حذر بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) من تأثير موجة ثانية من انتشار وباء كورونا (كوفيد-19) وكيف يمكن أن تضر بمعدلات تعافي الاقتصاد، بخاصة إذا اضطرت السلطات إلى فرض إغلاق جزئي أو كلي مع ارتفاع معدل الإصابات يومياً فوق 3 آلاف حالة في الأيام الأخيرة. كما أشار المركزي البريطاني إلى أن تقديراته وسيناريوهاته المتوقعة لأداء الاقتصاد استندت إلى احتمال التوصل إلى اتفاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي قبل نهاية العام يحكم العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما بعد خروجها من أوروبا (بريكست).
مع احتمال تشديد إجراءات الوقاية من الموجة الثانية من وباء كورونا نتيجة ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات وزيادة احتمالات بريكست من دون اتفاق “تظل النظرة المستقبلية للاقتصاد في حالة عدم يقين غير معهودة”، بحسب بيان البنك.
وأضاف المركزي البريطاني: “إن الزيادة الأخيرة في أعداد حالات الإصابة بكوفيد-19 في بعض أنحاء العالم، ومنها بريطانيا، يمكن أن تؤثر سلباً في النشاط الاقتصادي وإن بدرجة أقل مما شهدناه في بداية العام”. أما بالنسبة إلى بريكست، فتوقعات تعافي الاقتصاد البريطاني استندت إلى افتراض “الانتقال الفوري والمنظم إلى اتفاق تجارة حرة شامل مع الاتحاد الأوروبي”.
تفاؤل حذر
مع ذلك، أبدى البنك تفاؤلاً حذراً بوضع الاقتصاد مشيراً إلى أن الركود لم يعد بدرجة السوء التي كان يخشاها في سيناريو أسوأ الحالات. وبحسب تقديراته، فإن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني حالياً أقل بنسبة 7 في المئة عما كان عليه قبل إغلاق الاقتصاد للحد من انتشار كورونا. وكانت أرقام مكتب الإحصاء الوطني عن يوليو (تموز) أوضحت الأسبوع الماضي أن الناتج المحلي الإجمالي أقل مما كان عليه قبل وباء كورونا بنسبة 11.7 في المئة.
وأرجع البنك المركزي استمرار التحسن، وإن بطيئاً، إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي الذي “استمر في التعافي خلال أشهر الصيف وأصبح الآن أقرب لمعدلاته عند بداية العام”. وبالتالي قدّر البنك أن يكون أداء الاقتصاد في الربع الثالث أفضل بكثير مما حدث في الربع الثاني مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 20 في المئة. وبحسب تقديراته سيكون الاقتصاد في الربع الثالث أقل بنسبة 7 في المئة فقط عما كان عليه قبل أزمة كورونا.
يعزز تلك التوقعات أيضاً موقف الحكومة البريطانية الذي يبدو حتى الآن متحسباً لاحتمال تشديد إجراءات الوقاية لمواجهة موجة ثانية من كورونا لكن من دون اللجوء إلى الإغلاق التام للاقتصاد. ويبدو أن اللجوء إلى تشديد الإجراءات محلياً في المناطق التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في عدد الحالات هو الخيار المحتمل لتفادي العودة إلى فرض حجر عام في البلاد.
وذلك هو الاتجاه العام تقريباً في أغلب مناطق العالم التي تشهد زيادة في أعداد الإصابات، ويعوّل الجميع الآن على قرب التوصل إلى لقاحات للوقاية من فيروس كورونا ما يعني بداية احتواء الوباء.
لكن التطور الأهم والذي أثّر في الأسواق في نهاية أيام الأسبوع الجمعة كان الفقرة التي وردت في بيان لجنة السياسات النقدية لبنك إنجلترا بعد اجتماعها يوم الخميس بشأن أسعار الفائدة. وأدت الرسالة المبهمة بشأن التضخم وسعر الفائدة في بريطانيا إلى أن ينهي الجنيه الإسترليني تعاملات الأسبوع على انخفاض، بينما ارتفع سعر السندات الحكومية لتقدير المتعاملين أن البنك سيخفض أسعار الفائدة لتصبح بالسالب دون الصفر.
لكن ما ذكره البنك هو أن أعضاء لجنة السياسة النقدية “أحيطوا علماً بدراسة مستقلة حول تأثير الفائدة السلبية في حال الاضطرار إلى اللجوء إليها نتيجة توقعات معدلات التضخم والناتج الاقتصادي”. ولم تكن تلك أول إشارة من المركزي البريطاني بهذا الشأن، إذ ذكر محافظ البنك أندرو بيلي من قبل أن الاحتمال وارد “لكن البنك لديه خيارات أخرى لمواجهة أي تطورات”.
وخفّض بنك إنجلترا سعر الفائدة من 0.75 في المئة إلى نحو الصفر تقريباً (0.1 في المئة) خلال أزمة وباء كورونا، وما زال مبقياً على خطة التيسير الكمي عند ما يقارب التريليون دولار (750 مليار جنيه إسترليني).
لكن متعاملين وبنوكاً استثمارية فسروا الرسالة المبهمة بأن البنك على وشك تغيير موقفه المتردد من خفض الفائدة دون الصفر. وفي مذكرة للمحللين في بنك أوف أميركا خلصوا إلى أن “أعطى بنك إنجلترا تحذيراً قوياً بأن خفض الفائدة لتصبح بالسالب احتمال واقعي… فنشر تلك الفقرة (في بيان لجنة السياسات النقدية) كأنه خبر. ويعني ذلك أنه ربما كان مستعداً لاستخدام الفائدة السلبية أكثر مما كنا نتوقع من قبل”.
أما المحللون في بنك نومورا الاستثماري فاعتبروا أن تلك الرسالة تعني احتمال لجوء البنك إلى مزيد من تخفيف السياسة النقدية في نوفمبر(تشرين الثاني) وارد أكثر من ذي قبل.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي