الكاظمي في مواجهة “السلاح المنفلت”

الكاظمي في مواجهة “السلاح المنفلت”

 

وسط ترحيب شعبي، باشر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في تنفيذ وعوده التي قطعها للجمهور، وأبرزها استعادة هيبة الدولة وفرض القانون ومواجهة الميليشيات الموالية لإيران، وذلك من خلال عمليات متزامنة في البصرة وبغداد لضبط السلاح المنفلت وتطويق عصابات التهريب والجريمة المنظمة. حيث بدأت قوات عراقية مشتركة من قوات الجيش والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب، فجر أمس السبت، عمليتين واسعتين في بغداد ومحافظة البصرة جنوب العراق، تستهدف ما بات يطلق عليه “السلاح المنفلت”، والذي يشمل سلاح العشائر وشبكات تجارة وترويج الأسلحة وعصابات تهريب النفط والمخدرات والجريمة المنظمة.

وفي بيانين منفصلين، أعلنت قيادة العمليات العراقية المشتركة انطلاق عمليتين بوقت متزامن في بغداد والبصرة، صباح أمس السبت. وأوضحت “شرعت قواتنا الأمنية، وبصنوفها المختلفة، بإمرة قيادة عمليات بغداد فجر اليوم (أمس) السبت، بتفتيش منطقة حسينية المعامل شرقي بغداد ونزع أنواع الأسلحة من المواطنين ومصادرتها وفقاً للقانون ولفرض الأمن والاستقرار فيها”. وأضافت “شهد قضاء الحسينية شرقي بغداد استخداماً خطيراً للسلاح المتوسط والخفيف في النزاعات العشائرية، ما تسبب بإزهاق أرواح الأبرياء، وأن من واجب الدولة ألا تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التحدي لسلطة القانون”. وذكر بيان آخر أن القوات العراقية، ممثلة بقطعات الجيش ولواء المشاة البحري وحرس الحدود وشرطة الطوارئ، باشرت عملية عسكرية واسعة لتفتيش مناطق البصرة والبحث عن المطلوبين والسلاح.

وكان رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أكد في وقت سابق أن الحكومة ورثت تركة ثقيلة من السلاح المنفلت والنزاعات العشائرية، التي باتت تشكل خطراً حقيقياً على المجتمع وتهدد أفراده، كما تعمل على عرقلة جهود الإعمار والتنمية في البلاد”، موجهاً قادة الأجهزة الأمنية لمتابعة هذا الملف والتنسيق المشترك بين القوات الأمنية “للعمل بكل الجهود المتاحة لإنهائه، وفرض هيبة الدولة، ومواجهة كل ما يهدد أمن واستقرار البلد”.

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قد أصدر توجيهاته لقوات الأمن بإنهاء ظاهرة “السلاح المنفلت”، والعمل على فرض هيبة الدولة وهو عزز تكهنات سابقة بقرب انطلاق حملة أمنية لتقييد حركة الميليشيات الموالية لإيران وتجريدها من بعض سلاحها الثقيل بغداد وعدد من مدن وسط وجنوب البلاد.

ويأتي توجيه الكاظمي بعد تزايد ملحوظ في وتيرة الهجمات التي تنفذها الميلشيات الموالية لإيران والتي استهدفت سفارة واشنطن ببغداد، وقواعد عسكرية تضم دبلوماسيين وجنودا أميركيين، فضلا عن وقوع نزاعات عشائرية، وحوادث اغتيال.

وخلال الشهور القليلة الماضية، شاع انفلات السلاح في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وازدادت عمليات القصف الصاروخي للمطارات ومقرات البعثات الدبلوماسية، فضلا عن اختطاف مواطنين عراقيين وعرب وأجانب ومقايضتهم بالمال، فيما تحولت الاشتباكات العشائرية المسلحة إلى صداع في رأس السلطات العراقية.

وتصاعدت عمليات الاغتيال بحق النشطاء السياسيين في العراق على يد الميليشيات الموالية لإيران، التي تسعى إرباك المشهد الأمني وتحدي الكاظمي الذي يعمل على استعادة السيادة على مؤسسات الدولة العراقية الأمنية وحصر السلاح بيدها ووقف موجات الاغتيالات التي تستهدف الناشطين في الاحتجاجات والمعارضين للنفوذ الإيراني في العراق.

ويرتبط معظم هذه الأنشطة السلبية بالنفوذ الإيراني داخل العراق، حيث تحتكر جماعات شيعية تديرها طهران تجارة السلاح والمخدرات وأنشطة التهريب والخطف والمساومة، لتوفير أموال تساعدها على إدامة أنشطتها، وكذلك ضمان عدم استقرار الوضع الأمني بهدف إقلاق الحكومة باستمرار. ومنذ أن تسلم مصطفى الكاظمي منصبه رئيسا للحكومة العراقية، في أيار/ مايو الماضي، وهو يحاول، على إنقاذ البلاد من “إرث” ثقيل خلفته الحكومات السابقة، التي منحت الجماعات الموالية لطهران مطلق الحرية للسيطرة على العراق سياسيا وأمنيا واقتصاديا.

وستستمر عدة أيام هي بداية فقط، وأن الكاظمي عازم على مواصلتها، لتشمل أكثر من 10 مدن ومحافظات أخرى خلال الفترة المقبلة، وسيتم تخصيص مكافآت مالية للإبلاغ عن تلك الجماعات ومخازن السلاح ضمن عمليات تهدف لاستعادة هيبة الدولة العراقية. وأوضح نائب أن أذرع الكاظمي في هذه العملية هم وزير الداخلية عثمان الغانمي، وقائد جهاز مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي، ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، ورئيس جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي، بالإضافة إلى قادة ألوية بالجيش العراقي، إذ تم منحهم صلاحيات واسعة من أجل التصدي لحالة ضعف الدولة والقانون في عدة مدن جنوبية، بالإضافة إلى بغداد. وبيّن أن “الكاظمي تلقى دعماً وتأييداً سياسي، إضافة إلى أن الاحتفاء الشعبي بالعملية عكس تعطش الناس للأمن والقانون واحترام النظام”. وكشف أن “العملية لن تقف عند مدن جنوبية أو بغداد، بل ستتجه نحو المدن الشمالية والغربية المحررة، إذ إن هناك جهات مسلحة حولتها إلى بؤر سلاح وإدارة عمليات غير شرعية وتتحرك باسم هيئة الحشد الشعبي”.

ويرى المتابعون للشأن العراقيإن احتفال العراقيين بالعملية من خلال الاهتمام الكبير الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي وبالشارع أفضل تفويض ودعم لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في أن تكون العملية حقيقية وليست شكلية. لأن  فرض هيبة الدولة، وإنفاذ القانون واجب وطني. ويتوقع مراقبون أن تتصاعد هذه العمليات تدريجيا، لحين وصول القوات العراقية مستوى الجاهزية التامة، ما يمكّنها من خوض مواجهة واسعة ومباشرة مع أتباع إيران في العراق، وهو أمر قد يطول انتظاره، وربما يصعب تحقيقه في شكله الكلي.

وحدة الدراسات العراقية