رأوا في هذا المنتج مصدر دخل أفضل من تربية المواشي.
هكذا بدأ المستثمرون يشترون آلاف الهكتارات لمحاولة تكوين ثروة، إلى أن أنشأ جورج بيسيل شركة سينيكا للنفط (Seneca Oil Company) التي تقوم على فكرته بتحويل الزيت الذي سينتجه إلى كيروسين، حيث الطلب كبير على هذه المادة لتشغيل مصابيح الزيت، قبل أن تصبح لتشغيل السيارات.
وكان قائد القطار السابق إدوين دريك الذي استأجره بيسيل لتحديد مناطق تسرب النفط لا يفوت فرصة، فحين وجد أن أرض بيسيل لا فائدة فيها بدأ يفكر في طريقة استخراج تسمح لهما بالبحث عن الذهب الأسود تحت الأرض، فلماذا لا يحفر الأرض كما يفعل عمال مناجم الملح؟ وإن كانت الفكرة قد استعملت من قبل في أوروبا.
متر واحد في اليوم
في حالة اليأس التي اعترت بيسيل أعطى الضوء الأخضر لقائد القطار السابق الذي لقب نفسه بالعقيد دريك، ولتنفيذ فكرته بدأ العمل في سنة 1857، وكان أول قرار له هو توظيف بيلي سميث المتخصص في حفر الآبار الملحية، وأمره بحفر بئر من 300 متر في حقل أويل كريك.
وقد استخدم الرجلان محركا بخاريا لتشغيل المثقاب، لكن البئر انهارت ولم يتجاوز عمقها 5 أمتار، فكان على العقيد دريك -الذي أصبح مثار سخرية للسكان- أن يبدأ من جديد، وبالفعل لم يستسلم، واخترع الغلاف الناهض لحماية البئر من الانهيار، وهي تقنية لا تزال قيد الاستخدام، حيث يتم الحفر داخل أنبوب، مما يمنع أيضا تسرب المياه.
وعندما وصل عمق البئر إلى 10 أمتار وكل شيء على ما يرام قابل الحفار طبقة صخرية لم يعد باستطاعته اختراقها إلا ببطء شديد، حيث يتقدم بمقدار متر واحد في اليوم، وبدأت الأموال تنفد، مما أخر عمليات الحفر.
لقد نجح
في 27 أغسطس/آب 1859 بلغ عمق البئر 21 مترا دون أن يحدث شيء، ولكن بعد توقف العمل عند حلول الظلام يبدأ النفط أثناء الليل في التسرب إلى قاع البئر، ولم يكتشفوا السائل الأسود اللزج في القاع إلا في اليوم التالي -يوم 28 أغسطس/آب- عندما استأنفوا العمل.
عندها، ركض دريك مسرورا بنجاحه بعد أن أثبت -رغم سخرية الناس من فكرته- أن تقنية الحفر التي اختار هي الطريقة الصحيحة، ودون إضاعة الوقت بدأ العقيد دريك تشغيل مضخة يدوية أصلحها لرفع السائل الثمين إلى السطح.
كان الإنتاج منخفضا في البداية لا يتجاوز حوالي 25 برميلا من النفط الخام يوميا إن لم ينزل عن ذلك كثيرا في بعض الأيام، لكن هذه الطريقة أثبتت فعاليتها، وبدأ الذين كانوا يضحكون من العقيد في تشييد المنصات، فكان السباق نحو الذهب الأسود في بنسلفانيا، حيث تدفقت ثروات هائلة.
غير أن العقيد دريك -الذي كدس ثروة كبيرة من استخراج النفط- لم يسجل براءات الاختراع اللازمة لحماية طريقة الحفر الخاصة به، فوجد نفسه بعد أن خسر أمواله في الأزمة المالية التي أعقبت الحرب الأهلية في أبريل/نيسان 1861 فقيرا، لدرجة أن ولاية بنسلفانيا صوتت على تقديم مساعدة له بمبلغ 1500 دولار.
المصدر : الصحافة الفرنسية