هناك العديد من القضايا على أجندة القوى الإقليمية والعالمية، وفي مقدمتها تركيا، إلا أن «التحالف الصيني- الإيراني» الذي أصبح مؤخرا حديث وسائل الإعلام العالمية، يشكل الأجندة الرئيسية لجميع القوى الإقليمية والعالمية.
وحسب الأخبار المسربة لوسائل الإعلام العالمية، فإن الصين ستستثمر 400 مليار دولار في إيران خلال الـ25 سنة المقبلة. وفي نهاية مفاوضات مستمرة منذ فترة طويلة، اكتملت الاستعدادات للاتفاقية، ووصلت مرحلة التوقيع. وتشمل الاتفاقية مجالات التجارة والاقتصاد والسياسة والثقافة والأمن، بمساحة واسعة للغاية تتضمن بناء السكك الحديد، والطرق السريعة، ومناطق التجارة الحرة والموانئ والاتصالات، والفضاء السيبراني، والبنية التحتية لتقنية 5G، وتوسيع نظام بايدو للملاحة بالأقمار الصناعية، الذي يوفر خدمة تحديد الموقع الجغرافي للصين.
طرحت هذه الاتفاقية للمرة الأولى خلال زيارة أجراها الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى إيران عام 2016، ثم انتشر بعض الأخبار حولها عام 2019 في مجلة «بتروليوم إيكونوميست» ومقرها بريطانيا. وتحدثت الأخبار عن مشروع سكة حديد أورومتشي- طهران، واعتزام الصين استثمار 400 مليار دولار في إيران، مقابل الحصول على تخفيضات بنسبة 32% من واردات النفط، فضلًا عن نشر 5 آلاف جندي صيني لحماية الاستثمارات في إيران، وإخضاع جزر في جنوب غرب إيران للسيطرة الصينية، ما أثار جدلًا واسعًا. ووفق مقال للباحث والكاتب سيمون واتكينز في موقع «أويل برايس» الإلكتروني، فإن هذه الاتفاقية تمثل خطوة كبيرة أخرى من شأنها تغيير التوازنات في غرب آسيا، أو الشرق الأوسط. قال واتكينز إن إيران ستمنح روسيا والصين قواعد جوية وبحرية على أراضيها، وإن القوات الإيرانية – الصينية والروسية ستعمل بشكل مشترك في هذه القواعد.
يمكننا القول إن «العديد من الدول تعقد اتفاقيات تعاون مماثلة، وهذه واحدة منها» لكن النقطة التي تجعل الاتفاقية «خاصة للغاية» يمكن فهمها من خلال النظر إليها في سياق العلاقات الصينية – الأمريكية والإيرانية – الأمريكية. في هذا الإطار، يعتبر التوقيت أيضًا مهمًا جدًا، فالصين تجلس إلى الطاولة في عتبة حرجة مع إيران المرهقة بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي تدفعها نحو العزلة. أمّا إيران، فإنها تصبح جزءًا مهمًا من مشروع الصين الطموح «الطريق والحزام» بفضل مكانتها الجيوسياسية. هذا الوضع يتطلب من الصين أن تقوم بتعاون سياسي وعسكري وأمني طويل الأمد مع إيران، وتبذل الجهود من أجل «إيران مستقرة».
علاوة على ذلك، تأمل الصين، التي تستورد 75% من احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي، في التغلب على مشاكل الإمداد في المستقبل عبر هذه الاتفاقية، لأن الأسعار المتقلبة نتيجة التطورات السياسية والاقتصادية والأسباب غير المتوقعة مثل جائحة كورونا، والتغلب على التحديات المتعلقة بالإمداد، أمر ضروري بالنسبة إلى النمو المستدام. ومن المزايا الكبيرة التي تقدمها الاتفاقية للصين، أن يتم التوقيع عليها، في وقت يشهد تراجعًا في أسعار النفط، وتزايدًا في المنافسة على الطلب.
انطلاقاً من منطق «عدو عدوي صديقي» تسعى إيران للحصول على دعم من الصين عبر المصير المشترك، لمواجهة ضغوط واشنطن الاقتصادية
عند النظر من الناحية الاستراتيجية، فإن توقيع الصين اتفاقية مع إيران، يعني تضرر السياسات الأمريكية تجاه الأخيرة بشكل كبير، وتغيّر جميع المعادلات في المنطقة. والنجاح الذي قد تحققه الصين بشأن توفير متنفس لإيران نتيجة هذه التطورات، يمكن أن يتحول إلى «تحدٍ» خطير للولايات المتحدة في العالم بأسره وليس فقط في الشرق الأوسط. وأبسط مثال على ذلك، ما كسبته طهران من اتفاقية التعاون الدفاعي والعسكري، التي وقعتها الصين مع إيران في عام 2016. لأن الاتفاقية لم تقتصر على الأسلحة الصغيرة فحسب، بل شملت أيضًا أنظمة الصواريخ الباليستية التكتيكية، والمضادة للسفن والصواريخ قصيرة المدى، وتقنيات الطائرات بدون طيار، حيث كانت كلها جزءًا من هذه الاتفاقية.
انطلاقاً من منطق «عدو عدوي صديقي» تسعى إيران للحصول على دعم من الصين عبر «المصير المشترك» لمواجهة ضغوط واشنطن الاقتصادية. وكان وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، قد حاول قبيل زيارة له إلى الصين العام الماضي، التركيز على المفهوم القائل إن «عدونا مشترك ويجب أن نتضامن مع هذا العدو المشترك». في هذا السياق، تدعم إيران سياسة «الصين الواحدة» التي تشكل أهمية كبيرة، وهي بمثابة نقطة ضعف بالنسبة إلى الجانب الصيني. كما أنها تنحاز إلى جانب بكين في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
خلاصة الكلام، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار النتائج المحتملة للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة هذا العام، أثناء محاولة التنبؤ بالآثار المحتملة لتوسيع وتعميق العلاقات الصينية – الإيرانية. فالمشْهد الجديد المحتمل، في ظل الحديث عن صعوبة انتخاب ترامب، سيحمل معه مخاطر وفرصًا جديدة ليس فقط لإيران بل لجميع دول المنطقة.
القدس العربي