واشنطن – يحيل إقرار أجهزة مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة بعجزها عن إنهاء “أسطورة” داعش رغم الاستراتيجية التي تم اتباعها خلال السنوات الست الماضية، إلى البحث في أسباب عدم القدرة على إيقاف تمدد التنظيم المتطرف، الذي ظهر لأول مرة في العراق، حتى الآن.
والإجابة عن ذلك التساؤل المزعج لن يخرج على الأرجح عن إطار ما أكده مدير المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب كريستوفر ميلر خلال جلسة استماع أمام لجنة الأمن القومي في مجلس النواب الأميركي الخميس الماضي، بأن التنظيم يواصل تمدده عالميا مع نحو عشرين فصيلا تابعا له، وذلك على الرغم من اجتثاثه من سوريا والقضاء على قيادييه.
وساق ميلر مجموعة من التبريرات، التي أتاحت بقاء داعش حتى اليوم، حيث قال إن التنظيم المتطرف “أظهر مرارا قدرة على النهوض من خسائر فادحة تكبدها في السنوات الستّ الماضية بالاتكال على كادر مخصص من القادة المخضرمين في الصفوف المتوسطة، وشبكات سرية واسعة النطاق، وتراجع ضغوط مكافحة الإرهاب”.
ومنذ القضاء على قائد التنظيم أبوبكر البغدادي وغيره من القادة البارزين في أكتوبر الماضي، استطاع القائد الجديد محمد سعيد عبدالرحمن المولى إدارة هجمات جديدة بواسطة فصائل تابعة للتنظيم بعيدة جغرافيا عن القيادة وخاصة في أفريقيا إذ تبنّى التنظيم الخميس الماضي هجوما وقع بالنيجر في التاسع من أغسطس الماضي وأسفر عن ثمانية قتلى بينهم ستة عمال إغاثة فرنسيين.
ورغم النجاحات التي حققتها القوات الأمنية في عدة دول ينشط فيها داعش إلى غاية الآن، إلا أن التنظيم تبنى قبل ذلك عملية أكودة في تونس، حيث قتل ثلاثة متشددين رجل أمن بينما جرح آخر، في محاولة لإثبات الوجود.
ويؤكد ميلر إن تنظيم الدولة الإسلامية نفّذ في سوريا والعراق اغتيالات وهجمات بواسطة قذائف الهاون والعبوات الناسفة المصنعة يدويا “بوتيرة ثابتة”. ومن ضمن هذه الهجمات عملية نفّذت في مايو الماضي، وأسفرت عن سقوط عشرات الجنود العراقيين بين قتيل وجريح.
وحتى يظهر أنه لا يزال ينشط بثبات رغم مقتل قادته، يقوم التنظيم بتوثيق نجاحه هذا بتسجيلات فيديو استخدمها على سبيل الدعاية لإظهار أنّ الجهاديين لا يزالون منظّمين ونشطين على الرغم من اجتثاثهم من المنطقة التي أعلنوا فيها “الخلافة” في سوريا والعراق.
ومن الواضح أن التنظيم يركّز في الوقت الحاضر على تحرير الآلاف من عناصره المتواجدين مع عائلاتهم في مراكز اعتقال في شمال شرق سوريا، في ظل غياب أي مسار دولي منسّق للبتّ في أوضاعهم. وقال ميلر إن “الشبكة العالمية للتنظيم خارج سوريا والعراق تشمل حاليا نحو عشرين فصيلا بين فرع وشبكة”.
ولا يقتصر التواجد الإرهابي في الساحل والصحراء على جماعات متطرفة تعمل ضمن قيادة مستقلة، ولكن حوّلت جماعات أخرى تحت مسميات مختلفة مثل داعش الصحراء والنصرة، تلك المنطقة إلى ساحة تنافس في ما بينها لإثبات ذاتها.
ولم يتجاهل المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب حقيقة أنّ التنظيم يحقّق نتائج متفاوتة، لكنه يسجّل أداءه الأقوى في أفريقيا، وفق ما أظهره هجوم النيجر، وكذلك يسعى عناصر داعش لمهاجمة أهداف غربية، وفق ميلر، لكن عمليات مكافحة الإرهاب تحول دون ذلك.
أما تنظيم القاعدة المنافس لتنظيم الدولة الإسلامية، والذي شن هجمات 11 سبتمبر 2001 على برجي التجارة العالمية في نيويورك، فقد أضعفه القضاء على قادته وأبرز شخصياته، لكنّه يبقى مع ذلك فاعلا.
ويبدو أن ميلر مقتنع تمام الاقتناع بأن القاعدة لا تزال مصممة على شنّ هجمات في الولايات المتحدة وأوروبا، وكانت على ارتباط بالعنصر المتدرّب المتطرّف التابع لسلاح الجوّ السعودي الذي قتل ثلاثة بحارة في القاعدة العسكرية الأميركية ببنساكولا في ولاية فلوريدا، خلال ديسمبر الماضي.
كما أن الفصائل التابعة للقاعدة في اليمن وأفريقيا لا تزال قادرة على شنّ هجمات دموية بين الفينة والأخرى، لكنّ قدرات التشكيلات التابعة للتنظيم في الهند وباكستان أضعفت بشكل كبير. أما في أفغانستان، فقد تراجع حضور القاعدة إلى “بضع عشرات من المقاتلين ينصبّ تركيزهم بشكل أساسي على البقاء على قيد الحياة”.
وبموجب اتفاق وقّعته طالبان مع الولايات المتّحدة في فبراير الماضي، وافق المتمرّدون على منع تنظيم القاعدة من استخدام أراضي أفغانستان ملاذا آمنا ومنطلقا لتنفيذ هجماته، لكن على الرّغم من الاتّفاق لا يزال التنظيم الجهادي على علاقة وثيقة بالمتمرّدين الأفغان، وفق ما كشفه البنتاغون الأربعاء الماضي.
العرب