الذهب يحافظ على بريقه مع ترقب تطورات كورونا

الذهب يحافظ على بريقه مع ترقب تطورات كورونا

حافظت أسعار الذهب على وتيرة ارتفاع قياسية غير مسبوقة في تاريخ التداولات وسط إقبال المستثمرين والبنوك المركزية حول العالم على الملاذات الآمنة، للتحوط ضد انخفاض العملات والتأثيرات الاقتصادية العكسية للأزمة الحالية.

وفي هذا الصدد، قال محللون مختصون، في إفادات متفرقة لـ “اندبندنت عربية”، إن الذهب يمر في الوقت الراهن بحالة من التذبذب والحركة العرضية فوق مستوى 1900 دولار للأونصة ليتحين الفرصة حتى يقفز من جديد فوق حاجز ألفي دولار التاريخي للأونصة التي هبط عنها في أغسطس (آب) الماضي.

وفي جميع العصور يعد الذهب الملاذ الآمن أوقات الاضطرابات الاقتصادية ومخزناً للقيمة للتحوط ضد الأزمات المالية، وخلال الأشهر الأخيرة اختبر الذهب أعلى مستوياته على الإطلاق، وسط توجه المستثمرين والبنوك المركزية إلى المعدن النفيس مع انهيار الأصول المالية الأخرى، مثل أسواق الأسهم وانخفاض عوائد السندات.

مختصون أكدوا أن جائحة كورونا هي السبب الرئيس وراء ارتفاعات أسعار الذهب، والتي قادت العوامل الأخرى لتسجل الأسعار مستويات غير مسبوقة منها ضعف الدولار الأميركي، وخطط التحفيز المالية والنقدية، ومعدلات الفائدة المنخفضة.

وتسببت إستراتيجية السياسة النقدية الجديدة للبنك المركزي الأميركي، التي قد تقود إلى ارتفاع طفيف في معدل التضخم وبقاء أسعار الفائدة منخفضة فترة أطول، في اتجاه المستثمرين إلى بيع الدولار، لتتجه الأموال إلى الذهب الذي يتصدر قائمة الملاذات الآمنة.

ويفرض انخفاض أسعار الفائدة الأميركية ضغطاً على الدولار وعوائد السندات مما يزيد جاذبية المعدن الأصفر الذي لا يدر عائداً والذي يستخدم أيضاً كأداة تحوط في مواجهة التضخم وانخفاض العملة.

أسهل الأصول تسييلاً

من جانبه، قال رجب حامد، المدير التنفيذي لمجموعة “سبائك” الدولية للمعادن الثمينة، إن “أسعار الذهب ارتبطت بأزمة كورونا منذ مارس (آذار) الماضي، وكان أداء المعدن الثمين هبوطياً مع بداية الأزمة نتيجة لحاجة الناس للسيولة باعتباره من أسهل الأصول تسييلاً بلا مخاطر عكسية، ولكن بعد ما اتضحت حقيقة الفيروس باعتباره أمراً غير عادي بدأت رحلة الصعود نحو مستويات 1600 دولار للأونصة، ثم إلى 1700 دولار و1800 دولار و1900 دولار دون عمليات تصحيح ليصل إلى أعلى سعر له عند 2074 دولاراً في شهر أغسطس الماضي”.

وأوضح حامد، أن أزمة كورونا أحدثت تحولاً كبيراً في أسعار الذهب، وهو الأمر الذي كان غير متوقع، مبيناً أنه في بداية الأزمة كانت أسعاره تشهد نزولاً لرغبة كثير في الاستحواذ على السيولة، ثم بعدها بعدة أيام بدأت أسعاره في الصعود.

وأشار إلى أن البحث عن الملاذ الآمن كان السمة السائدة في الأسواق مع ضعف الأنشطة الاقتصادية، ومخاطر الانكماش التي تهدد كافة الاقتصادات العالمية.

وبين حامد، أن الذهب خلال رحلة التصحيح التي مر بها خلال أغسطس الماضي بعد الوصول لذروته وصل لمستوى 1873 دولاراً للأونصة في جلسة، وحاول أكثر من مرة أن يكسر مستوى 1908 دولارات للأونصة، ولكن من الواضح أن مستوى 1900 دولار هو مستوى مهم وصعب، بعد أن توجهت 70 في المئة من المحافظ الاستثمارية خلال أوج أزمة الجائحة إلى اقتناص المعدن الأصفر وسط تخوفهم وعدم اليقين بمستقبل أسواق الأسهم.

وأضاف أنه مع عدم وجود لقاح للفيروس حتى اليوم ووصول أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة ظهرت توقعات صادرة من مؤسسات مالية وبنوك عالمية مثل “سيتي بنك” و”غولدمان ساكس” بوصوله لمستويات تتراوح بين 2500 دولار إلى 3000 دولار بنهاية عام 2021.

وقال إن من أفضل المستويات لشراء الذهب عند مستويات 1950- 1930 دولاراً، متوقعاً أن تصل الأسعار إلى 2000 دولار أو إلى مستوى 2100 دولار في عام 2021، مؤكداً عند عدم تصوره وصول الأسعار العام المقبل إلى 3000 دولار للأونصة الواحدة.

الزخم موجود قبل كورونا

من ناحيته، قال أحمد معطي، شركة “فيرجن إنترناشيونال ماركتس- مصر”، إن الذهب منذ بداية عام 2020 وقبل تفشي جائحة كورونا المستجد استفاد من تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إضافة إلى بوادر اشتعال حرب في منطقة الخليج العربي بين الولايات المتحدة وإيران عقب مقتل القائد الإيراني قاسم سليماني أثناء تواجده في العراق، مما أوجد الزخم لاقتناء الذهب لترتفع الأسعار وقتها من مستوى 1400 دولار للأونصة إلى مستويات 1460 دولاراً.

وذكر أن الانتعاش الحقيقي لأسعار الذهب بدأ بعد تفشي الجائحة في مارس الماضي، ليظهر المعدن النفيس ارتفاعات قوية مستمرة تتفاعل كلما زادت الإصابات والتحفيزات المالية وخطط التيسير الكمي من الاقتصادات الكبرى تحديداً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مما دفع المستثمرين للذهب كملاذ آمن. مضيفاً “أن الأنظار تتجه وقت الأزمات إلى الأصول الآمنة وإن انخفض العائد منها في مقدمتها الذهب”.

وفي السياق ذاته، أكد أن الذهب حقق ارتفاعات قياسية ليسجل أعلى مستوياته عند 2075 دولاراً للأونصة قبل أن يتراجع ويستقر حالياً فوق مستوى 1900 دولار للأونصة وتكون حركة عرضية ومتذبذبة عند مستوى 1970 دولاراً، وسط إقبال واسع من البنوك المركزية العالمية لتعزيز احتياطاتها الأجنبية للتحوط ضد مخاطر هبوط العملات بجانب دخول بعض المستثمرين للمضاربة بالسوق والاستفادة من التقلبات السعرية من حين لآخر.

وأفاد معطي، بأن الأجواء داعمة لبقاء الذهب مرتفعاً واستهداف مستويات مقاومة جديدة خلال الفترة المقبلة، معتمداً في ذلك على بقاء أسعار الفائدة منخفضة وتثبيتها لدعم عملية التعافي الاقتصادي، كما يمكن القول، بأن أسعار الذهب أقرب للصعود خلال الأشهر المقبلة ما دام لم يجرِ التأكد من فاعلية لقاحات لعلاج فيروس كورونا، وكلما استمرت التحفيزات النقدية وطباعة النقد زاد زخم الشراء للمعدن الأصفر.

ويرى معطي “أن أي هبوط بالأسعار حالياً يمثل عملية جني أرباح ويكون قاعاً صاعداً جديداً، والإعلان عن موجة ثانية في بعض الدول يؤكد أن الذهب ما زال في اتجاه صاعد”.

حاجز ألفي دولار

من جهته، قال أولي هانسن، رئيس إستراتيجية السلع لدى “ساكسو بنك” الدنماركي، إنه في حال حافظت أسعار الذهب على ارتفاعها فوق مستوى 1900 دولار أميركي للأوقية (الأونصة) في الأشهر المقبلة، فربما تنهي العام فوق حاجز ألفي دولار.

وأضاف هانسن، أنه من المرجح أن تزيد أسعار المعدن الثمين بإضافة من 10 إلى 15 في المئة أخرى في العام المقبل، لافتاً إلى أن أسعار السلع في المرحلة المقبلة ومن بينها الذهب سوف تتأثر بسيناريوهات الانتخابات الأميركية.

القوة الدافعة

وعلى ذات الصعيد، قال رائد خضر، رئيس قسم البحوث لدى “إيكويتي غروب” العالمية، التي تتخذ من لندن مقراً لها “إن السبب الوحيد الذي من شأنه أن يفقد الذهب قوته الدافعة هو إيجاد لقاح لفيروس كورونا والذي قد يسهم في تحسن شهية المخاطرة وتوجه المستثمرين إلى الأسهم بدلاً من الأصول ذات العوائد المنخفضة، وبالتالي قد يعود من جديد ليكسر حاجز 1900 دولار للأونصة”.

وقال خضر، إنه مع بدء تفشي كورونا تراجع الذهب إلى حد ما بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها الأسهم نتيجة عمليات الإغلاق الكامل وبيع المستثمرين ما بحوزتهم من المعدن الأصفر في محاولة لتعويض جزء من تلك الخسائر، ولكن سرعان ما عاد ليبرق من جديد بل ووصل إلى قمة تاريخية في بداية أغسطس الماضي عند 2074 دولاراً للأونصة.

وأكد أنه رغم تفشي الفيروس الذي أدى إلى تعطل إنتاج الذهب، فإنه نجح في التصدي لمخاطر تراجع المعروض منه، في الوقت الذي توجه فيه المستثمرون إلى الأصول ذات العائد المنخفض والملاذات الآمنة مع توتر الأوضاع العالمية.

ومن الجدير ذكره، أن الذهب احتل المركز الأول بين أهم الأصول الاستثمارية في العالم خلال النصف الأول من 2020 وفقاً للإحصائيات الصادرة عن المجلس الأعلى للذهب ليرتفع بنسبة تقارب 25 في المئة منذ بداية العام متفوقاً على مكاسب الأسهم والسندات.

وأوضح خضر، أن أسباب ذلك تكمن في لجوء أغلب صناع القرار على الصعيد العالمي إلى سياسات تحفيزية قوية سواء سياسات مالية أو نقدية في محاولة لمنع انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود مع توقف عجلة الإنتاج وكسر سلاسل التوريد العالمية. الأمر الذي من شأنه أن يضعف قيمة العملات المحلية وبالتالي زيادة الطلب على الذهب بدلاً من ذلك.

وأشار إلى أن توجه المستثمرين إلى الذهب ليس فقط مع تراجع العملات المحلية، ولكن جاء كتحوط ضد ارتفاع التضخم المحتمل خلال الفترة المقبلة بسبب سياسات خفض الفائدة وبرامج التحفيز القوية التي لجأت لها البنوك المركزية، وبقاء المعدن الأصفر الملاذ الآمن الأول الذي يلجأ له المستثمرون نتيجة حالة عدم اليقين والمخاوف من ركود عالمي محتمل.

ونوه بأن استمرار البيانات الاقتصادية الأميركية المخيبة للآمال في الربع الثالث من العام والتي أضفت شكوكاً بشأن انتعاش سريع للاقتصاد العالمي، وإلى تراجع الدولار الأميركي لأدنى مستوياته في عامين والذي أسهم في زيادة الطلب على الأصول ذات العوائد المنخفضة لا سيما الذهب.

وأضاف أن من الأسباب أيضاً، عودة ملف الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية ليلوح في الأفق من جديد، خاصة بعد إثارة الرئيس ترمب فكرة الانفصال نهائياً عن الصين في حالة توليه ولاية أخرى.

ولفت خضر إلى أن الأسباب التي أسهمت في ارتفاع الذهب أيضاً بتلك الوتيرة خلال الفترة الماضية يبدو أنها لم تنته بعد، بل قد يواصل ارتفاعه الفترة المقبلة مع اقتراب الانتخابات الأميركية وما يخلفها من حالة من عدم اليقين وعزوف عن المخاطرة خاصة باقتراب نتائج استطلاعات الرأي بين ترمب ومنافسه جو بايدن.

وقام بنك أوف أميركا برفع توقعاته للذهب الفترة المقبلة على أن يصل إلى مستويات 3000 دولار على مدار 18 شهراً المقبلة. فيما رفع غولدمان ساكس توقعاته خلال 12 شهراً المقبلة إلى 2300 دولار للأونصة.

اندبندت عربي