قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية (Foreign Policy) إن خطط تركيا لتصبح عملاقا إقليميا للطاقة حصلت للتو على دفعة للأمام باكتشاف حقل كبير للغاز الطبيعي، وربما تكون قد أوشكت على التغلب على روسيا.
وأشارت في مقال للكاتب ديمتري بيكيف إلى أن تركيا لم تخف أبدا طموحاتها في أن تصبح قوة طاقة إقليمية، إذ طالما كان موقعها بين منتجي النفط والغاز، في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز والدول المستهلكة بالاتحاد الأوروبي، شكل لها ورقة رابحة، لكن الاكتشاف الأخير للغاز الطبيعي قبالة شاطئ البحر الأسود سيغير قواعد اللعبة.
وقال الكاتب إن “حقل التونة-1″، إشارة إلى الكلمة التركية لنهر الدانوب، المكتشف قبالة البحر الأسود، يحتوي على حوالي 320 مليار متر مكعب من الغاز، وهو ما يعادل ضعف حجم حقل أفروديت جنوب قبرص، وهو موضوع نزاعات الملكية التي تعد واحدة من عدة أسباب للتوترات الحالية بين أنقرة وتحالف دول البحر الأبيض المتوسط بقيادة اليونان.
ليس إنجازا صغيرا
وأشار الكاتب إلى تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإتاحة غاز البحر الأسود للاستخدام عام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، قائلا إذا تم ذلك فستكون تركيا قادرة على تلبية ما يقرب من 7% من طلبها السنوي من الغاز الطبيعي (حوالي 45 مليار متر مكعب عام 2019) من المصادر المحلية، واصفا إياه بأنه ليس إنجازا صغيرا لدولة تعتمد تقليديا على واردات النفط والغاز، مضيفا أن اكتشاف الغاز هذا يتطابق أيضا بشكل جيد مع حملة الحكومة لتعزيز التصنيع المحلي لتحديث الاقتصاد وإضافة مكانة الدولة، تحت عنوان “محلي ووطني”.
ومضى يقول إن ما هو على المحك حقا في كل هذا هو علاقات تركيا التجارية، أولا وقبل كل شيء مع روسيا. فمنذ التسعينيات، كانت شركة “غازبروم” الروسية المورد المهيمن بالسوق التركية، حيث توفر نصف الغاز للاستهلاك المحلي. وفي الواقع، ومنذ عام 2005، عندما بدأ تشغيل “خط أنابيب بلو ستريم” بين روسيا وتركيا، تحولت الأخيرة إلى ثاني أهم عميل للغاز الطبيعي لموسكو بعد ألمانيا.
اليد العليا
وكان لموسكو اليد العليا في المفاوضات التجارية مع أنقرة، سواء من خلال وضع صيغة تسعير مواتية لروسيا أو ما يسمى بنود الاستلام أو الدفع في العقود طويلة الأجل، والتي أجبرت تركيا على شراء جزء من الغاز على أساس سنوي. ولم تكن قادرة حتى على الاستفادة من الخلاف بين روسيا والاتحاد الأوروبي في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم والإلغاء اللاحق لـ “خط أنابيب ساوث ستريم” الذي كان سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر دول أخرى أيضا.
وسيؤدي الوصول لمنابع الغاز بالبحر الأسود إلى تعزيز الموقف التفاوضي لتركيا. فالعقود طويلة الأجل مع “غازبروم” قابلة للتجديد نهاية 2021. وسيضغط المفاوضون الأتراك بشدة على مسألة الاستلام أو الدفع. وستُطرح على الطاولة أيضا ديون بلادهم البالغة ملياري دولار لـ “غازبروم” غرامات على المستوردين الأتراك الذين فشلوا في الوفاء بحصصهم السنوية. وسيكون وجود موردين بديلين والقدرة على الاستفادة من الهيدروكربونات الخاصة بهم، حتى لو كانوا لا يزالون محاصرين في قاع البحر الأسود، ورقة المساومة الأولى لأنقرة.
وسيراقب جيران تركيا عن كثب كيف تسير الأمور في المفاوضات القادمة. ففي 24 أغسطس/آب الجاري، وضعت بلغاريا واليونان اللمسات الأخيرة على اتفاق إنشاء محطة مشتركة للغاز الطبيعي المسال خارج مدينة أليكساندروبوليس الساحلية اليونانية، بالقرب من الحدود اليونانية التركية. وسيحاولون أيضا استخدام إمداداتهم البديلة الجديدة للحصول على الامتيازات من روسيا.
المصدر : فورين بوليسي
حول هذه القصة