أكد الكاتب والمحامي الفلسطيني رجا شحادة في مقال بصحيفة “الغارديان” البريطانية أن احتلال فلسطين وسياساتها العنصرية تنخر إسرائيل من الداخل وأن لا اتفاق تطبيع، مثلما حدث قبل أيام مع الإمارات أو البحرين، يمكنه تغطية ذلك.
وأشار إلى أن هذا مفتاح لفهم سبب قيام الإسرائيليين بتوقيع اتفاقيتي سلام مع دولتين خليجيتين بعيدتين جغرافيا وليس مع الفلسطينيين، الذين لا يمكن من دونهم أن يتم التوصل إلى سلام حقيقي.
برغم كل محاولات فرض الاحتلال بالاستثمار المالي وتحريف القوانين فإن هذه السياسة لا تقوم سوى بنخر إسرائيل من الداخل
وشدد المحامي على أنه برغم كل محاولات فرض الاحتلال بالاستثمار المالي وتحريف القوانين لحماية مشروع الاستيطان غير القانوني، والانحرافات السياسية لكسب حلفاء مستبدين، ودعم شعبويين مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيمين المجري فيكتور أوربان أو البرازيلي جايير بولسونارو، فإن هذه السياسة لا تقوم سوى بنخر إسرائيل من الداخل، وتحويلها إلى دولة فصل عنصري تحكم ملايين الفلسطينيين بدون وجه حق.
واستعاد الكاتب مصافحة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بحديقة البيت الأبيض في سبتمبر/أيلول 1993 بمناسبة توقيع اتفاقية أوسلو، وكيف تمكنت إسرائيل من تحويل احتلالها للأراضي الفلسطينية من عبء إلى مكسب.
واعتبر المحامي أن إسرائيل تعلمت خلال السنوات الأخيرة كيف تدير ملف الاحتلال إلى الأبد وبأقل تكلفة. وذكر أنه بعد 6 يونيو/حزيران 1967 كانت إسرائيل غير راغبة في الاعتراف بالشعب الفلسطيني أو التنازل عن سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة من أجل تحقيق السلام.
ويشدد الكاتب على أن ذلك يتضح جليا من خلال أرشيف الاحتلال، حيث أصدرت إسرائيل بعد يومين فقط من بدء الاحتلال عام 1967 الأمر العسكري رقم 3 الذي أشار إلى اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب، والذي يلزم المحاكم العسكرية الإسرائيلية بالالتزام بمضامين الاتفاقية في إجراءاتها، لكن بعد 4 أشهر تم حذف هذه الجزئية من محتوى الأمر العسكري.
ويذكر الكاتب أنه في سبتمبر/أيلول 1967 حين سئل المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية تيودور ميرون من قبل رئيس الوزراء ليفي إشكول عما إذا كان بناء مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة ينتهك اتفاقية جنيف التي تحظر على أي سلطة احتلال نقل مواطنيها إلى أراض تمت السيطرة عليها عبر الحرب، أجاب بالإيجاب، لكن نصيحته تم تجاهلها لاحقا وبدأت الحكومة الإسرائيلية منذ ذلك الحين في إقامة مستوطنات يهودية غير قانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي الشهور التي تلت بدأت إسرائيل مسارا استمر لسنوات عديدة تمثل في تعديل القوانين التي تحكم الأراضي الفلسطينية، منذ فترة الحكم العثماني، ثم الانتداب البريطاني والسيطرة الأردنية على الأرض، لبناء أساس “قانوني” زائف يمكنها من الاستيلاء على الأرض والموارد الطبيعية من خلال المستوطنات.
ويؤكد المحامي أن إسرائيل استندت في سياستها لتغيير القوانين وتمكين مشروعها الاستيطاني إلى عنصر ثان هو العنف المطلق من قبل المستوطنين، حيث إنه يمكن -في ما يمكن اعتباره توزيع أدوار- لممثلي الدولة الرسمية البقاء ضمن حدود قوانين البلد التي أعيدت كتابتها مرارا، فيما يقوم المستوطنون المنفلتون بمهمة التخويف والتعنيف لتحقيق الهدف المنشود، وكل ذلك في إطار مخطط واحد.
ويشدد على أنه منذ بداية جائحة كورونا أضحى عنف المستوطنين في الضفة الغربية حدثا شبه يومي، كل شيء يتم في العلن، والحكومة والمحاكم الإسرائيلية لا تتوانى عن دعم المستوطنين والعمل على تحقيق هدف “إسرائيل الكبرى”.
ويشير إلى أنه في الوقت الذي يحتدم فيه عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين مما يمنعهم من العمل في أراضيهم أو استغلالها لا يبذل الجيش ولا شرطة الاحتلال الإسرائيلي أي جهد حقيقي لمنع ما يجري، بل تعتبر السلطات الإسرائيلية أي مقاومة فلسطينية للاحتلال بمثابة “إرهاب”.
ومع كل هذه “الانتصارات” من جانب إسرائيل -تقول الصحيفة- اقتنعت الآن بأنها تستطيع إدارة الاحتلال بدلا من إنهائه، بل بدأت تنظر إليه على أنه ميزة، حيث حولت مثلا الأراضي المحتلة إلى مختبر مفتوح لتجربة الأسلحة وأنظمة المراقبة وتسويقها لشركاء كثر، منهم حليفها الرئيسي الولايات المتحدة.
القدس العربي