حقق الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر الاختراق التاريخي الأهم في تاريخ عملية سلام الشرق الأوسط، بإشرافه على مفاوضات كامب ديفيد التي نتج عنها توقيع أول اتفاقية سلام من نوعها في المنطقة بين مصر وإسرائيل عام 1979.
ولكن بعد عدة أشهر خسر كارتر الانتخابات الرئاسية أمام منافسه الجمهوري رونالد ريغان بفارق كبير، ولم يحصل إلا على 18% من أصوات المجمع الانتخابي.
ويرجع فوز ريغان بصورة أساسية إلى تبنيه مبدأ تحجيم دور الحكومة الفدرالية في حياة الأميركيين وتخفيض الضرائب، وهو ما لقى استحسانا واسعا من الناخبين المستقلين، وأعداد متزايدة من الديمقراطيين.
وبالتالي فإن جهود كارتر ونجاحه في دفع الدولة العربية الأكبر لتوقع اتفاقية سلام مع إسرائيل لم تفلح في حصد أصوات الناخبين الأميركيين.
وبعد 40 عاما، يتجدد طرح السؤال: هل يمكن للرئيس دونالد ترامب أن يستفيد من توقيع اتفاق السلام الإماراتي والبحريني مع إسرائيل؟ وهل ينجح بالتالي في ردم الهوة الكبيرة بينه وبين المرشح الديمقراطي جو بايدن؟
إذا عدنا لاستطلاعات الرأي من أجل الإجابة عن هذا السؤال، فهي لا تزال تمنح بايدن تفوقا واضحا على المستوي القومي، وعلى مستوى مختلف القضايا.
مبررات توراتية
لعقود طويلة اعتمد الدعم الأميركي للجانب الإسرائيلي على أسس جيو إستراتيجية في الأساس، خاصة خلال فترة الحرب الباردة، لكن مع وصول ترامب للحكم أصبح أساس دعم إسرائيل عائدا لمبررات دينية توراتية وإنجيلية وانتخابية.
فلقد حصد ترامب بانتخابات 2016 أصوات 81% من الناخبين الإنجيليين، طبقا لاستطلاعات مركز “بيو” للأبحاث، لذا يعود انتصاره الانتخابي وفوزه بالبيت الأبيض إلى أصوات الإنجيليين بالأساس.
من هنا لم يكن بالغريب وجود عشرات القساوسة الإنجيليين لحضور مراسم إعلان ترامب خططه لسلام الشرق الأوسط، المعروفة بصفقة القرن في يناير/كانون الثاني الماضي.
ورغم أن السياسة الخارجية لا تحظى باهتمام كبير لدى غالبية الناخبين الأميركيين، فإن ترامب يحرص على إتمام اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية لاستثمارها لصالحه، كما ذكر ستيفن روجرز عضو مجلس المستشارين في حملة الرئيس.
ويقول روجرز -في حديثه للجزيرة نت- إن اتفاقيات السلام تدفع باتجاه الناخبين المستقلين وغير المنتسبين الذين لم يقرروا بعد لمن سيصوتون “وسيقرر الكثيرون منهم التصويت لترامب”.
السياسة الخارجية غير مؤثرة
وفي هذا السياق، كشف استطلاع للرأي، أجرته شبكة “سي إن بي سي” (cnbc) مؤخرا عدم وجود أي من قضايا السياسة الخارجية ضمن أولويات الناخب الأميركي عند اتخاذ قراره التصويت.
ورأي 54% من المشاركين أن الحفاظ على استحقاقات الضمان الاجتماعي أهم قضية لديهم، تلتها الرعاية الصحية ومواجهة فيروس كورونا بنسبة 29%، ثم رفع الحد الأدنى للأجور.
وفي الوقت ذاته، كشف استطلاعان للرأي، أجراهما الشهر الماضي مركز بيو للأبحاث وصحيفة وول ستريت جورنال، أن الاقتصاد هو القضية المحورية الأولى عند أغلب الناخبين، يليها التأمين الصحي ومواجهة فيروس كورونا، ولم تمثل السياسة الخارجية أي أولوية عند الأغلبية العظمى من الناخبين الأميركيين من كلا الحزبين.
واعتبر دريك هانتر، المسؤول السابق بالكونغرس والقريب من الحزب الجمهوري، أن الناخب لا يهتم بالقضايا لخارجية “ما لم ينطو ذلك على عمل عسكري أو حرب تشارك فيها أميركا”.
وقال خلال حديث له مع الجزيرة نت “التطبيع وعقد معاهدات سلام بين إسرائيل ودول عربية أخبار جيدة، لكن أغلب الأميركيين لا ينتبهون إلى السياسة الخارجية، للأسف. يشعر المزيد من الناس بالقلق بشأن سلامتهم من فيروس كورونا ورفاهيتهم الاقتصادية أكثر من أي شيء آخر”.
لمن تصب أصوات اليهود؟
أما بالنسبة للناخبين اليهود المحافظين، فيمثل توقيع اتفاقيات التطبيع رسالة طمأنينة وتأكيد أن التصويت لترامب عام 2016 كان خيارا جيدا، وهو ما يدفعهم للتصويت له بانتخابات 2020.
وهنا نذكر أن ترامب تطرق -أمام حشد انتخابي في نيفادا قبل يومين- إلى اتفاق السلام، وقال “انظروا إلى ما فعلناه مع إسرائيل والإمارات والبحرين، على مدار 72 عاما لم يحدث شيء، قمنا بذلك بسرعة كبيرة، ودول أخرى سوف تنضم إليهم”.
رغم ذلك، فقد كشف استطلاع حديث لرأي اليهود الأميركيين أن 67% منهم سيصوتون للمرشح المنافس، مقابل 30% للرئيس الحالي.
وذكرت تقارير إعلامية يهودية أميركية أن حاييم سابان، الملياردير الأميركي الإسرائيلي -الذي يدعم على نطاق واسع قوة العلاقات الأميركية مع تل أبيب خاصة ما يرتبط منها بجهود التطبيع- سيستضيف حفل جمع تبرعات تبلغ تكلفة حضور الشخص فيها مليون دولار، وذلك لصالح حملة بايدن الرئاسية.
وعاد هانتر ليقول للجزيرة نت “اليهود الأميركيون يصوتون للديمقراطيين، مع أن الحزب الديمقراطي يقف إلى حد كبير بجانب المعارضة لإسرائيل، وخاصة في ظل قيادته الحالية”.
وأضاف “أغلبية يهود أميركا، وخاصة ولايتي نيويورك وفلوريدا، يعتبرون أنفسهم تقدميين وسيصوتون للديمقراطيين مهما كان الأمر”.
ولم ينخفض الدعم اليهودي للديمقراطيين -يقول هانتر- بعد أن أيد الحزب تعليقات معادية للسامية من بعض أعضاء الكونغرس الديمقراطيين “ولا ينتظر أن تتغير أولوياتهم بسبب صفقات السلام”.
لكن روجرز عاد ليؤكد “اتفاقات السلام ستزيد من التصويت لترامب من جميع الفئات، لأن الجميع يريد السلام”.
المصدر : الجزيرة