منذ تم إبرام الاتفاق النووي الأخير بين إيران والقوى الغربية، اشتعل الجدل في مصر وبادر بإثارته والمشاركة فيه عدد من كبار الكتاب، وشارك فيه أيضاً بعض المراكز البحثية المصرية وقنوات التلفزيون الفضائية وفي هذا الجدل تكرر ملمح أساسي مؤداه أنه آن الأوان لفتح صفحة جديدة مع إيران، فهي قوة إقليمية رئيسية، ويتوقع أن يزداد وزنها ونشاطها في الساحات العربية والإقليمية والعالمية بعد رفع العقوبات عنها، ولا يمكن لمصر أن تثابر على سياستها الراهنة تجاه إيران، وإلا عزلت نفسها وضيعت فرصة حقيقية لنمو دورها الإقليمي. بل ألمح البعض إلى أخطاء مصرية سابقة في إدارة العلاقة مع إيران وأن مصر تخطئ إذ تجعل علاقاتها بدول الخليج الشقيقة حاجزاً بينها وبين إيران!
ويكشف هذا كله عن قصور فادح في الرؤية السياسية، بل عن أجندات خارجية وراءها ما وراءها. ولم يكن مصادفة أن نشرت إحدى الصحف المصرية المستقلة في الثالث من هذا الشهر مقالاً لوزير الخارجية الإيراني بعنوان «الجار ثم الدار: توصية أخلاقية أم ضرورة استراتيجية؟»، دعا فيه إلى تشجيع حوار إقليمي بين الدول الإسلامية في الشرق الأوسط.
لا شك أن إيران قوة إقليمية رئيسية، وأن حسن العلاقة معها له فوائد جمة، وأن الحرص عليه عامل مهم من عوامل الاستقرار الإقليمي، لكن هذا كله لا يبرر الإمعان في عزف النغمة السابقة التي تطالب بترميم الجسور مع إيران في تجاهل تام لعلاقات مصر الخليجية، ولنبدأ القصة من أولها.
صحيح أن استقبال السادات لشاه إيران قد أغضب النظام الإيراني الجديد حينئذ، لكنه رد بالتهليل لاغتياله وتسمية شارع رئيسي باسم قاتله. وبينما يمكن فهم التصرف الأول في السياق الإنساني كحالات اللجوء السياسي، فإن الثاني لا يمكن إلا أن يفهم سياسياً. صحيح أن النهج المصري في إدارة الصراع مع إسرائيل قد اختلف عن نظيره الإيراني، لكن مصر ليست ملزمة باتباع الرؤية الإيرانية في هذا الصدد، غير أن الأهم أن مصر في عهد مبارك قد أحست بضرورة مراجعة علاقتها مع إيران وعكف الجانبان غير ما مرة على محاولة إعادة العلاقات، لكن القوى المتشددة في إيران وقفت حائلاً دون ذلك. فمصر لم تقصر إذن في مراجعة العلاقة مع إيران باتجاه المصالحة، خاصة وقد كان لديها صقورها المتشككون دوماً في إيران ونواياها.
ولا يقل أهمية عما سبق مشروع إيران للهيمنة الإقليمية، ونذكر في هذا الصدد تصريح أحد المسؤولين الإيرانيين عن الإمبراطورية الإيرانية التي تضم أربع دول عربية وعاصمتها بغداد، وقد ادعوا كعادتهم أن التصريح حرِّف، لكن المشكلة لم تكن في الغطرسة التي عكسها التصريح وإنما في كونه قد جاء تعبيراً عن أمر واقع. وبالإضافة إلى هذا، ليس ثمة مؤشر حتى الآن على أي تغير في السياسة الإيرانية تجاه الوطن العربي عامة والخليج خاصة، وفي هذا السياق يجب أن لا ننسى أن إيران دولة احتلال بالنسبة للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، ودولة تهديد للبحرين وللحدود الجنوبية للسعودية بوساطة الحوثيين.
وقد ردت الكاتبة المتميزة نادين سعد على دعوة وزير الخارجية الإيراني لحوار إقليمي يبدأ بالقضيتين السورية واليمنية، بمقالة نشرتها صحيفة «الوطن»، بعد ثلاثة أيام من نشر مقالة الوزير، بأنه قد اختار ما يحلو له من قضايا للحوار فتجاهل قضيتي الصراع العربي الإسرائيلي والجزر الإماراتية المحتلة، فيما ركز على القضيتين السورية واليمنية، أي أنه اختار البدء بالقضيتين اللتين تواجه فيهما إيران مشاكل حقيقية، وبالتالي فدعوته تدور حول تحقيق المصالح الإيرانية وليس العربية.
هل نسد إذن جميع سبل الحوار مع إيران؟ بالقطع لا، لكنّ سعينا لإعادة بناء العلاقات معها لن يصح إلا في إطار عربي أولا، ومن منظور توازن القوى ثانياً، لأن إعادة بناء العلاقات مع إيران من قبل أية دولة عربية لا ينبغي أن تأتي على حساب مصالح دولة عربية أخرى ناهيك عن أن تكون حليفة.
د.أحمد يوسف أحمد
صحيفة الاتحاد الإماراتية