مع استمرار تهاوي أسعار النفط والحديث عن انخفاض اشد في مقبل الايام، فان كارثة تلوح في الأفق بالنسبة للاقتصاد العراقي المنهك، ستفضي إلى دخول البلد في مأزق اقتصادي قد يصعب التنبؤ بانعكاساته المستقبلية .
وكما ذكرنا في مقال سابق، ان الازمة الاقتصادية التي يعيشها العراق افرزت العديد من الازمات التي كان لها اثر على حياة المواطن العراقي، خصوصا أزمة تأخر رواتب الموظفين وتعطل الالاف من المشاريع الحيوية على مستوى البنى التحتية، ناهيك عن مستحقات الشركات والالتزامات الاخرى. باختصار هي مرحلة يمكن ان نسميها مرحلة المخاض العسير.
وينذر الواقع الحالي للاقتصاد العراقي بظرف صعب جدا من شأنه ان يدفع بالمزيد من الازمات خصوصا مع استشراء الفساد ظاهريا كان او سريا، وتصنيف العراق ضمن اكثر دول العالم فسادا وفقا لمنظمة الشفافية الدولية، وهو ما ارهق الموازنات العامة للدولة. واليوم يكمن الخوف من اللجوء الى تخفيض الرواتب للتخفيف من المصروفات وهو ما سيعقد المشهد الاقتصادي والاجتماعي في البلاد .
اللجوء لتعويم الدينار
تشير بعض التقارير الى ان الحكومة العراقية قد تلجأ الى تحرير الدينار وهو امر لن يحل المشكلة المالية في البلاد، بل سيكون له آثار كارثية على المواطن العراقي بالدرجة الاولى. ومن جهة اخرى فان التعويم هو منفذ للمضاربين في السوق للقيام بعمليات غسيل الاموال والتلاعب بمزادات العملة داخل البنك المركزي.
ماذا نعني بتعويم العملة Floating ؟
اولا لابد ان نوضح مفهوم تعويم العملة وما هي انعكاساته على حياة المواطن والبلاد بشكل عام لأدراك تبعات مثل هكذا اجراء على حياة المواطن .
ونعني بتعويم العملة هو ترك سعر صرف عملة ما عائمة ترتفع وتنخفض مع موجات الطلب والعرض في السوق النقدية، والاخذ بالاعتبارمستوى تحرر اقتصادها الوطني، وكفاية أدائه، ومرونة جهازها الإنتاجي.
ولفهم اكثر للعملية التعويم يقوم البنك المركزي للدولة بترك معدل صرف عملته المحلية بالعملة(الدينار العراقي ) الأجنبية مثل (الدولار ) ويتحدد الدينار وفقا لاتجاهات الطلب والعرض على الدولار، فإذا ما ازداد الطلب على الدولار في سوق النقد الأجنبي (سوق الدولار)، فإن معدل صرف الدولار يميل نحو الارتفاع، وإذا ما انخفض الطلب على الدولار فإن معدل صرفه يميل نحو الانخفاض.
ومن مخاطر هذه العملية بأنها تفتح الباب امام عمليات غسيل الاموال وتحويل أموال الفاسدين من الدينار العراقي الى العملات الحرة من أجل تهريبها للخارج.
وتشير دراسة الى ان العراق يسعى الى تحرير العملة الوطنية، وهو ما يعتبر بحسب الخبراء بأن تعويم الدينار يصب في مصلحة الخزينة لكنه من جهة اخرى مأساة على حياة المواطن العراقي
ان انعدام الرقابة اسهم في وجود العديد من الفاسدين والمافيات المالية، الذين استغلوا الاوضاع في البلاد سواء اكانت سياسية ام امنية او اقتصادية، ليحققوا مكاسب مالية ضخمة جدا بسبب غياب مؤسسات الرقابة الرسمية .
وهنا نسلط الضوء على مضاربين يتلاعبون بسوق العملة يعرفون باسم “الحيتان الثلاث” او ما يطلق عليهم البعض لقب “ملوك السوق” وهم من كبار الفاسدين الذين اقتاتوا على اموال العراقيين وخيرات البلاد:
• حسن ناصر جعفر والذي يقف وراءه مصرف عبر العراق، وهو من المتهمين بموضوع مزاد العملة الاجنبية وشراء الدولار من البنك المركزي، يملك صرافة بغداد في عمان ولديه نشاطات مشبوهة في هذا الشأن، وبحسب تقرير حكومي صدر في شهر تموز/ يوليو هذا العام فأن ناصر يمتلك عدة مكاتب تحويل غير رسمية تبيع الحوالات خارج العراق بطريقة غير شرعية وخارج نطاق قانون البنك المركزي العراقي، مما يؤدي الى اثار سلبية ناتجة عن عمليات غسيل اموال.
• حمد الموسوي مدير مصرف الهدى، وهو من كبار المتهمين بغسيل الأموال والحوالات الخارجية، والتلاعب بمزادات بيع العملة.
• علي غلام، المدير التنفيذي لمصرف الشرق الاوسط، والمتهم بالاحتيال والمتهم بالتعدي على المال العام، وصاحب قوائم الاستيراد المزورة ومعاملات مصرفية مشبوهة.
هذه الاسماء الثلاث وغيرهم الكثير لازالت تلهوا بأموال العراقيين، بسبب علاقاتهم مع لوبيات داخل الحكومة من السياسيين وكبار موظفي الدولة، وهو ما اسهم في استمرار عمل هؤلاء الحيتان بالرغم من التقارير والدعاوى التي رصدت تجاوزهم على المال العام.
وهنا لابد لنا من الشارة الى ان السلطات العراقية مطالبة بمحاسبة هؤلاء الاشخاص، وارجاع الاموال المسروقة الى الخزينة، من ضمن جهودها للحيلولة دون سقوط البلاد في مستنقع الافلاس والانهيار الاقتصادي .
وفي الختام يتوجب علينا ان نقدم جملة من الملاحظات التي من الممكن ان تسهم في وقف نزيف الاقتصاد العراقي عموما والنظام المصرفي خصوصا وهي كالاتي:
1. ملاحقة الفاسدين وتجار المال العام الذين اقتاتوا على اموال العراقيين وكونوا لأنفسهم ثروة هائلة .
2. العراق اليوم بحاجة ملحة لإصلاح النظام المصرفي وعلى رأسه البنك المركزي وتصحيح سياساته المصرفية.
3. ايقاف التدخل في سياسة البنك من قبل السلطات التنفيذية والتشريعية وغيرها من المؤسسات سواء كان ذلك بشكل مباشر او غير مباشر.
4. التصدي لعملية غسيل الأموال والجريمة الاقتصادية وتهريب للعملة الصعبة من العراق، ومعرفة مصدر الاموال التي يتم شراء الدولار بها.
5. انشاء محكمة اقتصادية لها سلطة مستقلة تختص بالجانب الاقتصادي والجنائي، خلال نظر الدعاوى المرفوعة أمامها والناشئة عن تطبيق القوانين المتعلقة بجرائم الإفلاس والإشراف بعيدا عن تدخلات الشخصيات الرسمية والسياسيين .
6. المساهمة بحل جزء كبير من المشكلة المالية التي يعيشها البلد بسبب انخفاض أسعار النفط، من خلال تنويع مصادر الدخل.
7. تعويض الطبقة الفقيرة في المجتمع والتي تضررت من تلاعب مافيات المال بسعر الدولار التي قام بها متنفذون في البنك المركزي سابقا.
العراق اليوم يمر بأقسى مراحله التاريخية والاقتصاد اليوم يتهاوى بشكل مرعب والحديث عن خطط مستقبلية هو ضرب من اهدار الوقت، فالحاجة اليوم ملحة لأن يقوم كل مسؤول ومواطن بدوره الوطني لإنقاذ البلاد من براثن الفاسدين وتجار المال العام الذين يشكلوا خطرا على البلاد بمستوى لا يقل عن الارهاب الذي يعصف بالبلاد .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية